"طالما سمعت تكرار شعار
"أوروبا" من رجال
السياسة ، بينما كانوا بنفس الوقت يتوجهون إلى
قوى أخرى بطلبات لا يتجرؤون على صياغتها
بأسمائهم الصريحة "
أوتو
بسمارك ، المستشار الألماني الأسبق.
في
كثير من المحافل تدور النقاشات بين المواطنين العرب سواء بين أبناء الجنسية
الواحدة أو الأقطار العربية المختلفة ، هناك الكثيرون ـ وأنا أحد هؤلاء ـ يتمنون
أن يرون أمتنا موحدة تملئها العدالة وتنعم بالتنمية الحقيقة الفاعلة وأن يكون
المواطن فيها مكرما ، وأن يتنقل بين أقطاره بحرية وسلاسة كما يحدث في أوروبا اليوم
إذ لا حواجز بين دولها .
لست قُطْرِيًّا
ولا حزبيا وأرفض رفضا تاما أن أرى وطني من ثقب صغير ، دوما حين أسأل أقول : أنا
مواطن عربي وبس . فأنا أمقت التحزب لأن أفقه ضيق جدا .وطني ليس القطر الذي نشأت
فيه ، فهو بالنسبة لي فقط أشبه بمدينتي
الصغيرة التي نشأت بها و ترعرعت ، أنما وطني هو الوطن العربي الكبير .
أحلامي
هذه التي يشاطرني بها أغلب أبناء هذه الأمة هي مدعاة لسخرية بعض المتهكمين الذي لا
يرون أبعد من أنوفهم . فأنت لا يحق لك أن تسخر من حلم أي إنسان مهما كان حلمه .
فالعلم
والتاريخ والعقل المنير يقولون جميعهم أن لا شيء مستحيل ، كم من حلم كان حلم وظنه
الناس خرافة لا يمكن تحقيقها ، لكنها اليوم حقيقة ، ففي العلم نجد الطيران والهاتف
وباقي التكنولوجيا . يقول اديسون : ( الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء)
كيف
كانت آمال التحليق في السماء والتحدث عن بعد عبر أسلاك قبل أن تصبح حقيقة ؟
كانت
مجرد حلم ظنه الجميع وهما وجنونا لا يمكن تحقيقه وها هو اليوم أصبح أمرا معتادا
وعقلانيا ، وفي السياسة مثلا كانت أوروبا دوقيات ، و دويلات ، و أمارات تسعى كل منها لالتهام
الأخرى . حَلُم كثير من ساستها بالوحدة ، وكانوا مَثار تهكم البعض وسخريتهم ، وها هي
اليوم حقيقة رغم أنها كانت أشبه بتحقيق معجزة . يقول المثل الغربي : "لا تفزع
من أن أفكارك غير المعقولة ، فكل الأفكار العظيمة بدأت كذلك"
لذا
أقول ..
يمكن
لأمتنا أن تعيش في الوحدة التي تريدها ليس شرط أن تكون وحدة سلطة ووحدة حدود ،
أنما وحدة تكاملية يسودها التعاضد والتكافل والتعاون والمحبة المتبادلة ، كما هو
الحال في الاتحاد الأوروبي .
نحن
أجدر منهم بها ، لأننا نمتلك من المقومات ما يجعل تلك الوحدة التكاملية أكثر نجاحا
عندنا منهم ، فنحن نشترك في اللغة (حتى الأعراق غير العربية في الوطن العربي تجيد
العربية ) ، ونحن نشترك في الدين ، ونشترك في القيم والعادات إلى حد بعيد جدا ،
ونشترك في الدم ( وحتى غير العرب فينا يعيشون أخوة لنا وأنساب وأصهار ) ، عندنا
موارد اقتصادية يمكننا أن نشكل بها تكاملا اقتصاديا غنيا و رائعا يغنينا إلى درجة
كبيرة عن الحاجة للأخر .
هذا
النوع من الوحدة التكاملي ـ أن صح الاصطلاح عليه هكذا ـ أرى أنسب ما يكون وخاصة في
الوضع الراهن ، وهو يناسب الوضع الحالي للأقطار العربية ، و به لن يهمش احد ولن
يكون بعيدا ونائيا .
فقط
على حكامنا أن يكونوا شجعان ، وأن لا يضعون العقبات الوهمية أمامنا ليسدوا هذا
الباب كالمعتاد طبعا . فأوهامنا دائما تحول بيننا وبين قدراتنا على تحقيق أهدافنا
، وأن يتركوا تلك الألاعيب الأطفال التي
تنشأ عن الغيرة من بعضهم البعض أو عن أنانية في حب الظهور بمظهر الزعيم الخالد ،
أو القائد الفريد الملهم لهذه الأمة ، أو الركض وراء مصالح خاصة ضاربا بعرض الحائط
مصالح الأمة وحتى مصالح شعب قُطره ودولته ، فخزعبلات كهذه كانت دوما سبب انحطاط
أمتنا وتخلفنا وتعين عدونا علينا ، وليس الدين واللغة كما زعم الجاهلين .
إذن
نحن لا نتحدث عن شيء خيالي أو محال ، هناك أمكانية فقط أن توفرت الإرادة الصادقة
والقرار السياسي المخلص كما حدث في أوروبا فهي على اختلاف لغاتها واختلاف أعراقها
وعدم تكاملها إلى حد بعيد ، وحتى الدين رغم أن الشائع هو المسيحية إلا أنها
بمذهبيتها تكاد يشكل كل مذهب دين مستقل بكتبه وقيمه الدينية .
في أوروبا
كان الأوروبيين في عهد بسمارك يحلمون بأوروبا موحدة ، كانت العقبات كثيرة ، لذا
كان تحقيق الأمر أشبه بمعجزة ، أما نحن فلنا من الأسباب الكثير يسهله ، فإذا كانت
قد نجحت مع أوروبا بهذا القدر العظيم مع كل تلك الصعاب فحريٌ بها أن تنجح عندنا
نحن العرب ، ولن تعتبر معجزة بل وضع صحيح سليم .
أذن
فالمُرددين لسخرية بعض أعداء الأمة في أن حلم الوحدة هو تخلف أو شيء شاذ ، أو التساؤلات
التي يطرحها بعض السياسيين الغربيين بهدف مغرض مثل : لماذا تبكون على قضية فلسطين
مثلا ، فتلك دولة أخرى لا شأن لكم بها .
فأنا
أطرح سؤال واحد فقط على هؤلاء الساسة وعلى المرددين خلفهم :
لماذا
يتباكى الأوروبيون والأمريكيون على الكيان الصهيوني ؟
رغم أن
لا صلة بينهم أبدا لا دينيا ولا عرقيا ولا لغويا ولا ثقافيا ولا بحدود ولا بأرض ،
وهم يعلمون أن اليهود لا يحبون أحد أبدا ، وتاريخ أوروبا كله يشهد كره أوروبا
لهؤلاء اليهود بسبب أفعال الأخيرة المشينة في حق أبناء أوروبا و أيضا لأسباب دينية
مسيحية .
أما
نحن فأهل فلسطين هم من لغتنا وديننا وتاريخنا العميق المشترك ، و من دمنا فحق لنا
الألم لألمهم ، والفرح لفرحهم وغير ذلك ، وقس على هذا كل دول الوطن العربي الكبير
.
هم لا
يفهمون مدى ترابط شعبنا العربي والإسلامي ، حتى المسيحيين من أبناء هذه الأمة
أثبتوا ارتباطهم بهذا الوطن وأثبتوا وطنيتهم .
وأخيرا
...
في هذا
الوطن العربي الكبير نحن نكمل بعضنا البعض فنحن حقا كجسد واحد لا يمكن أن تنزع
طرفا منه وتطلب منه أن يعيش معافى . أنما سيعيش بعلهٍ و أعاقه .
ورغم الساخرين سأظل و معي كل العاشقين لهذا الوطن العظيم
نردد قصيدة فخري البارودي :
بلادُ العُربِ أوطاني ** منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ** ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا ** بغـسَّانٍ وعـدنانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ **إلى مصـرَ فتطوانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ ** سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ ** دهاةُ الإنسِ و الجانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مصـرَ فتطوانِ
فهبوا يا بني قومي ** إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي ** بلادُ العُربِ أوطاني
بلادُ العُربِ أوطاني ** منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ** ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا ** بغـسَّانٍ وعـدنانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ **إلى مصـرَ فتطوانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ ** سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ ** دهاةُ الإنسِ و الجانِ
بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مصـرَ فتطوانِ
فهبوا يا بني قومي ** إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي ** بلادُ العُربِ أوطاني
هناك تعليق واحد:
نعم كل شيء ممكن بالعزيمة الصادقة والعمل المخلص الدأوب ويد الله مع الجماعة
إرسال تعليق