( لا تبحث عن عيوب الجيش داخله ،
و إنما أبحث عنها في المجتمع )
إليكس دي توكفيل ، سياسي و كاتب
فرنسي .
ما هو
الوطن بالنسبة للكثيرين ؟ للأسف الموضة الحالية تقول : أن الوطن هو دولة تقوم ـ
كالأم ـ بكل شيء ، ولا يحق لها أن تفطم أولادها ، ولا تستحق الاحترام منهم ، فقط
تستحق التعالي و التطاول عليها . و رفع الصوت .
هذا
النوع من المفاهيم لا نريده ، ولتذهب الوطنية للجحيم أن كانت كذلك ، الوطني الصادق
هو إنسان صاحب مبادئ و أخلاق رفيعة ، مبادئه هذه ( تبدأ منه هو ) ، يطبقها على
نفسه ، يثور ضد نفسه أن قصرت ، يحاسبها أن توانت ، ثم يسعى أن يكون ( قدوة خير) ،
و يد بناء في وطنه . يعلم أنه ـ مهما كانت منزلته في وطنه ـ ذا أهمية ، وأنه ذا
تأثير في وطنه سواء بالسلب أو الإيجاب في وطنه . ما يطالب به لابد أن يطبقه على
نفسه أولا هكذا كان نبينا صل الله عليه و سلم .
حتى
ذلك الهندوسي الشهير المهاتما ( غاندي ) ، لم يلقبه أتباعه و مريديه باسم (
مهاتما ) إلا لأنه جدير بها ، كان يبدأ بنفسه ليعلم أتباعه ، لأن القضية بالنسبة
له كانت أخلاقية وقضية مبادئ ، لأنه إنسان صاحب فكر ، و صاحب ضمير حقيقي . أتته
امرأة في أحد المرات ، ومعها أبنها الصغير ، وطلبت من المهاتما أن ينصح أبنها عن أكل
الحلوى ، فقال لها غاندي : أرجعي لي بعد شهر . أخذت أبنها وذهبت ، وثم عادت بعد
شهر إليه ، فأدني الطفل منه ، وقال : بني لا تأكل الحلوى . فتعجبت المرأة منه و
غضبت ، قالت : أنتظر شهر كامل لتقول هذه الكلمات فقط . فأجابها بروحه السمحة
الحليمة الحكيمة بأنه كان قبل شهر يحب أكل الحلوى ، وقد توقف خلال هذا الشهر عن
أكلها ، ليتسنى له نصح الطفل بصدق .
أرأيت
كيف يتعامل هذا ( الهندوسي[1]
) الشريف ، صاحب الروح العظيمة ، لا ينهَ
عن ما يفعله ، و يعمل بجهد حتى يكون ( قوله ) متناسب مع ( فعله ) ، مبادئه تبدأ منه ، ولا
يبحث عن مبررات لنفسه . أما معلم البشرية العظيم ، محمد ـ صل الله عليه و سلم ـ فهو أبلغ و أعظم سموا ، فهو محمد المحمود في
السماوات و الأرض وهو قدوة عظيمة في هذا . يقول أبي الأسود الدُّؤلي :
لا
تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ
عَظيمُ
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن
غِيِّها
فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ
حَكيم
أن كنت ( وطنيّ بصدق ) فدعنا نتحدث بصراحة ، الحقيقة تقول أن الحكومة فعلا مقصرة ، ومقصرة كثيرا . لكننا أيضا نساهم في أسلوبها اتجاهنا ، و نساهم في الوضع المزري في الوطن ، أنا لا أدافع عنها لكني أوضح نقطة يحب الغالبية تجاهلها ، و النظر لقضية الوطن بعين واحدة فقط . و الحقيقة أنه يتقاطع الفساد من فوق و من تحت ، فكيف يزدهر الوطن ؟
من حق
المعلمين أو غيرهم أن يقوموا بإضراب أن لم يكن هناك وسيلة أخرى لرفع الظلم عنهم
غيرها ، ( مع أني بصراحة ضد الإضرابات و ضد الاعتصامات ، لما لها من ضرر كبير نحن
في غنى عنه ) . لكنها حاليا موضة . ومادام أغلب الناس ليسوا أصحاب فكر مستقل ، و
هم مجرد مقلدون ، و مادامت الصفوة قليلة ، فلن تستطيع تغيير الموضة إلا
بموضة أخرى تصرفهم عن الأولى .
القضية
بطبيعة الحال يشترك فيها طرفين : الحكومة ( ممثلة في وزارة التربية و التعليم ، و
مجلس الوزراء ) ، و العاملين في الوزارة ( ممثلة في موظفي الوزارة
الإداريين و المعلمين ) .
بخصوص
الوزارة ، فالحديث يطول وليس هنا مقامه ، و لنا معه وقفة أن شاء الله في وقت آخر .
و لكن باختصار نقولها أن الوزارة تحتاج أعادة هيكلة كاملة ، و عمل تصفية لموظفيها
، على الوزارة أن تتخلص من 40% من موظفيها الإداريين الذين لا فائدة منهم وهم
نوعين : نوع هم أصحاب عقول جامدة و عقيمة لا ترقى لما تطمح له البلد ، و
الثاني يمثلون بطالة مقنعة . كما أن الوزارة تحتاج للتخلص من 10% من المعلمين
المهملين و المستهترين ، و عدد كبير منهم يحصلون على ( أجازات مرضية كاذبة ) باستمرار
لذا فمن الجيد أن تريحهم الوزارة من البحث عن الكذب و التزوير . و على الوزارة أن
ترسي على بر فيما يخص المنهج ، ويكفي هدرا للأموال في مجال طباعة المناهج .
لنعود
الآن للمُضْرِبين عن العمل . أقول مادام هناك مظلوم لا يمكنه بلوغ حقه إلا بهذه
الوسيلة فليس إذن أمامه إلا أن يقوم بها ، لكن أتمنى من كل قلبي أن يكون هذا
المظلوم من جهته غير ظالم ، و عليه أن يمنح العدالة كما يطالب بها . بل و
قبل أن يطالب بها . فمن يطلب العدل عليه أن يكون هو أيضا عادل .
ليُضْرِب
الصادق ، وليبتعد أصحاب الضمير الضعيف ، أولئك الذين يلفقون الأجازات بين أجازة
اضطرارية كاذبة ، و أجازات مرضية مزيفة لأنه طفشان من التدريس ، أو لأنه حاب يسافر
، أو لأن زوجها مسافر فهي تحب أن تتبعه ، أو لأن لها أولاد لا أحد عندهم أو لأنها
تريد أن تتزوج وتسافر شهر عسل أو أنه يريد أن يتزوج ويذهب لشهر عسل و غيرها من
الأسباب التي لا ذنب للطلاب فيها ، كل ذلك لأجل أن يحصلوا على الإجازة دون أن يتم (
خصم الراتب ) أو إيقافه ، فأي معلم هذا ؟ و أي مربي أجيال هذا ؟ الذي يرضى بالحرام
. إلا يعلم أن هذا غش و تدليس وسرقة لأموال الدولة و فساد أيضا .
بعض
الناس يظنون أن الفساد هي أن تسرق المبلغ الفلاني وتحوله على رصيدك ، وما عرفوا أن
للفساد ( وجوه كثيرة ) ، أين الأمانة و الضمير ؟ تسوقون الكثير من المبررات
لتخدعوا أنفسكم و تخدعون الناس ،
فهل
تظنون أنه يمكنكم خداع الله ؟
لا حول
ولا قوة إلا بالله .
و ليبتعد
المعلمين الذين لا يتمتعون بأخلاق وسلوكيات راقية تليق به كمربي أجيال ، أناس تخجل
بصدق من وجودهم في هذه الوظيفة ، و ليبتعد الذي لا يعلم طلابه بأمانة وضمير ويرتقي
بعقولهم وفكرهم ، و لا يؤدي وظيفته بضمير و يتهرب من مسؤولياته ، و ليبتعد
المعلمين أصحاب الأسلوب السوقي المتدني لأنهم فعلا لا يستحقون هذه المكانة .
عدد كبير
من المعلمين يتحايلون الحيل لأجل أن يخرجوا من دوامهم قبل انتهاء وقت الدوام
مهملين بذلك حقوق الطلاب ، و يقصرون في أداء وظيفتهم ، يكذبون ويزيفون
لأجل الحصول على أجازات لا حق لهم فيها ليضمنوا أن لا يتم قطع رواتبهم ، فأين هم
من الله ؟ . ( هناك كثير أيضا من الموظفين في مؤسسات الدولة يفعلون نفس هذا الأمر و ليس فقط المعلمين
بينما يطالبون برفع الرواتب وغيره ) .
أعلم أنك
ستنبري تدافع عن نفسك ، لكن قف و أنظر نسبة المعلمين الذي لا يليقون بمقام معلم .
المعلم الذي ( يفحط ) و الذي يدخن ، و الذي لا يتمتع بحس مسؤولية في تربية و
تنشئة هذه الأجيال ، و المعلم الذي يتحدث عن الضمير متجاهلا أنه أخر شخص يعمل
بضمير لكنه ينزه نفسه زورا ، و المعلم صاحب الفكر البسيط جدا ، و الذي لا يرقى
لمستوى هذه المكانة الراقية ( مكانة المعلم ) . و المعلم صاحب الأسلوب السوقي ، و
اللسان القذر .
قلة
قليلة هم المعلمين الذين يستحقون الاحترام ، الذين يعملون بضمير و أمانة ، و الذي
يتمتعون بشخصية حكيمة مثقفة ونفس طاهرة و حس عظيم بالمسؤولية تجدها تتجسد في
تصرفاته و في كلامه و في أعماله و في لباسه .
أن كنت
أيها المعلم تتعامل مع مهنتك ( الخطيرة ) من منطق ماذا أعطتني الحكومة ؟ و كم
سيكون الراتب ؟ و ماذا سيعطوني مقابل عملي ؟ فأنت للأسف لا تصلح أن تكون معلم ،
لكن تصلح أن تكون سمسار أو ( دلَّال ) في السوق .
أي جيل
هذا الذي سينتجه هذا المعلم ؟
من حقك
أن لا يتم بخسك حقك ، و من حقك أن تحرص على رزقك ، لكن ليس بذاك الأسلوب . ليس
بأسلوب السماسرة . فمهنة ( التعليم أرقى ) بكثير من السمسرة .
تستطيع
أن تسوق لي الأعذار ، لتبرأ نفسك ، لكنك ستكذب على نفسك فقط ، لأن الواقع يعطيني
جواب آخر . المصيبة أن عدد ضخم من المعلمين لا يحاسبون أنفسهم ، وأن تحدثت إليهم
تجدهم يسوقون المبررات و الأعذار ليبرروا ما يفعلونه ، وفي الحقيقة كلها أعذار أشر
من الذنب نفسه . و تجدهم يحولون الكلام لاتجاه أخر و كأنه هو ليس ضمن المجموعة
السيئة . للأسف فالذي لا يملك روح نقية لن يحاسب نفسه ، ولن يلتفت لأخطائه ،
و يحب أن يكذب على نفسه بأن تصرفاته الخاطئة هي صواب و مبررة .
هكذا
يلقي الشيطان مواعظه على أتباعه .
المعلم
مثل شيخ الدين ، أخلاقه هي أساس مهنته ، و حياته الشخصية ترتبط برسالته برابط وثيق
، كل همسه و كل نفس يخرج منه لابد أن يتمتع بحس مسؤولية عظيم ، لأنه تحت أعين
الناس و بصرهم ، أن سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها ، وأن سن سنة سيئة فله
وزرها و وزر من عمل بها . أن كنت لست كفئ فدع التدريس عنك ، ولا تلوث هذه
المهنة الشريفة . أن كنت تبحث عن راتب بدون جهد فأذهب أبحث عنه بعيدا عن التعليم .
التعليم
مهنة خطيرة أخطر من الطب ، لأن الخطأ الطبي قد يتأثر به شخص واحد أو أشخاص محدودين
، بينما خطأ ( المعلم ) يؤثر على وطن و
أمة كاملة ، يبقى أثره أجيال . أفلا تتقون الله ؟!.
لو
يحاسبون أنفسهم ، لو يعملون بضمير .
صاحب
المبادئ يطبقها على نفسه أولا ثم يطالب بها الآخرين ، و إلا كان كالحمار الذي يحمل
أسفارا . احترم كثيرا الشخص الذي يعي أهمية ( موقعه في الوطن ) ـ مهما صغر أو كبر
ـ فيعمل بضمير و يعلم أن الوطن يبدأ منه .
أكثر من
يمكنك أن تشفق عليه هو إنسان يظن أنه لا يخطأ أبدا ، و إنسان لا يحاسب نفسه بضمير
صادق ، يرى خطأ الآخرين ولا يرى أخطاءه أبدا . لا يمكن أبدا أن يقتنع أنه على خطأ
. غالبا ـ حسب ما رأيت ـ هذا النوع من الناس يقوم بإسقاط أخطاءه على الآخرين .
هذا
النوع من الناس لا يتذكرون الأخلاقيات و المثاليات إلا في المواقف التي يكون لهم
أهواء و مصالح شخصية فيها . لأنهم غالبا لا يعملون بضمير ، و أما أن وجدت
موقف لهم يعملون بإخلاص فإنك ستفاجأ بعد برهة بأن وراء ذلك الإخلاص مصلحة شخصية
هنا أو هناك .
وحين
يتوقف دور هذا النوع من الناس على الحياة العادية فالأمر هين ، لكن المصيبة حين
يحاولون ممارسة دور الوطنية ، وحين يخرجون لمطالبة الحكومة بحقوق معينة.
و أكبر
مصيبة أن هذا الإنسان المطالب بحقوقه لا يفرق بين معنى اعتصام و معنى إضراب
. لماذا ؟ لأن الغالبية ليسوا أصحاب فكر و مبادئ حقيقية إنما أهواء
ومصالح شخصية ، و الغالبية صارت تمشي مع موضة السب و الشتم للحكومة ، و مع موضة
المطالبة بالحقوق .
و
تأسف أشد الأسف حين يمارس البعض هذه الأمور لأهواء شخصية ، دون تفكير في العواقب .
و أبسط تلك العواقب أنك ( كمعلم ) فأنت قدوة ، و أنت بفعلك هذا تغرس في ( عقول
الطلاب ) صفة التمرد و الإضراب ، و الذي قد ينتج في المستقبل صور جديدة ، مثل
المظاهرات التي لا شك تتحول إلى تدمير و اقتتال . و فتن .
كثير من
الناس يفكرون تفكير سطحي في مثل هذه الأمور ، و لا يحاولون منح أنفسهم بعد نظر في
التفكير . و لا يعتبرون مما حل بغيرهم ، يريدون التغير ، ولكن باستخدام عصى موسى ،
لأنهم لا يهتمون بالوطن ، و أنما يهتمون بمصالحهم الشخصية .
و لأختصر
على البعض المسافة ، فأنا لست مع الحكومة ، حتى لا تضطر لتأويل كلامي على
حسب هواك . و لكني أيضا لست مع كثير من الفوضى التي أراها هنا و هناك بزعم
المطالبة بالحقوق .
أنا مع
الحق ، مع الإصلاح الصادق ، مع بناء وطن يحتوى أبناءه بالعزة و الأمان و الازدهار
. لكن كيف نبلغ هذا الوطن الذي نريده و نحن نرى أن الشعب لا يختلف عن
الحكومة بل هما ( وجهان لعملة واحدة ) ؟! .
(
التعليم أمانة عظيمة ، يسألكم الله عنها ، ليست مجرد وظيفة لكسب المال ) اتقوا
الله .
أجعلوا
الطلاب بمقام أبناءكم ، هل تقبلون أن يُعَلِّم أبنكم مُعَلِّم مستهتر يحضر يوم و
يغيب أيام ؟
هل
تقبلون أن يعلم أبناءكم معلم كل ما يهمه هو إنهاء المنهج و تلقين طلابه فقط
، حتى لا يتم مسائلته من مسئوليه ، ولا يهتم بغرس العلم وحب العلم و تنمية العقول
و إلهام الأجيال ليكونوا خير جيل لأمتهم بعقولهم و أخلاقهم ؟ .
هل تقبل
أن يعلم أبناءك معلم صاحب سلوك سيء و لسان بذيء ، و عقل طائش ، و فكر سطحي ؟ .
أيها
المعلم ،، أخاطب فيك الضمير الصادق ، ضمير المسلم الصادق ،، هذا التلميذ الذي يجلس
اليوم أمامك لتعلمه ، غدا ( سيكبر ) ، و سيكون منهم أطباء ومهندسين ، و
مشاهير ، و قد يصبح زميلك أو ربما رئيسك أو موظف ذا شأن أو شخصية مرموقة في
المجتمع . و قد تجمعك به الأيام بشكل من الأشكال ، ( فأي صورة ) تريد أن يتذكرك
بها هذا التلميذ حين يلتقيك حينها ؟؟. و أي ذكريات تحب أن تسمع منه ؟
( أنت
اليوم تسجل ) ما تحب أن يتذكره هذا التلميذ ( عنك غدا ) ، فلا تسجل في عقله ذكريات
لك سيئة ، قد تكره سماعها منه في المستقبل . كم من معلم عرفناه سمع من تلاميذه
ذكريات في مواقف سببت له الإحراج ، قد نسيها هو ، لكنهم لم ينسوها هم .
مازلت
أتذكر الذين علموني رغم انقضاء السنين ، عدد منهم لا يستحق الاحترام لكني أتعامل
معه باحترام لأني احترم نفسي و ليس لأنه يستحق . و بعضهم يستحق تقبيل
رأسه احتراما له على ما قدم لنا ، و ما ألهمنا به لنصبح مواطنون يحبون وطنهم
ويسعون لأجله ، و يحبون أبناء وطنهم و يحرصون على مصلحتهم . لأنه غرس فينا السعي
لتحقيق الذات ، وليس البكاء و التباكي ، و رفض الفطام من الدولة . ما زلت كلما
تذكرت أولئك المعلمين أدعو لهم بالخير .
لا تقل :
( طفل و لن يتذكر ) . فذاكرته ليست ذاكرة عجوز خَرِف . بل هو إنسان يعي و يسجل ،
حتى و أن رأيته صامتا ، و سيأتي يوم لن تنتبه إلا و أنت فيه و ستجد هذا الطفل قد
صار كبيرا . و ربما ( أكبر منك مقاما ) .
عامل هذا الطالب على أنه إنسان و سيرشدك عقلك حينها كيف تتعامل معه باحترام و
تقدير و مسؤولية . علمه حسن السلوك و حب الوطن و الإبداع . علمه التميز . ليشكرك و
يدعو لك هو و الوطن لأنك بهذا الإنسان سننت سنة حسنة سيشكرك الله عليها ،
فهذا الإنسان سيكون أيضا قدوة في حياته ، في أي مركز سيتبوؤه ـ صغر أم
كبر ـ لأبد أن يكون قدوة لأحدهم .
قبل أن
تسعى للبحث عن تبريرات أرجوك ..
فكر بينك
و بين نفسك بأمانة ،
فكر
في الوطن ،
فكر في
محاسبة الله لك .
فكر في
أطفالك كيف تريد أن يكون المجتمع الذي تتمنى أن يعيشون فيه مستقبلا .
أنت
المهندس ، و أنت البنَّاء . أظهر لي أبداعك ، أظهر لي عقلك .
لا تظهره
بالكلام و المبررات و الثرثرة . أظهره ( في أفعالك ) ، ( في الجيل ) الذي ستنتجه
للوطن . لا يمكن لأحد أن يعرف مهارة ( البنَّاء ) أو أبداع ( المهندس المعماري ) و عبقريته إلا من
خلال ( أعماله التي أنتجها ) .
سلاحك
ثقافتك ، و أخلاقك ، و وعيك ، و ضميرك ، و إيمانك ، و مبادئك الصادقة ، و في
رقيك ، و ورقي أخلاقك ، و ورقي أسلوبك . و لك في معلمنا العظيم
رسول الله خير قدوة . فبهداه أقتده .
أو أترك
التعليم و أتق الله
لا تأمن
مكر الله .
حاسب
نفسك بينك وبين نفسك .. ليس مطلوب منك أن تفضح نفسك أمام أحد ، وليس مطلوب
منك أن توبخ نفسك أمام أحد . ولا تحقر نفسك . أنما أسعى للثورة على نفسك أسعى
للإصلاح ، أبرز نفسك من خلال عملك المخلص ، وأجعل الله وكيلك ، و الله أنه لا يخذل
أبدا من أخلص بصدق العمل لأجله . و سيأتيك أجرك في الدنيا و الآخرة ، ثق بهذا أن
كنت تعبده بصدق .
أنت
القادر أن تصنع لنا ( جيلا من الشرفاء العقلاء المثقفين ) ليشكلوا ( حكومة راقية )
ليبنوا دولة مزدهرة . لا تنتج لي
جيلا لا يفهم إلا التمرد وقلة الاحترام و الإضراب .
الاعتصام
و الإضراب و المظاهرات لا تفعل شيء ، ( هي تشفي عرضا ولا تشفي مرضا ) ، وطني تعب
من المُسكْنِات ، و يحتاج للدواء الشافي . يحتاج للقليل من ( الشرفاء المثقفين ) ،
( الوطنيين الصادقين ) ، الذين يحبون وطنهم أكثر من مصالحهم ، يتبعون العقل بدلا
من الأهواء و المصالح الشخصية التي تأخذ باسم الوطن .
فقط
( القليل من هؤلاء ) يمكنهم بناء ( وطن رائع و عظيم ) .
كل ذلك
بيدك أيها المعلم ،،
أن
كُنتَ مخلصا ،،
أن
كنتَ مثقفا ،،
أن كنتَ
أمينا ،،
أن
كنتَ حكيما ،،
أن
كنتَ تحب وطنك بصدق .
وطننا
العربي ـ و ليس عُمان وحدها فقط ـ يحتاج للصادقين المخلصين ، عندما ( تحب
بصدق ) فأنك ( ستمنح بحب و أخلاص ) . هكذا
تفعل ( الأم ) مع أبناءها ، و هكذا يجب أن نفعل مع الوطن .
ليس
دورنا هو ( معاداة ) الحكومة وجعلها في الضفة الأخرى ، و نظل نسب و نشتم ، أو نحمل
السلاح و نتناحر ، بينما نحن نمارس كل ما نعيبه عليها ، دورنا هو التغيير ، و
التغيير للأفضل ، ولن يكون ذلك إلا انطلاقا منَّا نحن أبناء الوطن .
لا يجب
أن تكون الحكومة ( عدو ) .. بل يجب أن تكون الحكومة هي ( الآلية ) التي تحقق
مبتغانا نحو ( وطن سامٍ ) ، و لن يكون السمو الذي نريده إذا استمرت الأحوال على
هذا المنوال ، فنحن ندور في دائرة مغلقة .
أنظروا
ببصائركم .. فنحن نريد وطن عزيز ، لا فتن و ضياع .. نملك بعض النعم ، نريد لها أن
تزداد ، لا نريد أن يمحقها الله لنرجع للوراء ..
أنظروا
للصومال كيف كان و كيف صار ..
أنظروا
لليمن أين كان وأين صار ..
أنظروا
السودان أين كانت وكيف صارت .
صارت
لحال يرثى لأنهم بطروا النعمة ، و لأنهم ما عرفوا كيف الحفاظ عليها ، ولأنهم
اقتلعوا عيونهم حين أرادوا أن يبصروا وطنا أجمل .. وما هكذا تورد الإبل .
أن كنت
تكره شخصا في بيتك ، أو كنت تكره أثاث البيت أو طلائه ، فهذا لا يعني أن تحرق
البيت أو تدمره ، بل اصبر عليه ، ورممه و حسنه . فذلك خير من أن تجد نفسك
بدون بيت ولا مأوى آمن .
كلامي
ليس للمعلمين في سلطنة عُمان وحدها ، فهي حبي ، لكني لا استطيع إلا أن أعشق
كل الوطن العربي . العاقل يعلم أن مصيرنا واحد . وكل ( سقم هناك ) لابد أن ( يوجع
هنا ) .
طلبي ..
هو أن
( لا ) تقرأ مقالي و أنت قد قررت مسبقا برفض ما فيه .
(
لا ) تقرأ مقالي و كل همك هو تحديد الجبهة التي ستضعني فيها عندما
تنتهي من قراءته .
(
لا ) تقرأ مقالي لتبحث عن مبررات أو ثغرات ترد علي من خلالها . فلسنا
أعداء.
فأنا
لا أوجه كلامي للسوقة ولا للعامة ولا للدهماء . لأنه من المفروض أن مقالي
موجه لشخص ( مثقف ) . يقرأ بــ ( حياد ) ، ثم يفكر بــ ( منطق ) ، ثم
يحكم بــ ( عقلانية ) . و من صفات الجاهل : العناد الأعمى ، و الإصرار على الرأي ، و عمى
البصيرة .
و لا
أطلب منك أن تقر بما أقوله ، كل ما أريده هو ( وقفه صادقه مع الذات ) ، و مراعاة ( صادقة للأمور و الأحداث ) . و الأمانة كل
الأمانة في ( التفكير و الاستنتاج ) .
كان
المقال طويل لأن الحديث ذو شجون .
[1] - قصة غاندي ملهمة فعلا ،
أتمنى أن تقرأ عن أفكاره في كتابه البسيط العميق ( قصة تجاربي مع الحقيقة )
لغاندي و هو متوفر على النت . صحيح أن في الكتاب بعض الأفكار التي تنطلق من
الدين الهندوسي لكنها واضحة ، و يمكن لأبسط إنسان تميزها فلا ضرر في ذلك ، لكن
جمال الكتاب هو في روح كاتبه وأيمانه بمبادئه ، وسعيه لأجلها ، وهي تستحق الاحترام
.
هناك تعليقان (2):
تقبل خالص تقديرى واحترامى
بارك الله فيك وأعزك
الأخ الفاضل محمد الجرايحي
تحية طيبة
أشكر لك مرورك الطيب ،
آمين و لك مثل ما دعوت .
لك خالص تقديري
إرسال تعليق