السبت، 29 يناير 2011

الانقلابات العربية الجديدة



" أنَّ مَنْ يعتقد أنَّ نجم الثورة قد أفَل ، فهو أما متساقط أو خائن أو جبان .
 فالثورة قوية كالفولاذ . مشتعلة كالجمر ، حامية كالسندان ، والطريق مظلم
وحالك . أن لم تحترق أنت وأنا فمن سيضيء الطريق ؟"
تشي: أرنستو جيفارا ، ثائر عالمي من الأرجنتين




لقد شهدنا في الخمسينيات من القرن العشرين سلسلة من الانقلابات على النُظم الحاكمة في المنطقة العربية ، وحتى فترات قريبة كنا ومازلنا نرى هذه الانقلابات هنا وهناك ، مرة انقلابا أبيضا ومرة أخضر ( تيمنا بلباس الجيش كما هو شائع ) .

ونحن الآن نشهد انقلابات لكن من نوع جديد ، نوع قريب إلى قلوبنا لسبب بسيط وهو أن ( أصله الشعب ) و  ( وقوده أرادة الشعب ) ، عكس الانقلابات البيضاء والخضراء والتي ( تنطلق باسم الشعب )  و ( وقودها حب السلطة والتسلط ) لشخوص تلك الانقلابات ، وكم قد أُخذت الدنيا باسم الشعب المسكين والذي في النهاية يظهر أن لا ناقة له في منجزات الثورة ولا جمل ، إلا الفُتات طبعا لأن عُشاق السلطة لا يحبون الفتات وكما يقول المثل الشعبي في الخليج بالدارجة ( لو فيه خير ما سلاه الطير ) سلاه أي تَرَكَهُ ونَسِيّه .

أما لسان حال الشعب فكما وصف الخليفة العباسي نفسه في أواخر الحُكم العباسي والذي كان حُكْمُه اسميا فقط ، حين قال :

أليس من العجائب أنَّ مثلي
يرى ما  قلَّ  ممتنعاً عَليْهِ

و تُؤْخَذُ باسمه الدنيا جميعا
وما من ذاك شيءٌ في يديهِ

هبت رياح التغيير من تونس فأنعشت قلوباً ملأ اليأس حناياها وجعلها تُسلم بأن هذا الواقع هو أمر قدر لا يمكن تغييره ، لكن النار المشتعلة في جسد ( محمد بو عزيزي ) أضاءت الطريق أمام الشعب العربي . وأحسب أن ( محمد بو عزيزي ) حين أضرم النار بجسده لم يكن يعلم أن نار جسده ستنير الطريق لإرادة الشعب ليس في تونس وحدها بل حتى في الأقطار العربية .

يقول تشي جيفارا : ( أن لم تحترق أنت و أنا فمن سيضيء الطريق ؟ ) . لكن الشعب المصري أراد أن يكون الاحتراق ليس عبر الأجساد بل عبر أيقاد شموع الحرية ، لتنير لهم السبيل نحو دولة أكثر احتراما للمواطن فيها ، و أكثر عدلا ، وأن تكون تنميتها لأبنائها وليس لأجل شعب ودولة مفتعله مثل الكيان الصهيوني الهمجي . فكانت الثورة في مصر ، ولا أسميها يوم الغضب ، بل ثورة الكرامة .

ما المجد زُخرفُ أقوالٍ تطالعه
لا يُدركْ المجد إلا كُلِّ فعّالِ


أجل ، خرجت الجماهير ـ في تونس والجزائر واليمن ومصر والبقية تأتي ـ تَهتف ضد الظلم والقهر والذُّل ، ضد الفاسدين والمفسدين والعابثين بموارد أمتهم وأرزاقها ، ضد أصنام السلطة وأزلامها ، ولسان حالهم يقول :

لقد مضينا فلم تضعف عزائمنا
عما نروم ولا خابت مساعينا

قوم إذا خاصموا كانوا فرعنة
يوما ، وأن حكموا كانوا موازينا

تدرعوا العقل جلبابا فإن حميت
نار الوغى خلتهم فيها مجانينا

أنَّا لقومٌ أبتْ أخلاقنا شرفاً
أن نبتدي بالأذى من ليس يؤدينا

بيضٌ صنائعنا ، خُضرٌ مرابعنا
سودٌ وقائعنا ، حُمرٌ مواضينا

لا يظهر العجز منَّا دون نيل مُنَّى
ولو رأينا المنايا في أمانينا



أن ما ميّزَ ثورة (  مصر ) عن احتجاجات ( الجزائر واليمن )  هو أن الأولى قادتها وأبطالها الشعب وليس الأحزاب ، لذا هي من القلب ، وما كان نابعا من القلب فأن نبض الصدق والإخلاص يُغذيه ويُشعله ، وكلما أراد أحد أن يُطفِئُه أزداد إضاءة واتقادا ، وأزداد قوة و وهجاً.

و الجميل في ثورة مصر أيضا أن موعدها هو نفس يوم احتفال أكبر مؤسسه قمعية ، مؤسسة الظلم والبطش بعيدها وهي مؤسسة الشرطة  .

أن من زار مصر يعلم كيف هي تلك المؤسسة المشوهة ، وأن أكثر ما يَأَسف عليه المرء هو كون أفراد هذه المؤسسة جزء من الشعب للأسف ، لكنهم يتعاملون معه وكأنهم جاءوا من كوكب أخر لا يَمُتُ لهذا الشعب بصلة ، وطريقتهم لقمع المظاهرات تكفي لتفسير ما أقصده . فقد قتلوا الشعب لأجل مصالح فردية لضباط داخل الشرطة ـ ومنهم قصة المُدون خالد سعيد الذي قتلته شرطة الإسكندرية حين وثق بالدليل الساطع متاجرتهم بالمخدرات ـ و هي مؤسسة جنودها مجرد شحاذين ومرتشين وفاسدين وكم حقروا أفراد الشعب وتعاملوا معه كأنهم عبيد وليسوا مواطنين واجب هذه المؤسسة خدمتهم وحمايتهم .

لكن ما أخشاه هو أن اللئام لن يتركوا للشعب الحر في مصر مجالا لتحقيق مطالبه ، ممثلين في الولايات المتحدة ، و أعني باللئام ثلاثة :

·       أصحاب رؤوس الأموال في أمريكا ( وجلهم من اليهود أو المسحيين المتشددين ) .
·        و الصهاينة ( في أوروبا وفي أمريكا وفي الكيان الصهيوني ) .
·        و عَبَدة  ( الكراسي والسلطة ) في السلطة المصرية وفي السلطات العربية .

أن هؤلاء مصلحتهم في مصر أكبر من تونس ومن الجزائر ، و أتفاق المصالح بينهم سيجعلهم يتكاتفون و يستميتون لتحقيق هدف بقاء عَرّاب الفساد العربي وعبد اليهود محمد حسني مبارك ، رأس النفاق والفساد . ليس لسواد عيني ( مبارك ) طبعا بل لأجل مصالحهم وأن لم يكن ( مبارك )  فعلى  الأقل سيأتون بنسخة مثله .

لا يخفى على ذي لُب أن ( خمس نقاط ) في جسد الوطن العربي تُكوّن العصب الرئيس في قوة الأمة ، وأن الإمساك بها يعني السيطرة التامة عليها وشل حركة هذه الأمة ،ليمكن توجيهها وفق ما تبتغي طغمة اللئام تلك ، والنقاط التي أعنيها هي : ( السعودية ، و العراق ، و مصر ، و السودان ، و المملكة المغربية  )  .

فهذه الدول الخمسة تعني ( العصب الديني ، و الاقتصادي ، و السياسي ، و العسكري ، و الأمني ، و الجغرافي  ) ، وهي تشكل لجسد الأمة نفس ما يُشكله الأعضاء الرئيسة في الجسد البشري : ( القلب ، و المخ ، و الرئتين ) . أما باقي الدول فهي بمثابة باقي الأعضاء في الجسد ، أن السيطرة عليها يكون من أجل أبقاء إخضاع الأعضاء الرئيسة فقط ، وأن سقوطها لا يسبب بالغ الأذى ـ بالنسبة لطغة اللئام ـ كما يُشكله سقوط أحد الأعضاء الرئيسة . لأجل هذا طال ( موت الأمة  السريري ) ، وربما الآن ـ وهذا ما نتمناه بصدق ـ سنشهد عودة الحياة من الرمق المتبقي فيها وهو الشعب ، لأنه روح الأمة ومادامت ( الروح ) بخير فالأمل لعودة الحياة للجسد يبقى موجودا .

يقول الصهيوني(  بن إليعزر )  للإذاعة العامة في الكيان الصهيوني : ( سيكون للانقلابات في العالم العربي تأثيرا مباشرا على إسرائيل وقد تزيد الكراهية والعنف اتجاهها ) . طبعا هذا في حال جاءت هذه الانقلابات بحكومة وطنية مخلصة شريفة ، وأنهم أشد ما يخافونه هو صعود ما يسمونهم بالإسلاميين لأنهم يعلمون أن هؤلاء لن يساوموا على كرامة الأمة .

لا يغرنَّ أحدكم خطابات الحكومة الأمريكية ، والتي تؤكد ـ  للمتأمل والعارف ـ مدى استياء أمريكا من ثورة الشعب في مصر ، فهي لن تجد مثالا لـ ( مبارك ) ، والذي لم يكن مباركا على مصر أبدا . وكأن الحكومة الأمريكية لم تكن تعرف أن ( نظام مبارك ) نظام فاسد وقمعي وتسلطي وغبي أيضا .

لقد قيل : أنَّ الظُلم داء
فلا تأتمن أهل الرياءِ

يدعون شعب مصر لضبط النفس ونبذ العنف ، فليدخروا نصائحهم لهم ، هم أهل العنف الذي ليس في محلهِ ، فأمريكا ـ طول تاريخها منذ البدايات الأولى ـ كانت مثل العَلَق والقِراد ، نَمَتْ وكَبُرتْ وتربت على الدماء ، حتى عندما لم يكن أراقت الدماء ضرورة .

أننا لا نلوم أمريكا على بحثها على مصالحها ، ولا نلوم الصهاينة كذلك ، ونحن أيضا من حقنا كأمة أن نبحث عن مصالحنا ، وأن نتعامل مع من نريد وأن نمقت من لا نريد .

في لقاء لقناة الجزيرة مع سفير أمريكي سابق في مصر يقول أن أمريكا لا تحب التعامل مع الإسلاميين وأنها تفضل العلمانيين ، علمانيين بالقدر الذي يسمح للآخرين بالتعايش والعيش في بلد كمصر به مسيحيين مع مصر .

عندما كنت أسمعه كنت أتسأل :

إلى أي حد يُصور غرور الأمريكان وتعاليهم وأنانيتهم إلى أي حد يصور لهم أن الآخرين أغبياء ؟

ألم يقرؤوا تاريخ الأمة ، و تاريخ مصر ؟

لو كان المسلمون يحملون نفس تعصب الأوربيين الذين دخلوا أرض أمريكا أول ما دخلوها ، أترى نجد إلى يومنا هذا مسيحي على أرض ( مصر )  وغيرها من أقطار الوطن العربي والإسلامي ؟

لو كنا متعصبين مثلهم ألن ينقرض أصحاب الديانات الأخرى في الأمة كما أنقرض الهنود الحُمر في الولايات المتحدة أو كادوا ينقرضون ؟  أو كما أنقرض السكان الأصليين في استراليا أو كادوا ينقرضون ؟  أليس كذلك ؟

أننا اليوم و بعد مرور أكثر من ( ألف وأربعمائة  ) سنة على وجود الإسلام لازلنا نجد عدد لا ليس بالقليل من الصابئة واليهود والمسيحيين وحتى المجوس والبوذيين .

هل الصهاينة ـ في دولة تدعي نفسها ( إسرائيل ) تقوم على أساس ديني بحت ـ مسالمين ؟

إلا يقتلون العرب والمسلمين والمسحيين لأن دولتهم يهودية بحته ؟

لماذا لا تُطالب أمريكا ( إسرائيل المزعومة ) بوضع دستور مكتوب يحدد هويتها السياسية ؟

لماذا لا تطالب أمريكا ( إسرائيل المزعومة ) بتبني نظام علماني بدل النظام الديني ؟ حتى يستطيع الآخرين العيش بسلام معهم ؟

كم هي غريبة فلسفة أصحاب المصالح الأنانية والمغرورين !!!!

يحاولون تخويف الناس لتفريقهم بطرق شتى مثل محاولة فرض الجيش لحضر التجول وتهديد الذي لا يتقيد به ، و محاولة إشاعة أن ـ ما يسمونهم ـ الإسلاميين هم من نظم هذه الثورة وأن المسيحيين غير مشتركين بها وذلك لتشويش على الناس وتخويفهم ، وهذه طبعا غير صحيح فكل أهل مصر نزلوا للشوارع لم يطلب منهم أحد النزول وهم لا يمثلون غير أرادة الشعب فقط ، فيهم المسيحي والمسلم ، الصغير والكبير ، المثقف و الأمي .

يقول المفكر الدكتور ( محمد عمارة ) أن سبب عدم تدخل الأزهر ولو بالتصريح فيما يخص ثورة أهل مصر ، أنما يرجع إلى أن سياسات الأزهر تقتضي عدم التدخل في السياسات الداخلية للدولة ، ولكنها تتدخل في القضايا الإسلامية لأنه دورها .

لست أدري ما كان مقصد الدكتور ( عمارة ) وهو مفكر له مكانته في نفوسنا كشباب في هذه الأمة ، هل كان تبريرا أم تذكير فقط ؟

فإن كان تبريرا من باب الدفاع عن عدم مشاركة الأزهر ، فهذا غير مقبول بتاتا ، فالأولى لمؤسسه دينية بمثل الأزهر أن لا تقف على الحياد في مثل هذه الظروف تحديدا ، والأولى بها النظر في أحوال البلد بدل التفلسف في أحوال الأبعدين ، وهذا أقرب للمنطق ، وإلا لما أوصى الله نبيه قائل : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }[1]

وكما يقول الداعية الأمريكي المسلم حمزة يوسف : " أن الحياد في المسائل الأخلاقية يعتبر خيانة " وإلا فلما صمتهم طوال تلك المدة على ظلمه وتجبره وفساده ، و " الساكت عن الحق شيطان أخرس " ، فما بالك أن كان هذا الساكت بمنزلة مثل منزلة الأزهر و الكنيسة .

لكن لا يمكن لشيخ الأزهر ولا للكنيسة أن يتحدثا ، لأنهما مجرد مؤسستان تابعتان لحزب مبارك ـ وأن ظهر أمام العيان غير ذلك ـ لأنهما أن انحازا في صف الجماهير لن يكونوا سوى متسلقين يبحثون عن المكاسب و يلوذان إلى صف المنتصر ، وأن تحدثا في صف مبارك فأنهما يشوهون صورتهم بأقبح مما هي عليه أصلا .

أجل ، أننا نحزن بالغ الحزن لمن قضوا في هذه الثورة ، لكنها الثورة هكذا ، لابد لكل ثورة من شهداء ليعلوا مجدها ، ولو خُيِّر أهل مصر وأهل تونس وكل الشعوب المظلومة لما اختاروا أراقت الدماء ، و لاختاروا العدالة والحرية والكرامة والازدهار . لكن أمام جحافل الظلم لا خيار إلا ببذل الدماء


هجرته   و   أنا   أدرى   بعلتهِ
لابد في العضو ـ إن يفسد ـ من البترِ


ونسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يتقبلهم شهداء عنده لأنهم ثاروا ضد الظلم ، اللهم آمين .

مما لا نشك فيه أن مبارك وأزلامه في اتصال تام مع ( طغمة اللئام ) وسيستميتون جميعا لإخماد الثورة ، وهذا ما نشهده الآن من قطع الاتصالات والانترنت ، واستخدام الرصاص ، وغيره من أساليب سنشهدها في الأيام القادمة .

وأكبر حيلة هي زج ( الجيش المصري )  في خط المواجهة ، أهل مصر فرحوا وهللوا ترحيبا بالجيش ، لكن ماذا سيكون دور الجيش في مثل هذا الموقف الحساس جدا ؟

هل سيترك للثُّوار السير اتجاه القصر الجمهوري ؟

أم هل سيفجر رؤوس الثوار بدباباته المدرعة دهسا أو بإطلاق القذائف ؟

في اعتقادي لو كان الجيش وطنيا بصدق ـ وأقصد الآن ودعنا من التاريخ فللتاريخ أبطاله ـ لرفض الدخول في هذه المواجهة ، لأنه سيكون فيها بين نارين . وأن أفراد الجيش هم من صميم الشعب لذا هم يعلمون أن ( مبارك )  ظالم فاسد و سارق ، وأن ثورة الشعب ليست تمردا ولا خيانة ، وإنما حق مشروع .

ليت الجيش و قيادته ـ تحديدا لأن المسؤولية تقع على عاتقها أولا و أخيرا ـ اكتفى بحماية المتاحف و الممتلكات العامة للدولة ، لأن أهل مصر يرفضون الشرطة جملةً وتفصيلاً ، ولا يحق لأحد أن يلومهم أبدا على هذا الكره والحقد . ورأيناهم ما فعلوا حتى بالشرطة العسكرية .

قال أفراد الجيش للثوار عند أول لحظات انتشار الجيش في الساحات قالوا : جئنا لكي نحميكم .

تحمونهم مِنْ مَنْ ؟ وكيف ؟ وأنتم جئتم بأمر من عدو هؤلاء الثوار .

تحمونهم مِنْ مَنْ ؟ وكيف ؟ وأنتم تتفرجون عليهم والأمن يفرغ فيهم رصاصاته القاتلة وأنتم تقفون متفرجين لا تبتون ببنت شفه . ولا تتحرك فيكم النخوة .

تحمونهم مِنْ مَنْ ؟ وكيف ؟ وأنتم تسدون الطريق علي الثُّوار بمدرعاتكم لتمنعونهم من إسقاط الخائن الفاسد .
تحمونهم مِنْ مَنْ ؟ وكيف ؟ وقائد الجيش منذ أول يوم للثورة وهو في الولايات المتحدة مع أكثر من عشرين فردا من أفراد قيادة الجيش يأخذون الأوامر من العدو .

هذا ليس جيش مصر ، أنما هو جيش ( محمد حسني مبارك )  وحزبه . لو كان جيش مصر لمضى مع الشعب ليُطيح برأس الفساد أو على أضعف الأيمان بقى على الحياد لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .

يلهث البعض ـ بعد أن تأكد من صدق عزم أهل مصر في الثأر للكرامة والعزة ـ يلهثون للحصول على مغانم و نصيب من المجد ، وهذا ما نراه من أمثال البرادعي الذي جاء على مهل ليأخذ دور الزعامة وما رأيناه من بعض المتحزبين.

حين لم نرى أي تصريح رسمي مصري قلنا : ربما خشي هؤلاء أن يصبحوا أضحوكة كما حصل لزين العابدين بن علي وخطابهُ المثير للشفقة . وهم أصلا لا يملكوا ما يقولونه .

لكننا فوجئنا بمبارك يظهر ليقول نفس ما قاله بن علي ، ألآن أستيقظ من غيبوبته وفهم مطالب الشعب ؟ الآن فقط علم المسكين أن شعبه يقاسي ويعاني ، وأن أتباعه هم محض لصوص مثله وفاسدون مثله ؟ كم هم ـ هؤلاء الحُكام ـ مثيرون للشفقة .

ألا يعلم أنه ممقوت ؟

أليس لديه ذرة كرامة ؟

بدل استخدام السلاح ضد شعبه وبدل أن ينعتهم بالمخربين والمتمردين ، وهو يعلم أنه ـ بعزة الله ـ وقوته ظاهرين عليه ،  كان جديرا به على الأقل أن يفعل ولو شيء واحد ينم عن أنه إنسان يملك ذرة كرامة ويقدم استقالته ويخرج من مصر احتراما لشعبه . أو احتراما لنفسه على أقل تقدير .

لقد سمعنا بعض الشائعات تقول باحتمال أن تكون ( سلطنة عُمان ) هي المكان الذي سيتم استقبال حسني مبارك فيه كلاجئ سياسي . لكننا هنا في السلطنة لا نقبل به ، فأرض عُمان الطاهرة لا يسعها تحمل دنس ونجاسة مثل هذا الرجل الذي ـ أعتقد ـ أن الشيطان نفسه يتبرأ من أعماله المشينة .

فليذهب لليهود ـ أسياده ـ ليحتمي بهم وليلجئ عندهم ، فقد كان طوال فترة حُكمه المقيت (  الحضي لديهم ) .

نحن لا نخاف على الثَّوار من خِدَع السلطة القديمة ، لأنهم أكثر وعيا و ذكاءًً منها ، لكننا نخاف عليهم من الخونة والمرتزقة ، ونخاف أن تلجئ السلطة المنبوذة ـ في محاولاتها اليائسة للبقاء ـ إلى استخدام الاغتيالات وتصفية الزعامات والشخصيات الوطنية . نسأل الله لهم ولأهل مصر السلامة منهم ، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم وأن يدحر اللئام .

وأخيرا ..

أن في القلب الكثير مما تغص به الصدور ونحن نرى ما نراه لكن القلم لا يُسْعِف المَصْدُور ، ونعزي أنفسنا و نؤملها بأنه كما يقول الهَمَدانيِّ : ( أن بعد الكدر صفوا ، وبعد المطر صحوا )

لا نملك لإخواننا في الأقطار الأخرى سوى الصلاة والدعاء ـ وذلك أضعف الإيمان ـ بأن يحفظهم الله وأن يسدد خُطاهم ، وأن يسدد رميتهم ، وأن يمدهم بمدد منه ليطهر أرضهم من الأنجاس ، وأن يلقي الرُّعبَ والخوف في قلب مبارك ومن شاكلهُ في أقطار الأمة العربية ، اللهم أنصرهم نصرا عزيزا .




[1] - الشعراء214

هناك 10 تعليقات:

لطيفة شكري يقول...

من أروع ما قرأت في هذه الأونة عن هذا الموضوع .. واقعية لا مثيل لها و تحليل دقيق جدا لكل ما يدور حولنا .. سعدت جدا باكتشاف قلمك المتميز .. ومدونتك المفيدة
تحياتي و تقديري لك .

مدونة بكر أحمد. يقول...

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مقياس الاستبداد والديكتاتورية هو مقياس نذل ومنحط وقائم على تنفيذ الخدمات وحماية المصالح فان سقطت هذه الأمور اصبح ذاك الزعيم ديكتاتوريا يجب تخليص الشعب منه .

في مصر القوى الأمنية ومؤسسة الجيش افرغت منذ كامب ديفيد من محتواها وتغيرت عقيدة الجيش واصبحت مجرد اداة لحماية مبارك واسرته، لذا انا لا اعول عليها كثيرا في حماية الشعب وهذا اسوة بكل الجيوش العربية .

رشيد أمديون يقول...

السلام عليكم

الأستاذ الكريم موضوعك مميز بحق، فأنت تناولت مواضيع مختلفة وكلها تصب في منصب واحد تتناول حالة واحدة، لا يتنازع عليها إثنان لهما من رجاحة العقل نصيب.
حقا هذه بشائر عصر الثورات فقد انتهى عصر الإنقلابات العسكرية، وجاء عصر يحق للشعب أن يقول كلمته التي أسكتها القهر والظلم والسياط فترة من الزمن..
إن من ينظر إلى الخسائر المادية والبشرية ويبرر الواقع بأنه تهور من الشعب وحماقة وتضحية مرتجلة وهذا لعمري لا يفقه في التاريخ شيئا، ذلك أنه من المعلوم أن أي ثورة ولا أية حرية لا تقدم للشعب على طبق من دهب، الثورة تضحية وطريق الحرية لابد لها من خسائر، ولو قارنا ما تسببت فيه الأنظمة الفاسدة في مدار فترة حكمها من خسائر مادية وبشرية مع ما ستنتجه هذه الثورات الشعبية من خسائر لوجدنا الفرق كبير جدا..وأنا أرى أن عناد الحاكم هو السبب في كل شيء.
أما ماقلت عن أمريكا فهو صحيح فتاريخها يشهد حين كانت تقوم بإبادة جماعية للهنود الحمر، اليوم فقط جاءت تريد أن تعلم الشعوب العربية معنى العدالة والحرية وووو...

حياك الله أخي وبارك الله فيك. وهناك نقاك كثيرة توقفت عندها في موضوعك وأعجبتني.
شكرا لك.

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي الفاضلة لطيفة شكري

تحية طيبة

أشكر لك طيب أطراءك ، واشكر لك مرورك الكريم .

وأنا السعيد بزيارتك هذه وتعقيبك


لك جليل تقديري

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ الفاضل بكر أحمد

تحية طيبة

الولايات المتحدة لا تعرف شيء إلا مصالحها ومصالح أتباعها من الرأسماليين ، حتى حمايتها للكيان الصهيوني أنما هو من باب التكاتف المادي ، فقلة قليلة من المتطرفين المسيحيين الذين تلتقي افكارهم العقائدية مع اليهود وهم اصحاب رؤوس أموال لذا فمن هذا الباب تساعد الحكومة الأمريكية اليهود أضافة طبعا إلى أن نسبة 1% من الشعب الأمريكي هو من يحتكر الثروة الفاحشة وهؤلاء منهم نسبة كبيرة تتوزع بين متطرف مسيحي ويهودي .

نعم صدقت لقد أصبح الجيش المصري مجرد مؤسسة تابعة لمبارك وحزبه ، لكن شباب مصر لم تنطلي عليهم الحيلة ومازالوا في الميادين ، فتحية لهم .

وتحية لك استاذ بكر وتحية لشعب اليمن الذي بدأنا نشهد بوادر أستعداد ثورته ، ولكن الوضع عندكم صعب ، بخصوص التكتلات القبلية .

لكن ثقتنا بكم أنت شباب اليمن على توجيه الأمور لتسير في مسارها الصحيح ونحن معكم بالدعاء والصلاة . وفقكم الله

لك تقديري

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ الفاضل أبوحسام الدين

تحية طيبة

يسعدني حضورك الزاكي ، وأشكر لك أطراءك الجميل في حق الموضوع .

نعم لقد صدقت ، أن ما تسببت فيه السلطات المتخلفة من دمار نفسي ومادي ومعنوي للأمة أكبر بكثير مما قد تنال منه ثورة .

والحق يقال أن شباب مصر كانت ثورتهم عاقلة جدا ومتحضرة جدا ، لكن طرفا ثالثا دخل في الخط وهو من سبب هذه الفوضى ، منهم أناس من الفقراء جدا الذين لا يرون أن الممتلكات العامة حق الجميع ، أنما يرون أن تلك الممتلكات حق السلطة لذا لن يخسروا شيء أن سرقوها . وهذا للأسف سببه الأنتكاسات النفسية للأمة وسببها سياسات القمع والأنعزال بين جسد الأمة وساستها .

أجل سيدي الكريم ، أن أمريكا تحمل وجها قبيحا تخفيه بقناع زائف ، وهنا أستحضر شهادة شاهد من أهلها أنه توماس شيتوم كاتب كتاب الحرب الاهلية الثانية ومحارب من محاربي امريكا في حرب فيتنام يقول : (أمريكا ولدت في الدماء ورضعت بالدماء واتخمت دماء وتعملقت على الدماء ولسوف تغرق في الدماء ) .

حياك الله أخي وبارك فيك و وأشكر لك تعقيبك

لك تحياتي وتقديري

admin يقول...

أخي الفاضل،
لقد طفح بالشعوب الكيل، وكما هي القاعدة الفيزيائية المتعارف عليها: الضغط يولد الانفجار، كانت الشعوب العربية تحتاج من يشعل الفتيل، فما كان من المرحوم "محمد البوعزيزي" سوى أخذ صفة هاته الشعلة، فأحرق بذلك كل بذور الخوف التي رزحت في عقول شعوبنا لسنوات طويلة، فما عاد يخفيهم الأمن المستبد، والنظام الدكتاتوري..

وها نحن شاهدنا الحلقة الأخيرة من المسلسل التونسي، ونشاهد الآن اقتراب الحلقة الأخيرة من المسلسل المصري، وسنشاهد، إن شاء الله، بقية المسلسلات العربية..

سعيد أني كنت هنا..

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ الفاضل خالد أبجيك

تحية طيبة

صدقت ، طفح كيلها وزادت فوق الكيل كيلا حتى ظن هؤلاء الفاسدون أن صمت الشعب خنوع وعيّ ، لكن الشعوب هكذا دوما تصمت ثم أن نطقت يكون نطقها حسما وقولا فصلا .

نسأل الله الخير والصلاح لكل أقطار هذه الأمة

سررت بمرورك وتعقيبك

لك تقديري

زينة زيدان يقول...

أخي أفلح اليعربي
تحيتي لك على هذا الحس العربي والتحليل الدقيق

لكل شيء نهاية ولكل شيء بداية

ومهما طال الوصول للنهاية أنما ستأتي
وها هي تأتي الان نهاية الظلم
وتولد من النهاية بداية
وستكون البداية خير بإذن الله

يسرني ان اكون هنا

أشكر طرحك المميز-+++++

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي الفاضلة زينة زيدان

تحية طيبة

صحيح صدقتي لكل شيء نهاية

لكن المحزن أن يتم محاولة التوقيع بالشعب ضد بعضه ، لتفريق والتشتيت

مازلوا يراهنون على نفس الحيل القديمة:

التفريق

التضليل الإعلامي

التلاعب بالمصطلحات

اللف والدوران

وأستدرار عطف الجماهير واللعب على وتر العاطفة .

والقمع والعنف بين الفينة والأخرى

نسأل الله أن يمُنَّ على الأمة بألطافه


سعدت جدا لمرورك الجميل وتعقيبك


لك تقديري