( الكاتب كالمُحارب : كلاهما يدافع عن قضية واحدة ،
والفيلسوف يقف موقف
المتفرج الحكيم بين الاثنين
المتحاربين : هذا بالكلمة ، و
هذا بالسيف ) .
سقراط ، فيلسوف
يوناني شهير .
يوم الجمعة 16 أغسطس 2013 م[1]
كان يوما ( صيفياً ) ماطرا في
بلدٍ يرى الأمطار غيثا و رحمة كما كان العرب الأسلاف يرونه . لا يعتبر ( اليوم الماطر ) ذا جو سيء في بلادي ، بل هي نعمة تُدخل البهجة و
السرور في قلوب الصغار و الكبار ، فتجد الجميع يراقصون المطر في الساحات بدون أي
حواجز أو مظلات ، كلٌّ بطريقتهِ .
أحب الإنصات لوقع الأمطار ،
فهي بحد ذاتها سيمفونية لا يتقنها إلا السحاب ، يجذبني تراقص حبات الماء
و هي تلامس الأرض ، كإيقاع قدميّ غجرية تَرْقُص الفلامينجو برشاقة و
بشموخ وابتهاج غير مبتذل . كل ذلك السحر لا يمنحك فرصة للالتفات لأي شيء أخر حولك
حينئذ . إلا ما يقتحمنا من ذكريات تنساق مع موسيقى الأمطار و زمجرة الرعد .
كنت منهمكا معها حين قاطع
شقيقي ذلك السكون الصاخب في داخلي و هو يحدثني عن ديوان ( فاروق جويدة
) وعن روائيين عرب وقع على أسمائهم ذلك الأسبوع متأسفا أنه لم يجد كتبهم ، ثم
سألني : هل تعرف أحلام مستغانمي ؟
قلت : لست متأكدا .
قال : أنها روائية عربية من
الجزائر والدها مناضل من عهد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي .
أخبرني أنه حصل على أحد رواياتها
و يعتزم قراءتها هذا الأسبوع . كان
متحمسا جدا . لم يذكر لي اسم روايتها في حينه .
قلت : جميل ، أنا كما تعلم
لا تستهويني الروايات والقصص .
قال لي : أعلم
، لكن هؤلاء مختلفين ، أن قصصهم جميلة .
ثم انتقلنا
للحديث عن أمور أخرى كثيرة .
بعد مضي خمسة
أيام ـ تقريبا ـ قررت أن أفتح حساب في تويتر لأسباب شخصية ، و هذا ما حدث ثم بدأت
التجوال فيه هنا وهناك لأضيف بعض الحسابات التي كنت أرغب في متابعتها ، حين وقعت
عيني على اسم ( أحلام مستغانمي ) بدا الاسم مألوفا لي ، فانتقلت لمشاهدة حساب ذلك الاسم ، جذبني أسلوب تلك
السيدة ، و أنا لازلت لا أعلم بصدق من هي صاحبة الحساب ، ثم بعدها بأيام انتبهت من الحوارات في حسابها بأنها كاتبة . هنا تذكرت حواري مع أخي ،
فأرسلت له أسأله فذكرني بها و أخبرني أسم بعض رواياتها .
كان أسلوب
كتابتها يوحي بأن هذه الكاتبة لابد أنها لامست الشرق عبر أهله و ليس فقط عبر قراءة
انتاجاتهم الأدبية ، فإنا أعلم جيدا طبيعة الإنسان المَغَاربيّ ، و أعلم أيضا كيف
يصبح عندما يرتشف من ( سحر الشرق و شاعريته ) الفاتنة التي أودعها معشوقته ( اللغة
العربية ) . و فعلا صدقتُ في ظني ، حين علمت أن هذه المبدعة الجزائرية عاشت
ـ و ربما مازالت تعيش ـ في الشرق .
لقد اكتفيت بمتابعتها عبر حسابها ذاك ، أعجبني كثيرا أسلوب كتاباتها ولم أكن
أعلم حينها أن تغريداتها تلك هي اقتباسات من أعمالها المبدعة . أعجبني تواضعها في
تحاورها مع زوار حسابها ، أنها الروح المغاربية في ( أناقة الزهد ) الذي يُلبسها
ثوب البساطة الزاهي . كنت أتابع حسابات لمشاهير الأدب وغيره و الذين كانوا يكتفون
بقراءة تعليقات متابعيهم بصمت . لا أعلم أهو الترفع أم التجاهل أم أنهم فعلا لا
يملكون أي جواب ؟! . ليتهم يتواصلون مع متابعيهم ، فالوطن يحتاج لكل قدوة يمكنه أن
يؤثر في الشباب لنرفع معا صرح الوطن عاليا .
لعبت معي
الأقدار أيضا ذات الدور حين وقعتُ على حساب ـ في تويتر ـ يهتم بالاقتباس من رواية لتلك الكاتبة المتألقة ، و هو يحمل اسم الرواية ، كانت الاقتباسات تنحصر في روايتها ( الأسود يليق بكِ ).
كان لتلك
المقتبسات سحرا عجيبا جعلني أبحث عن تلك الرواية ، وفعلا في تاريخ 25 أغسطس 2013
أحضرتها ، و هممت بعد صلاة العشاء بقراءتها ، ولم أنتبه إلا و المنبه يدق
معلنا وقت صلاة الفجر ، في استغراقي لم أدرك مرور الوقت ، فقد مرت ثمان ساعات بدون
أن أنتبه . من عادتي أذا
قرأتُ كتابا أن أصبح ( مجذوبا ) حتى كأني
بين دفتيه ( حرفا ) لا ( قارئاً ) ، أتماها معه تماهي الضياء و الهواء في صريح
النهار ، لكن نادرا ما كان يحدث لي مثل ذلك و أنا أقرأ ( قصة أو رواية ) .
لكن هذه ( الرواية ) كانت تختلف عن كل ما قرأت من روايات قبلها ، لقد
كنت أنصت إنصاتا إلى تلك ( اللهجة
المغاربية ) التي كانت تشق إيقاعات الفصحى في بعض الأحايين ، وكأنها إيقاعات
مساندة لاكتمال سحر المقطوعة ، كم تعجبني لهجات أهل بلاد المغرب ، خاصة من ( كبار
السن ) فهي تخرج نقية كنقاء تلك النفوس . كنت أصغي لصوت ناي الجد (جد هالة ) بل كنت أجلس منه على مقربه و هو
جالس على سفح ذلك الجبل السامق يروي له الناي شجونه فيغني هو له بشجن ، بصوتٍ كان
جمالهُ ينبع من صِدْقِهِ لا من تنميق الطبقات ، و لا الركون للمقامات ، يرد خلفه كورال
الطبيعة ، تجسده الجبال الشامخة شموخ نفوس أهل بلاد المغرب ، لا يكدر صفو ذاك
الانسجام إلا تلك الدماء النازفة في ربوع ( الجزائر ) الحبيب حينها .
عرفت بعدها و
أنا أغوص في أعماق تلك الرواية أن بعض ما شاهدته من
تغريداتها كانت مقتطفات من مقطوعتها الموسيقية التي خطتها بالحروف لا بنوتات
السلم الموسيقي . تلك المقطوعة تدعى ( الأسود يليق بكِ ) . حقٌ للطيورِ أن تغرد
بمثلها .
لم أكن غريبا
عن بطليّ القصة ( الرجل المشرقي ، و الفتاة المغاربية ) فلقد عرفتهما في
واقع الحياة ، قصة عرفت بطلها وبطلتها بكافة
مواقفهم مع ( اختلاف التفاصيل ) . لذا كان
تعايشي مع كل التفاصيل التي دارت خلال سيمفونية ( أحلام المستغانمي ) ما هي إلا أعادة شريط الذكرى ليس إلا . وكأنها
كانت هي الأخرى أيضا حاضرة معهما قبل أن تخط حكايتهما في سيمفونيتها ! .
بطل القصة الذي
أعرفه هو أيضا يُسمي النساء بأسماء الرقصات و الإيقاعات في نفسه ، و يصنفهن بالورود في شخصياتهن ، و
فتاتهُ كانت تراه قاسيا غامضا ، و الأطرف من كل ذلك هو وردة الزنبق ( التوليب )
فأي قدر هذا ؟! الذي أطلعك على كل تلك التفاصيل لتنسجيها بحروفك الراقصة .
يا
ترى هل للروائيين شيطان يُمْلِي عليهم كِتَاباتهم ، كما للشعراء شيطان شِعْر
يُمْلِي عليهم شعرهم ؟! .
كنت أستغرق مع
تلك ( البطلة ) و هي تُراقب بتعمق عين الطفل الفاحصة و عقله المدقق و هي تتأمل
بانجذاب روحيّ لذلك الصوفي وهو يشعر بأنه بلغ حالة التجلي أثناء تأديته ( رقصة
السماع ) . في كل دورة من دورانه حول ذاته يلقي همومه و يبحر بعقله و وجدانه نحو
السماء ، محلقا بعيدا عن الأرض و أهلها و همومها .
كانت ( الروح المغاربية ) الجميلة
حاضرة ، تلك الروح الناعمة بأثر الزهد و التصوف البعيدة عن التعالي و الاستعلاء
الرافضة للذل ، بين هذين تجد تلك الروح برزخها الرائع . تلك الروح التي تخالطها
قسوة ربما استمدتها من وعورة تلك الجبال التي تحتضن أغلب بلدان المغرب . تلك الروح
رغم قسوتها ، وسريع غضبها ، و جفوتها وصراحتها التي قد تبتعد أحيانا حتى عن
المجاملات المُسْتَحبة ، إلا أن عفويتها و بساطتها تجعلك تتعلق بها . هكذا هو كل
شيء بسيط يكون أجمل من أي شيء معقد مهما بلغ من الجمال . لا تستلهم ( التانغو )
وهجها من صالات الأغنياء و مسارحهم المغلقة عليهم بإحكام ، بل من روح
البسطاء الذين ابتكروها من أجل أن يخففوا عن أنفسهم أثقال الحياة . فكل بسيط و هو حقا جميل .
أول مرة أقرأ رواية بمحض أرادتي ، فكل ما
قرأته من قبل كنت مضطرا له بسبب دعوة من أحد الأحبة لأقرأ هذه الرواية أو تلك أو
سبب الدراسة أيام المدرسة و الجامعة ، رغم حبي العميق للأدب إلا أني لا
تستهويني الروايات و القصص ، فإنا أفضل الكُتُب الثقافية و المعرفية . وكنت
أرى أن قراءة القصص هي مضيعة للوقت وخاصة مع أولئك الكُـتَّاب المغمورين الذين
يغدقون بالفلسفة الخاوية و التنظير ، ويغرقون في الجانب الوصفي المبالغ فيه حتى
يجعلك تشعر بالملل ، مع غياب الهدف و المغزى من القصة أو الرواية ، وكأنهم يكتبون
لمجرد الكتابة ، أفْضَل الكُـتَّاب هو كاتب صاحب
قضية و فكر - أيًّا كان مضمار كتابته - ومن كان غير ذلك كان كاتبا أجوف . لكني
كنت قد قررت منذ أشهر أن أبحث عن ما يستحق القراءة منها من باب التلذذ بجمال اللغة
العربية ، لكني لم أشرع في التنفيذ لأسباب كثيرة .
جذبني الأسلوب
اللغوي لــ ( أحلام ) في هذه الرواية التي أول ما شدني فيها أسمها الشاعري ، كما تعرفت خلالها على (أحلام مستغامي ) بعمق ،
كانت أحلام حاضرة في روايتها لكنه حضور لا يطغى على شخوص قصتها . أنها كاتبة ذات
حس واع ، وثقافة جميلة ، و لديها وعي وطني جميل ، تدرك الأمور كما يجب ، لا كما
يريده تجار الوطن .
لم أشرع بالبحث عن من هي ( أحلام مستغانمي ) ، فلقد أحببت التعرف عليها عبر قلمها من خلال
هذه الرواية ـ أولا ـ لأستنتج منها حكمي دون تأثير من أي جهة أو أي كاتب كتب عن
أحلام سواء بالتأييد أو الضد . و حقا كل ما استنتجته عنها وجدته صحيحا ـ أو هكذا
أظن ـ من خلال ما قرأتُ عنها فيما بعد .
الجميل أيضا أن أجد أن هذه
الكاتبة المبدعة تؤيدني في كثير من أرائي فيما يخص السياسة و الساسة و الوطن .
ولقد وضعت الكثير من أرائي تلك في كتاب وسمته باسم ( تأملات مواطن عربي ، خواطر
شتى بين جرأة الأمل و صدمة الواقع ) أراجع الآن طبعته الثانية وأني بعد أن
قرأت هذه الرواية الجميلة أعتزم أن أقتبس منها بعض النصوص ، و سوف أضيفها في
الكتاب بإذن الله . و الذي سوف أنشره بلا شك في الانترنت كما أفعل دائما مع
كتاباتي ـ التي أعتقد أنها تحمل نفعا ـ أيمانا بأن المعرفة من حق الجميع ، وأن
العلم لا يجب أن يكون بضاعة تُبَاع . رغم أن من حق العاملين فيه الكسب و لكن ليس بسياسة التجار وجشعهم
.
بقدر إعجابي بأسلوب ( أحلام مستغانمي ) في رواية ( الأسود يليق بكِ ) و جميل ثقافتها و رشاقة
انتقالها الوصفي لمشاهد الرواية بقدر دهشتي من عميق فهمها و دقيق تصويرها لنفسية
الرجل ، و تحديدا الشرقي ، بكل تناقضاته : (
تسلطهُ و شاعريته ، حنانه و جنونه ، و بشكهِ و إيمانه في النساء
) ، فهو في الحُبْ حقا ( يملك الوقت ، و لكن لا يملك الصبر ) . و هو الذي يلوذ في
أحزانه بصمته و يكتمها في سره ، و يعبر عن شديد حزنه بغضبه لا بدموعهِ ، و أقبح
لحظاته هو بوحه لسرهِ لامرأة في لحظة ضعف ، و هو أمر لا يمكنه مسامحة نفسه عليه
لكنه يفضل معاقبة المرأة التي باح لها بالسر لأنه بها يعاقب نفسه .
أن فهم النفوس يحتاج بصدق إلى
عقل فاحص واعي ، وإلى تجربة عملية حتى تتمكن من سبر الأغوار . كذلك ربما هي ( عين
الغريب ) الفاحصة ببديهتها . فعين الغريب أكثر تدقيقا فيما حولها في غربتها من ( عين
أهل المكان ) الذين أصبح كل ما حولهم ـ بجميلهِ و قبيحهِ ـ مألوفا لا يلفت
انتباههم ولا يسترعيه . و أعتقد أن هذا الأخير كان أكبر مُعِين للسيدة ( مستغاتمي ) حيث أن عودتها بشخوص جزائرية في آخر
القصة لتكون تلك الشخوص هي ( كبسولة ) تخفف ألآم الأحزان الكثيرة لبطلة القصة تدل
على آلم اغتراب ، حتى وأن كان خفي ، ولا يخفى على أحد منْ أنَّ كِتَابة الكاتب
وخاصة القاص أو الروائي هي في حقيقتها انعكاس لذاته و أشجانه ، وتجسيدا لها
ولأحلامه وآرائه ، وهو من يتقمص في الحقيقة جميع الأدوار ، وأن لم يفعل ذلك أصبحت
شخوص قصته بدون روح . و الكاتب المُلهم يفعل كل ذلك بدون أن يشعر .
لقد كان الشيخ الجزائريّ /
إبراهيم بيوض ـ رحمه الله ـ من أولئك الجهابذة الذين أدركوا أن الخلاص من
الاستعمار و الانحطاط لا يكون عبر السلاح وحده بل أكثر من ذلك ، فهو من القلة
الذين آمنوا أن ( صلاح حال الوطن ) يأتي
من ( صلاح الفرد ) فيه ، فالأفراد هم من يسمون بالوطن و الأمة ، وليس العكس
. فسعى في سبيل ذلك حتى قبل أن يشتهر ـ فقد استخدم المقالات في الجرائد
تحت اسم مستعار ، ثم سعى لإصلاح ذات البين بين القبائل في وطنه و بين أهل
المذاهب فيه ـ كانت بدايته من وطنه ( وادي ميزاب ) ـ إضافة لأيمانه أن العلم و
الوعي هو أهم ركيزة لنهوض الأمة ، كان ذلك هو نضاله ضد الاستعمار ، سانده في ذلك
المناضل الإمام ابن باديس رحمه الله . و الذي كان يناضل بدوره بالسلاح و بالعلم .
كذلك هي ( الرواية ) ، أن
للرواية عشاق و مريدين ، و جمهور . وأن خَيْرُ كُـتَّابِنَا هم من يناضلون
لبناء الوطن عبر( إصلاح الفرد ) بأقلامهم المبدعة ، وقد حدثتني نفسي أن بنت
الجزائر المتألقة ( أحلام مستغانمي ) هي من هؤلاء الأعلام المبدعين المناضلين
، و أتمنى أن لا أكون أخطأت الظن . على الأقل مما
قرأته لها في روايتها هذه .
كان عليه الصلاة و السلام يستخدم
القصة في توجيه أمته نحو الصلاح وذلك أيضا كان نهج القرآن الكريم . و هو نهج نهجهُ
بعض أعلام الأمة مثل ابن طفيل في قصته الشهيرة ( حيّ بن يقظان ) لأجل خدمة فكره
الفلسفي كان يرغب لإيصاله للناس بأيسر السبل . وهي لشرح فكرة فلسفية أيمانية معقدة
في الخلق و الإيمان .
لذا يمكن للروائي ( الوطني
المثقف الصادق ) أن يكون مناضلا بقلمه و ملكاته بل ربما يكون أفضل من
نضال الإصلاحيين الذين يستخدمون المقالة لنشر الوعي و الإصلاح ، لأن
الروائيّ يوجه قُرَّاءِهِ بأسلوب سلس لطيف سهل ، بدون أن يشعروا بالضجر ، و بدون
أن يغلقوا فكرهم تجاه النصح و التوعية . و ( لا أحد
معفي ) من السعي لسمو الأمة ، كلٌّ من منبره ، وكلٌّ من موقعه ، وبقدراته .
قد يسأل البعض عن سبب هذه المقالة ، و هل هي تحليل نقدي ؟ بالطبع لا ، ليست
تحليل نقدي ، ولا أنا أهلٌ للتحليل النقدي ، إنما هو اعتذار ، و ثانيا توجيه لكُتَّابنا لأجل أن يحذوا حذو هؤلاء الكتاب المثقفين
الحقيقيين ، وليتركوا عنهم تلك الأشعار و تلك القصص و الروايات الخاوية من أي روح ، الميتة قبل ولادتها . و التي تبدو كهذيان المحموم المهموم لا تفهم منه شيء
أبدا . بل يصيبك بالسأم و الضجر بل و الكآبة . وأشد ما آسف عليه هو ذلك الاحتفاء بأولئك الكُتَّاب
الذين لا يستحقون . بينما لا ينال من يستحق من كُتَّابنا ما يستحقون فعلا من احتفاء يليق بهم .
كذلك ليت
أولئك الذين يظنون أنهم فلته من فلتات الزمان لأنه كتب قصة أو قصيدة ، ربما حتى لا
ترقى لنسميها باسم الأدب أو نعوته . ليتهم يتواضعون ، ترى أحدهم يلبس لباسا غريبا
أو يطيل شعره بطريقة تظنه معتوه ، أو يتصرف وكأنه يتقمص شخصية سينمائية ربما يظن أن الكاميرات تتابعه حيثما ذهب .
فما هكذا
العظماء الحقيقيون ، بل هم يعيشون حياتهم كما عهدوها حتى قبل أن يصبحوا مشاهير ،
لأنهم يعلمون في قرار أنفسهم أنهم فعلا عظماء ، فلا داعي أن يتقمصوا تلك الحالات الغريبة
التي يتقمصها أولئك الذين يشعرون بالدونية فيحاولون أظهار عكس ما يبطنون . ببساطة
هم يعيشون شخصياتهم الحقيقية بعفوية . و الله أن المبصر يعلم أن الإنسان ( كلما
كان عظيما ) بصدق كان أكثر زهدا في الحياة و ( بساطة وتواضع ) . لأنه يعلم أنه في
الأخير هو إنسان فقط ، و أنه أن لم يكن عظيما فلن تزيده تلك السلوكيات أي عظمة .
ربما كان حق السيدة ( مستغانمي )
أن اعتذر منها بأني ما كنت أعرفها قبل تاريخ 16 أغسطس رغم شهرتها . حق لي أن
اعتذر لكِ و لكل من هم مثلك في أني ما عرفتهم . ليس غرورا مني ، و لا لأن
عدم قراءتي لهم أو معرفتي بهم سوف ينقصهم شي أو يرفعهم . و لكن هو أسف مني لشعوري
بالتقصير نحو من يستحقون التكريم منَّا نحن القراء و خاصة من أبناء وطننا العربي
الغالي . و أبسط التكريم هو قراءة أنتاجهما الأدبي و العلمي .
و أخيرا ..
أن أجمل ما
أراه في كاتب متألق أو صاحب علم مشهور و مبدع هو ( التواضع و البساطة ) في كل
جوانب الحياة ، البعيد
عن الاغترار بالنفس المتواضع رغم عظيم شأنه ، فهو يعلم بأن الغرور و التعالي لم
يمنحه ما هو عليه من منزلة رفيعة ، و أن التواضع لن يسلبه أو ينقص من قدره الرفيع
. هم هؤلاء أصحاب العقول الحقيقية . لله درُّ
المتواضعين . كذلك أن يكون صاحب فكر و هدف وطني ، و ليس فقط الربح و التكسب .
حفظ الله كل
المبدعين المخلصين في كل الميادين في هذا الوطن الغالي ، وهداهم للحق و
أيدهم به دائما .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق