( العمل و العمل والعمل
طالما أن أحد
لن يمد لك يد العون و المساعدة )
تشيخوف ، أديب و كاتب روسي .
"الراحمون يرحمهم
الله " نرددها ، لكن هل نؤمن بها ؟ (
الإيمان ) بالشيء يقتضي ( العمل به ) ، فأنت أن أحببت شيء ما ، وأمنت به فإنك لا
شك ستمارسه ، كذلك الحب و الرحمة ، فأنت أن أحببت إنسان سعيت للوفاء له بالأفعال و
ليس بالكلام فقط ، ستسعى لإسعاده بأفعال تنتج حسب مقتضى الموقف ، أن كنت تؤمن
بالرحمة فإنك سترحم حتى الدواب وتشفق عليها من موقف قد تتعرض لها تلك الدواب ،
فمثلا أن وجدت قط يكاد يغرق فأنك من رحمتك له ستسعى لمساعدته و ليس فقط التفرج و
الندب على حالته .
أنظر حولك هناك من
يحتاج لك ، هم أخوانك في الوطن و في الدين و في الإنسانية أن لم يكونوا أخوان في
الدم ، ضع نفسك مكانهم ، صدقني أن لم تجرب يوما ما ماذا يعني أن تكون جائع و لا
تجد ما تأكله فلن تفهم مدى قسوة ما يعانون ، أن لم تجرب سياط البرد القارس و أنت لا تجد ما تتدفىء به أو تلوذ به عنه فلن
تفهم معنى قسوة البرد بلا دفئ ولا ملجأ .
لي مقترح بسيط لكنه
فيما لو عملنا به بإخلاص و إجادة فإننا سنحقق نتائج عظيمة ، ستكبر تلك النتائج مع
الوقت و تصبح إنجاز يحتسب لنا كأخوة و أحبة في هذا الوطن العظيم ، بعيدا عن
المتخاصمين على غنائم الوطن و الذين يسعون دوما لتفريقنا . كل ما نحتاجه هو العمل
الصادق و الجاد و المخلص ، العمل ليس لأجل ( التداول الإعلامي ) أو ( تحقيق شهرة )
، فكم هو قبيح أن تفعل الخير لأجل أن يزداد رصيدك الجماهيري ، أو لأجل ( كسب مصالح
) مادية أو معنوية . عمل الخير لأجل الخير ولأجل الله يجعل البركة تعم الوطن وتعم
الأفراد فوق ما تتخيلون .
المقترح ببساطة[1]
هو أن كل قرية مثلا أو كل حي من الأحياء
في المدن يتم اجتماع أهلها على اختيار ( شخصية ثقة و تتصف بالأمانة ) ليكون هو أمين الصندوق ، ويتم جمع التبرعات
لدية ، بحيث يتوجب على كل فرد دفع ( دولار أمريكي واحد ) كل شهر للصندوق ، وعليه
الالتزام بهذا شهريا .
تخيل لو أن كل قرية
بها ( ألف شخص ) ، هذا يعني أن شهريا يمكننا جمع ( ألف دولار شهريا ) و هكذا ،
المبلغ زهيد ، و لكن كما تقول العرب ( الذود للذود أبل ) .
يكون دور الأمين على
الصندوق ـ ومعه أناس آخرون يتم الاتفاق عليهم ـ اختيار طريقة لتصريف المال ، مثلا
:
·
أن وجدت جمعية لرعاية الأيتام أو الفقراء في نفس المدينة ، يتم التبرع
بأموال الصندوق لها شهريا .
·
أو العمل على إحصاء الفقراء ونوع احتياجاتهم ، و البحث عن سبل تكون مصدر
رزق للفقراء بدلا من الاكتفاء بمدهم بالمعونات الشهرية ، وكما يقال : أن تعلم
الإنسان الصيد خير له من أن تعطيه كل يوم سمكة .
·
في بعض الدول العربية يحتاج الأطفال للمال ليستطيعوا مواصلة دراستهم في
المدارس ، ويحتاجون لشراء الكتب المدرسية ومستلزمات المدرسة ، نحتاج جدا لدعم
هؤلاء الأطفال ؛ لأن الوطن بحاجة لمواطنين أقوياء بالعلم والمعرفة ، وبناء العقول
، كم يؤلمني منظر الأطفال الذين يضطرون للعمل وترك الدراسة ، ليس لأجل نظرية عدم
تمتعهم بالطفولة ، فلا يوجد مفهوم محدد للمتعة ، ولكن لأن هؤلاء سينتجون في
المستقبل جيلا أميا ، و ربما جيلا من المتسكعين و المتشردين الذين يكونون عبء ثقيل
على الوطن من نواحي عديدة .
·
أن كان المبلغ الذي يتم تجميعه جيد لدرجة يمكن معها تأسيس مشاريع وقفية
يعود ربحها لصالح الصندوق فهذا سيكون أمر جدا رائع ، لكن المشاريع هنا نحبذ أن
تكون مشاريع من النوع المضمون الذي لا يتعرض للمخاطر الاقتصادية الكبيرة ، مثلا
المشاريع العقارية ، هي مشاريع آمنة من نواحي كثيرة ، وربحيتها شبه مضمونة . ثم
بعد ذلك يتم تحويل عوائد هذه المشاريع للصندوق مع استمرار مساهمة الناس في الصندوق
طبعا ، وهكذا نحقق دخل ثابت و مستمر و كبير للصندوق يمكن توجيهه لإصلاح حال
فقرائنا بطريقة أكثر مثالية وكفاءة .
·
في بعض الأحياء أو القرى يكون عدد الفقراء قليل جدا ، أو ربما معدوم ،
هكذا يتم تحويل أموال الصندوق للأحياء التي بها فقراء ، فلا نقول أن حينا أو
قريتنا ليس بها فقراء و نكتفي ، لا ، فإن لم يكن حولك فقراء فإنه يوجد فقراء في
مكان أخر في وطنك .
·
أن أمكن البحث عن حلول جيدة لإيواء الأطفال المتشردين و النساء ، وهؤلاء
لهم الأولوية في الإيواء ، بأن يتم إنشاء ( دار ) لهم بدلا من تركهم للنوم في الشوارع أو المقابر.
وعندما أقول ( إنشاء دار ) ، أنا هنا لا أتحدث عن أنشاء ( سجون ) تحت أسم ( دار أو
مأوى ) ، فكم هو قبيح التحكم بالإنسان
الذي سلبه القدر أمكانية العيش بعزة نفس وكرامة ، نحتاج لمأوى يكون بمثابة ( بيت )
يملئه العزة و الدفء و الكرامة ، هذا ما أعنيه بالضبط . لا استغلال فيه ولا قهر
ولا تحكم لؤلئك الذين سلبهم القدر نعمة الحياة الكريمة .
·
في مرحلة متقدمة يمكن صرف هذه الأموال في مساعدة الناس الذين يحتاجون
للعلاج و ليس لديهم إمكانيات مادية كافية
.
هذا مقترحي البسيط
أحبتي الكرام ، و من له أضافه فمن الجميل تعريفنا بها ، ليعمل كل منَّا عليها من
موقعه ، ومن بلده . تخيلوا معي أيها الأحبة لو أن كل قرية و كل حي من الأحياء أو
كل مدينة من المدن تفعل هذا الأمر ، سوف نستطيع تقليص ( الفقر و الجهل و التشرد )
من أوطاننا ، و سيستطيع كل منَّا مهما كانت مكانته الاجتماعية أو وضعه المادي في
المساهمة في أعمار هذا الوطن عبر ( تعزيز مستوى الإنسان ) فيه . وبهذا نستطيع بناء
وطن سليم الجسم .
الجوعى في أفريقيا
يحتاجون مساعدة ، و في باكستان وأفغانستان ، لكن علمنا ديننا أن ( الأقربون أولى بالمعروف ) ثم الأبعد ثم الأبعد
. لأننا هكذا سنكون أقوى في منح الخير لأخوتنا في الدول الأخرى . أما غير ذلك فهي
كالفاكهة النضِرة الجميلة المنظر الخارجي
لكنها من الداخل خاوية و جوفاء .
كثيرا ما أجد أن السعي للأعمال ( التطوعية و الخير ) يتم الترويج له
وحصره غالبا لـ ( ذوي الاحتياجات
الخاصة ) أو ( المرضى ) ، بينما يترك ( الجوعى
) و ( المشردين ) ، و رغم أيماني بحق
أولئك لكني أيضا أؤكد على حق هؤلاء ومدى خطورة وضعهم الإنساني وكذلك وضع
الوطن معهم .
وأني أدعو أخوتي الذي منحهم الله نعمة المال أو
الوجاهة و المشاهير أن تكون لهم زمام المبادرة بين جمهورهم ومريديهم و أتباعهم
ليكونوا قدوة خير ، و أتمنى من كل قلبي أن لا يكون فعلهم للخير لأجل زيادة أتباعهم
أو لأجل زيادة شهرتهم ، بل لأجل حب الله ، وحب البشرية ، فوالله ليس ( أرقى ) من
إنسان يعطي ( لوجه الله ) . و ليس أوفى من الله سبحانه في جزاء الإحسان بالإحسان .
للأسف هناك ( بعض )
من الناس ـ ولا نعمم ـ لا يعطون إلا ( رياءً
) ، وكم هذا قبيح ، ليس بسبب الرياء وحده ، ولكن لأن هذا الإنسان ( يقتات على كرامة ) غيره ممن سلبهم الله نعمة
العيش بكرامة و عزة نفس ، وجعل لهم حاجة
في أيدي الناس . ولا يعلم هؤلاء أن الله ديان .
أخيرا أيها السادة
الكرام ..
لنترك السجالات المذهبية
لعلماء الأمة لان دخول العامة فيها تحلق الدين ، و اهتم أنت بطاعتك و رفع شأن نفسك من ناحية دينية و تحرى
الحق ما استطعت .
لنترك السجالات
السياسية فإنها تحرق الوطن ، الحمقى يتقاتلون و اللصوص السياسيون وحدهم ينعمون بالغنائم
و الأمان ، و بين الاثنين وطن يحترق ، و مواطن
مشرد ، و جائع ، و خائف .
دعوا الساسة يصفون
حساباتهم بين بعضهم ، فلينزلوا هم وأبنائهم للشوارع ليتقاتلوا بعضهم بعض ، ولينزل
أهل الشقاق المذهبي ليناظروا بعضهم بعض إلى أن يتوصلوا لقرار حاسم يؤكد من منهم
ستكون له الجنة ومن سيكون في النار .
و تعالوا نحن أبناء
هذا الوطن لنبر به ، لـ ( نبني ) بدل من
أن ( نبكي ) ، لـ ( نعمل ) بدلا من أن ( نشجب ) ، لـ ( نتعاون ) بدلا من أن ( نتناحر
) . لـ ( نطرح الأفكار ) بدلا من أن ( نتلاسن
بالسب و الشتم وحصد الآثام باللسان ) في
جدالات عقيمة ، لا يمارسها إلا الجهلة ،
وصغار العقول .
لأن أولئك الساسة و
المتعصبون مذهبيا و سياسيا وطائفيا حالنا معهم مثل الذي نشبت في بيته حريق ، فبدلا
من أن يتركوك لتطفىء الحريق فإنهم يقومون بنشب خلاف و شجار ليشغلوك بفك الشجار بدلا من أن يتركوك تطفىء النار . و بعد أن تنتهي من فض عراكهم و
شجارهم ـ الذي يستمر في التفرع ـ ستنتبه أن البيت قد صار رماداً ، و لات حين مندم
.
أيها السادة ..
دعونا من النقد لأجل
النقد ، فليس أسهل من التفلسف ، و دعونا من التذمر و الشكوى و تحقير الذات و الوطن
، لأنها عادة العاجز الذي يبحث عن ( شماعة ) يعلق عليها فشله ، و دعونا من تأييد
أهل الشقاق و النفاق .
ما نريده حقا هو ( البناء ) . و العمل ، ثم
العمل ، ثم العمل ، فالوطن يكون بالمواطن وليس فقط بالحكومات ، وتذكروا أنه ( كما
تكونوا يولى عليكم ) .