{ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ
ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا
يَعْمَلُونَ }
القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآية 71
إلى سيادة الرئيس / محمد مرسي .
أيها الرئيس ...
رغم أنهم انقلبوا عليك إلا
أنك أنت الرئيس الشرعي ، و أن الإمارة ليست سلطة وجاه ، بل أمانة يحاسبك الله
عليها ، أني أوجه إليك حديثي لأنك الرئيس الشرعي ، و الرئاسة أمانة وأنها في
الآخرة خزي وندامة ، وأن حساب الخلق عليك . فأوجه حديثي إليك لأنك أيضا رجل يؤمن
بالله ، ومن آمن بالله وجب عليه أن يتقي الله . و أني أكاد أعلم أن رسالتي لن تصلك
، لكني أنما أبرأ ضميري بما أستطيع .
ناصرتم الفتن في ( سوريا ) فابتلاكم
الله بها في داركم ، فما أحسنتم درءاها حتى أحالها نزغ الشيطان في نفوس البشر إلى (
فتن ) عمياء و أهدار للأنفس و الأموال . ليس من الضرورة أن ما نظن أحيانا أنه صوب
يكون كذلك فعلا . و أنه بيدك كرئيس للدولة ، و كطرف رئيسي في الصراع ، وأجبك أن
تسعى لعلاج الأمور و إيقاف الدمار ، و القتل ، و الفتن .
أيها الرئيس ..
عند احتدام الأزمات لا يجب أن
نبحث عن من هو المصيب و من هو المخطئ بل نبحث عن أرشد القوم و أعقلهم ليكبح جماح
الفتن ما استطاع . و إني أراك أصلحهم و أعقلهم و أرشدهم . فإن كانوا ـ أعني
فريق العسكر ـ قوما يحبون ( الدنيا ) فأنت ممن يحبون ( الله ) أفلا تتقيه في
عباده . فإن أساءوا فأحسن أنت ، و أرحم الضعفاء من أبناء وطنك .
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ }[1]
يا سيادة الرئيس :
هل كان الإسلام يوما دين
تفريق ؟ .
متى كان دم المسلم على المسلم
حلال ؟
هل السلطة أحب إليك من دماء
أبناء شعبك ؟ و من دماء قوم يشهدون أنه لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ؟ .
أم هل نزغ شياطين الإنس ممن
يوسوسون بالتكفير و التجريم و أباحت دماء المسلمين و غيرهم ممن في ذمتهم أقرب إلى
قلبك من صوت لسان يلهج بذكر الله ؟
أما و الله لقد قال عليه
السلام لأسامة بن زيد : ( ويحك يا أسامة ، فكيف لك بلا إله إلا الله ؟ ويحك يا
أسامة ، فكيف لك بلا إله إلا الله ؟ . قال أسامة : فلم يزل يرددها عليَّ حتى لوددت
أني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد . فلا والله لا
أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعدما سمعت رسول الله ) .
و الله ما يصوغ قتل المسلم ولا استباحة دمه
إلا عصبية جاهلية غرسها الشيطان في قلوب أعوان له ظنوا أنهم أهل حق و جمعوا
لأنفسهم ( مبررات جعلوها عذرا ) ،
فكذبوا على أنفسهم وصدقوها ، يفعلون كما فعل اليهود قبلهم يحورون الكلام و يخضعون
الشواهد من القرآن و السنة ـ كرها و قسرا ـ حتى يسوقوا عذرا لا يستسيغه غيرهم .
فويل لمن أعماه هواه و نزْغُ
الشيطان فما تاب و لا أناب لله صادق .
و ويل لمن أن قلت له : (
أتق الله ) أخذته العزة بالإثم ، لا يرى في نفسه إلا أنه الحكيم المصيب ،
غرورا و كبرا ، و لا يرى غيره إلا فاسق أو كافر أثيم .
أفمثل هذا يسكن قلبه الإيمان ؟
أم مثل هذا يطاع و يتبع ؟
فأما من قال : {وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ
عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }[2].
فأقول : أتقي الله في تأويل آياته .
فإنه تعالى قال أيضا : {
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }[3]
.
و قال جل و علا : {
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ }[4]
أيها الرئيس ..
ما نال وطنٌ من التحزب إلا
الدمار و سفك الدماء ، و عصبيات لهذا الحزب أو ذاك ، أليست عصبيات الأحزاب كالعصبيات
الجاهلية ؟ . فهل ندعو لنبذ العصبيات لنعود و نبني غيرها ؟ .
سيادة الرئيس ...
أن بعض الدول التي تدعم هذا
الفريق أو ذاك هي دول لا خير فيها و أنما هم أعوان الشيطان . أما شعوب تلك الدول
فقلوبهم حزينة لما يحل بإخوانهم في مصر و سوريا . وكيف لا يحزن الإنسان على دمه و
هو يجري في الشوارع ليرتوي بها غرور نفوس لا تتقي الله . و كل فريق منهم
بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .
أين هم بأموالهم حين كانت بلادك
تحتاج المال لتنهض ؟ تركوها نهبا للبنك
الدولي و غيره ، أين أموالهم لبناء الجامعات و المدارس في دول عربية تحتاج للدعم ؟
أين أموالهم في طريق الخير لتستغني أمتهم عن الركوع لمؤسسات دولية تركعهم إذلالا
باسم النهضة الاقتصادية و العمران ؟ .
كانوا يبخلون بأموالهم ؟ و
يتنمرون لأبناء أمتهم . ولا ينفقون أموالهم إلا تباهيا و رياء . أو لإشعال الفتن ،
فتن ترضي غرورهم و كبرهم ، أن سألتهم من أموالهم لأجل الخير فإنهم يبخلون ، و أن
سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا ، و ينفقون بسخاء ، فَسَيُنفِقُونَهَا
ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ بإذن الله تعالى .
أن حكام تلك الدول ـ وأن نفوا
هذا ـ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ ، يرغبون في تصفيات
حسابات بينهم ، فبدلا أن تكون تلك التصفيات في بلدانهم ، قاموا بتصفيتها في بلادك
و في و ( سوريا ) .
سيادة الرئيس ..
العاقل من رأى الأمور ببصيرة و
قلب نقي ، لتكون أنت خير الفريقين ، دع أهل الفتن و أصدح بالحق فأنت اليوم قائد
لفريق ليس قليل . استغن عن وجاهة الدنيا ، و أترك ( السياسة ) الآن ففيها كر وفر
يمكن تداركه لاحقا ، أما ( الفتن ) فإنها منزلق وعر ، وغياهب مدلهمة .
ليكون عملك هذا لله وحده ،
فوالله ما ترك امرؤ أمرا لله إلا عوضه الله بأحسن منه . فإن لم تكن وجيها في
الدنيا ، فإني أرجو أن تكون عِندَ اللَّهِ وَجِيه . ففي الأزمات تعرف معادن الرجال
.
كن مقتديا بالنبي الأمين صل الله
عليه وسلم ، انظر ما فعل يوم الحديبية ، وقومه يومئذ مشركين . فكيف أنت مع قومك ؟
كن بعظمة عبدالله بن عمر ـ رضي
الله عنهما ـ حين سأله نافع فقال : يا أبا عبد الرحمن ، أنت أبن عمر و أنت صاحب
رسول الله ، و أنت و أنت ، فما يمنعك من هذا الأمر ـ يعني نصرة علي .
فأجابه ابن عمر : يمنعني أن الله
تعالى حرم دم المسلم ، لقد قال عز وجل : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه }
ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى
كان الدين لله ، أما اليوم ففيم نقاتل ؟ لقد قاتلت و الأوثان تملأ الحرم من الركن
إلى الباب ، حتى نضاها الله من أرض العرب ، أفأقاتل اليوم من يقول : لا إله إلا
الله ؟ .
و كان رضي الله عنه و أرضاه يقول
كان ابن عمر يقول : ( من قال : حيَّ على الصلاة أجبته ، و من قال : حيَّ على
الفلاح . أجبته . و من قال : حيَّ على قتل أخيك المسلم ، و أخذ ماله . قلت : لا )
.
قال مروان لعبد الله بن عمر : (
هلُمَّ يدك نبايع لك ، فإنك سيد العرب و ابن سيدها . قال له ابن عمر : ( كيف نصنع
بأهل المشرق ، قال مروان : نضربهم حتى يبايعوا . قال ابن عمر : ( و الله ما أُحبُّ
أنها تكون لي سبعين عاما ، و يُقتل بسببي رجل واحد .
قال الحسن رضي الله عنه : ( لما
قُتل عثمان بن عفان ، قالوا لعبد الله بن عمر : إنك سيد الناس ، وابن سيد الناس ،
فاخرج نُبايع لك الناس ، قال : إني و الله لئن استطعت لا يُهْرَاقُ بسببي مِحجمة
من دم ، قالوا : لتخرُجنَّ ، أو لنقتلنك على فراشك ، فأعاد عليهم قوله الأول ،
فأطمعوهُ ، و خوَّفوه ، فما استقبلوا منه شيئا ) .
أيها الرئيس المؤمن ..
كن مثل أبي ذر الغفاري ـ
رضي الله عنه ـ يصدح بالحق لكنه لم يحمل سيفا و لم يحمل على عاتقه وزر دماء
المسلمين و ما قاد فتنة ولا سعى فيها. و قد حفظ وصية نبيه و معلمه الكريم صل الله
عليه و سلم .
أيها الرئيس ..
كن مثل الحسن بن علي بن
أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ حين رأى الفتن تزداد ، و دماء المسلمين تنساب ، رفع
يديه من الزعامة خوفا من فتن وخشية أن يغرق في دماء المسلمين فيسأله الله عنها ،
ترك السيادة وتنازل لمعاوية ، ليس لأن معاوية على ( حق ) ، و لكن لأن الحسن ( يخشى الله ) ، ذلك هو السمو
الإيماني في أجل معانيه.
لم يكن موقف الحسن رضي الله عنه جبن ، و لا ضعفا ، و لا تقصيرا ، و لا انحرافا
عن الحق ، و لا تهاونا فيه ، لكنه رأي الأمور بعين ( البصير ) المؤمن ، وقاسها من باب سد الذرائع ،
فرأى الترك خير من السير على أجساد المسلمين . و هو الذي لو مضى لمضت أمة محمد
خلفه . لكنه أتقى الله فيهم.
أيها الرئيس ..
اليوم يوم ، و غدا تكون
أمور ، فأتقي الله في رعيتك ، يبدلك الله خيرا {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً }. باسم السياسة حكم الجبارون ، وباسم السياسة قتلوا
شعوبهم ، و بالعزة الآثمة تسلطوا ، و بتأويل الأمور أرضوا غرورهم ، فلا تكن ـ يا حفظك الله ـ مثلهم .
أيها الرئيس ..
لو أن الشيخ حسن البنا ـ رحمه
الله ـ بيننا اليوم ، أتظنه يخوض في دماء المسلمين ؟ .
لستُ أخوانينا ، لكني قرأت سيرة
الرجل فرأيت فيه رجلا صالحا وطنيا ، ظلمه أتباعه بانحرافهم عن نهجه ، كما ظلمه
أعدائه بتحميله ما لم يقله وما لم يفعله ، وما لم يسنه .
أيها الرئيس ..
الآمال معلقة بك ، و أني أعلم
أنك حين تعلن أغماد السلاح سوف يسفهك سفهاء القوم ، ممن يتبعون شيطان هواهم ،
{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }[5]
.
فأمثال أولئك سفَّهُوا من هُمْ أقدر منك و أجلُّ منزلة ، لقد سفهوا عبدالله بن عمر ـ رضي الله
عنهما ـ و سفهوا الحسين بن علي ـ رضي الله
عنهما ، حين رفضوا الفتن ، فأصبر لحكم ربك ، فقد جعلك الله في هذا المقام ليبتلي
إيمانك ، و أن ما عند الله باق . ولا تلتفت للجاهلين ، فأولئك أن أتاهم رجل
بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ
.
أن لم يتبعك إلى السلم جميع من
هم تحت أمرتك اليوم ، فإنه لا شك سيتبعك بعضهم ، وذلك البعض هم أصلحهم ، و
يكفيك شرفا أنك أغمدت السلاح ، وحملت الدلاء لإطفاء نار الفتن ، فذلك بإذن الله
شرف لك في الدنيا و الآخرة .
{ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن
فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }[6]
يظن البعض أن القتال و التصارع
بالألسن و الصراع هو الصواب و هو الحق ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ
حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا
تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
}[7].
سيادة الرئيس ..
لستُ مصريا ، لكني ( عربي مسلم )
، يؤلمني كل جرح نازف في أجساد أخواني . و أسأل
الله أن لا يخيب ظني فيك .
فاليوم تطفئ نار الفتن في ( مصر ) و غدا يقتدي بك أهل العقول و البصيرة في ( سوريا
) . حتى لا ندمر أوطاننا بأيدينا و أيدي الأعداء . فيكون لك أجر عملك و أجر من
اقتدى بك بإذن الله تعالى .
قال النبي عليه السلام : (
إنَّ السعيد لمنْ جُنِّبَ الفِتنَ ) .
أسأل الله أن تنطفئ ( نار الفتن )
في وطني العربي الغالي ، وطن الإسلام و السلام و الصلاح بإذن الله . اللهم
ألطف بقومي و أهدي زعمائهم . رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ , اللهم أسألك لوطني العربي الأمن و الأمان و السلام ، اللهم ورد كيد من عادى هذا الوطن في نحره وكفيه
شره ، اللهم أنك أنت القوي المهيمن الجبار المتكبر ، اللهم وشد أزر أهل الصلاح ، و
أعن أهل الخير ، اللهم آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق