( كان
التأمل الروحي يعوز ذلك المكان الذي يتوقع المرء
أن يجده فيه . فكان عليه أن يلتمس
ذلك الجو في صميم نفسه )
مهاتما غاندي ، الرئيس الهندي الأسبق .
مكة حماها الله |
أن قصدتُ بيتكَ و
حللتُ ضيفا عليكَ ، فأنك بلا شك تتوقع مني سلوكيات و آداب معينة ، أحترم فيها
ضيافتك ، و أتخلق فيها بآداب الضيافة أو ( الزيارة ) و أخلاقها . و
كل إنسان منَّا يطالب ضيوفه بمثل هذه الأمور . قد لا نطلبها بشكل صريح ،
لكن هذا ما نتمناه فعلا ، و ننزعج كثيرا حين يكون الضيف غير مهذب ، أو أنه لا
يحافظ على النظافة أو أنه مزعج و غيرها من الأمور .
هذه قواعد عُرفية
يتداولها البشر ( ضمنيا ) بدون أتفاق مبرم ، و يسعى كل منَّا لتطبيقها حسب أخلاقه
و تربيته التي نشأ عليها ، لأن سلوكنا يعكس ـ بلا شك ـ تربيتنا و أصلنا و أخلاقنا
. في المقابل نحن نطالب ضيوفنا أن يمارسوا تلك الآداب .
هذا بيننا نحن الناس (
العاديين ) ..
لكن كيف لو حللت في ضيافة ( ملك أو سلطان أو أمير ) ؟؟
بلا شك فأنت ستنتهج
أسلوبا أكثر صرامة لتطبيق تلك الآداب في حضرة ذلك الملك أو ذلك السلطان أو ذلك
الأمير . ستحرص أن لا ترتكب أي إزعاج أو
سوء أدب أمامه ، و أن لا تسيء له ولا
للضيوف الذين يحضرون مجلسه معك ، و أن لا تنشغل بالعبث بهاتفك أو بأي شيء آخر . أليس
هذا صحيح ؟؟ .
إذن ،، ما بالك بـ (
ملك الملوك ) ، و أنت تحضر ضيفا عليه ؟؟؟
أليس أجدر بك أن
تمارس ( آداب الزيارة ) بكل تفاصيلها ، و
بصرامة أشد من صرامة ممارستها في ضيافة ( ملوك ) البشر ؟؟
تصبح ( مكة ) ـ حماها
الله ـ في موسم الحج ممتلئة
بالأوساخ و القاذورات بسبب مخلفات
الحجاج . و في مواقع أداء المناسك يقوم
الحجاج بالتدافع الشديد بينهم ، ورفع الأصوات في الدعاء و التسبيح و التلبية و
التهليل ، أو بقراءة القرآن بصوت مرتفع تُفقد الإنسان تركيزه و تجعل ( الخشوع ) مسألة
صعبة بعض الشيء .
كل ذلك هو ( سوء أدب ) في حضرة مُضيفك العظيم .
ليس في تلك السلوكيات مراعاة لآداب الزيارة
و الضيافة أبدا .
تبذل ( الحكومة
السعودية ) مساعٍ جبارة لرعاية ( ضيوف الرحمن ) ، و هناك خطوات نتمنى أن تقوم بها
مثل إزالة كل متاجر بيع الهدايا التي حول الحرم ، و الاكتفاء فقط بالمطاعم و محلات
الحلاقة . و المحلات التي تبيع الاحتياجات الضرورية . لأن وجود تلك المحلات تسبب
زحاما كبيرا في الشوارع .
مساعي الدولة و حدها (
لا تكفي ) لجعل موسم الحج موسما ( روحانيا ) بامتياز ، و ليس موسم سياحي أو تجاري
. لذا يجب أن يكون ( الحاج مؤدباً ) . و هدفه من سفره هو ( العبادة ) و ليس أي شيء
أخر .
أنت لا تسافر من بلدك
تاركا أهلك خلفك لتذهب لـ ( مكة ) لتجني ذنوبا ، فهناك الذنب مضاعف و الأجر مضاعف
، أنت تسافر هناك لـ ( ترفع رصيد حسناتك ) ، لتريح روحك من متاعب الدنيا ، للتواصل
مع ( ربك ) بعيدا عن المغريات . لتمحوا السيئات التي جنيتها فيما مضى ، أو لترقع
ما قصرت فيه في جناب ربك بدون قصد منك .
أجعل سفرك هذا ( سفرا
روحانيا ) ، سفرا للقاء الحبيب العظيم و نبيهِ الكريم ، لتريح روحك بلقائهِ و
قربهِ ، لتمحي خطايا جنيتها في ما مضى بقصد أو بغير قصد ، علمتها و لم تعلمها .
لتسد خلل تقصيرك في طاعتهِ ، ليكون هدفك السعي بكل ما يمكن لترضي حبيبك .
إلا تخجل حين تلقي
القاذورات ، و الأكياس و بقايا الطعام في
الأرض ، ألا تستحي من ربك الذي نزلت ضيفا عليه في أرضه المقدسة ؟؟
ألا تخجل حين تكون
أناني تدفع الناس حولك لتبلغ هذا المكان أو ذلك فتسبب أذى لإخوانك المسلمين ؟ وقد
حرم الله أذية عباده بأي شكل من الأشكال .
ألا تخجل حين تكون
أنانيا فتتعلق بالباب و الملتزم وتمكث متعلقا وقتا طويلا تحرم غيرك من بلوغه ؟ و
قد جاء كل منهم في فرصة ربما لا تعوض ليعود لزيارة هذه الأرض الطاهرة مرة أخرى ،
ألم يعلمنا نبينا الحبيب ( حب لأخيك ما تحب
لنفسك ) ؟
إلا تخجل حين تكون
أناني وترفع صوتك بغير داعٍ بالدعاء و
العبادة بصوت عالٍ كأنك تنادي أصم بعيدا ، و ليس سميعا قريبا ؟؟ . فتؤذي أخوانك و تشوش عليهم فلا يستطيعون
الخشوع .
إلا تخجل حين تنشغل
بالتصوير بهاتفك أو العبث به أو الحديث و
الثرثرة في غير داعٍ بدلا من استغلال كل
دقيقة بل كل ثانية بالخشوع و الصلاة و قراءة القرآن و التأمل و الذكر في تلك
الأيام المباركة ؟؟
ألا تخجل حين تقصد
النزول ضيفا على ربك ، بينما قلبك تملئه أوساخ الدنيا ؟ كرها لهذا ، وعداوة لذاك ،
و نصبا و احتيال على أولئك .. أو أخذ حقوق الناس .
حين تنزل ضيفا على
إنسان لابد أن تكون نظيف الثياب ، و حين تنزل ضيفا على ربك لابد ( أن تكون نظيف
الثياب و القلب و اللسان ) .
أجعل وقتك في تلك
الديار ( كلهُ ) لله ، ( كلهُ
) ما استطعت .
يا ضيوف الرحمن ،،
أنتم لا تحتاجون لـ (
كتب الدعاء ) لتقرءوها أنتم و تطوفون و أنتم وتسعون ، بل تحتاجون إلى قلب نقي طاهر
، ( يحب الله ) و في ( لقاء المحبوب ) نحن ( لا نحتاج ) أن نقرأ ما يجب أن نقوله له ، بل أن ( القلب
) وحده يأمر اللسان فيلهج بما يُكِنُّهُ ، فيعبر عن حبه لمحبوبهِ ، ويشكوا له همه
وحزنه . فتسمو روحك بروحانية متألقة تسمو إلى أن تكاد تلامس السماء ، فتمسح رحمات
السماء على قلبك المضني بالحب و الألم و الأحزان ، فتزيح الهموم وترفعك في المنزلة
، و تبلغك مقامات حميدة ، و تحميك من هموم الدنيا وتزيح دخان الهموم العالق
بالقلوب ، وتطهر النفوس من رجس الآثام و الخطايا .
سافر ليبت الله ( من
أجل الله وحده ) ، فكر فيه هو ( وحده ) ، أشتاق له هو ( وحده ) ، وأزح من خيالك و
من تفكيرك كل الدنيا ، ستجد أنك عدت من سفرك غانما بغنائم عظيمة تخص الدنيا و
الآخرة .
لا تسافر ( له ) لأجل الدنيا ، لأنك ستعود خائبا ،
كما عاد بخُفيهِ حُنين .
أحترم عباده و أفسح لهم يفسح الله عليك ، ساعدهم يساعدك ،
أنه يحب عباده كثيرا ويحب من يحبهم ، و يرفق بها ، و يرحمهم ، و يساعدهم ، وأنه
خير من يكافئ الحسنة بالحسنة . و خير من يحفظ المعروف الذي تقدمه ( لأجله ) و ( فيه
) .
عَبِّر عن ( حبك له )
هناك في كل خطوة تخطوها ، في كل نفسا تتنفسه ، بأفعالك وأقوالك و بالتعامل مع كل
ما حولك هناك من بشر ودواب و جمادات ، لأنها ضيفة تحضر معك في حضرة ( ملك الملوك )
، وعارٌ عليك أن تسيء لها .
أن غفلةَ عن أن الله ( موجود معك ) ويراك فأنك عندها ـ لاشك ـ ستسيء
الأدب في ضيافته ، لكن أن استشعرت وجوده ، وتيقنت أنه يراقبك فستحرص على كل فعل
حميد و قول حميد ، بل ستغرق في العبادة و الطاعة بانتشاء .
طلب ، بل هـو رجاء ،،
أن كنت سبق لك السفر
للحج ، أكتفي بتلك السفرة ، ودع المجال لغيرك ليصل لتلك البقاع الطاهرة ، فهي
أمنية يتمناها كل مسلم ، فلا تحرمه .
ولا تسبب الزحام بـ (
تكرار السفر للحج ) ، لأن ذلك الزحام يؤثر على نفسيات الحجاج ، وعلى خشوعهم و على
صحتهم ، لأن فيهم العجوز و فيهم النساء .
أن ( صَدَقَتِكَ ) في العشر أيام من ذي الحجة أعظم بكثير من ( تكرار
الحج ) بعد الحجة الأولى ، فإن النبي قال:
( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر . قالوا: يا رسول الله ! ولا
الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ( و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه
وماله ، ثم لم يرجع من ذلك شيء ) ، لذا تصدق بها تنال القربى بفعلك مرتين :
• مرة لأنك ( أفسحت ) لغيرك ممن أراد الحج لبيت ربه .
• ومرة لأنك ( تصدقت ) على عباده فأدخلت
فيهم السعادة و البهجة .
أحتسبها لله ، و الله ستجدهُ يعبر لك عن امتنانه
و حبه فوق ما كنت ستجنيه من حجة ثانية فليس مثله شكور . أفعلوا كل شيء لأجل الله ، فسيأتيكم بأضعاف
ما كنتم تتوقعون و تحتسبون .
أن كنت لن تنزل ضيفا
على الديار المقدسة ـ حفظها الله وشرفها ـ هذا العام ، فأنصح بما قرأته هنا من
سينزل ضيفا على تلك الديار الطاهرة ، فسيأتيك الله أجرها وأجر من عمل بها بإذن
الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق