الاثنين، 19 أغسطس 2013

رسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي





{ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ
ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآية 71







إلى سيادة الرئيس / محمد مرسي .


أيها الرئيس ...


 رغم أنهم انقلبوا عليك إلا أنك أنت الرئيس الشرعي ، و أن الإمارة ليست سلطة وجاه ، بل أمانة يحاسبك الله عليها ، أني أوجه إليك حديثي لأنك الرئيس الشرعي ، و الرئاسة أمانة وأنها في الآخرة خزي وندامة ، وأن حساب الخلق عليك . فأوجه حديثي إليك لأنك أيضا رجل يؤمن بالله ، ومن آمن بالله وجب عليه أن يتقي الله . و أني أكاد أعلم أن رسالتي لن تصلك ، لكني أنما أبرأ ضميري بما أستطيع .

ناصرتم الفتن في ( سوريا ) فابتلاكم الله بها في داركم ، فما أحسنتم درءاها حتى أحالها نزغ الشيطان في نفوس البشر إلى ( فتن ) عمياء و أهدار للأنفس و الأموال . ليس من الضرورة أن ما نظن أحيانا أنه صوب يكون كذلك فعلا . و أنه بيدك كرئيس للدولة ، و كطرف رئيسي في الصراع ، وأجبك أن تسعى لعلاج الأمور و إيقاف الدمار ، و القتل ، و الفتن .


أيها الرئيس ..

عند احتدام الأزمات لا يجب أن نبحث عن من هو المصيب و من هو المخطئ بل نبحث عن أرشد القوم و أعقلهم ليكبح جماح الفتن ما استطاع  . و إني أراك أصلحهم و أعقلهم و أرشدهم . فإن كانوا ـ أعني فريق العسكر ـ  قوما يحبون ( الدنيا ) فأنت ممن يحبون ( الله ) أفلا تتقيه في عباده . فإن أساءوا فأحسن أنت ، و أرحم الضعفاء من أبناء وطنك .

{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[1]


 يا سيادة الرئيس :

 هل كان الإسلام يوما دين تفريق ؟ .

متى كان دم المسلم على المسلم حلال ؟

هل السلطة أحب إليك من دماء أبناء شعبك ؟ و من دماء قوم يشهدون أنه لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ؟ .

أم هل نزغ شياطين الإنس ممن يوسوسون بالتكفير و التجريم و أباحت دماء المسلمين و غيرهم ممن في ذمتهم أقرب إلى قلبك من صوت لسان يلهج بذكر الله ؟

 أما و الله لقد قال عليه السلام لأسامة بن زيد : ( ويحك يا أسامة ، فكيف لك بلا إله إلا الله ؟ ويحك يا أسامة ، فكيف لك بلا إله إلا الله ؟ . قال أسامة : فلم يزل يرددها عليَّ حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد . فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعدما سمعت رسول الله ) .

و الله ما يصوغ قتل المسلم ولا استباحة دمه إلا عصبية جاهلية غرسها الشيطان في قلوب أعوان له ظنوا أنهم أهل حق و جمعوا لأنفسهم ( مبررات جعلوها عذرا )  ، فكذبوا على أنفسهم وصدقوها ، يفعلون كما فعل اليهود قبلهم يحورون الكلام و يخضعون الشواهد من القرآن و السنة ـ كرها و قسرا ـ حتى يسوقوا عذرا لا يستسيغه غيرهم .

 فويل لمن أعماه هواه و نزْغُ الشيطان فما تاب و لا أناب لله صادق .

 و ويل لمن أن قلت له : ( أتق الله )  أخذته العزة بالإثم ، لا يرى في نفسه إلا أنه الحكيم المصيب ، غرورا و كبرا ، و لا يرى غيره إلا فاسق أو كافر أثيم .

أفمثل هذا يسكن قلبه الإيمان ؟

أم مثل هذا يطاع و يتبع ؟


فأما من قال : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }[2]. فأقول : أتقي الله في تأويل آياته .

فإنه تعالى قال أيضا : { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }[3] .

 و قال جل و علا : { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ  }[4]

أيها الرئيس ..

ما نال وطنٌ من التحزب إلا الدمار و سفك الدماء ، و عصبيات لهذا الحزب أو ذاك ، أليست عصبيات الأحزاب كالعصبيات الجاهلية ؟ .  فهل ندعو  لنبذ العصبيات لنعود و نبني غيرها ؟ .


سيادة الرئيس ...

أن بعض الدول التي تدعم هذا الفريق أو ذاك هي دول لا خير فيها و أنما هم أعوان الشيطان . أما شعوب تلك الدول فقلوبهم حزينة لما يحل بإخوانهم في مصر و سوريا . وكيف لا يحزن الإنسان على دمه و هو يجري في الشوارع ليرتوي بها غرور نفوس لا تتقي الله . و كل فريق  منهم بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .

أين هم بأموالهم حين كانت بلادك تحتاج المال لتنهض ؟  تركوها نهبا للبنك الدولي و غيره ، أين أموالهم لبناء الجامعات و المدارس في دول عربية تحتاج للدعم ؟ أين أموالهم في طريق الخير لتستغني أمتهم عن الركوع لمؤسسات دولية تركعهم إذلالا باسم النهضة الاقتصادية و العمران ؟ .

كانوا يبخلون بأموالهم  ؟  و يتنمرون لأبناء أمتهم . ولا ينفقون أموالهم إلا تباهيا و رياء . أو لإشعال الفتن ، فتن ترضي غرورهم و كبرهم ، أن سألتهم من أموالهم لأجل الخير فإنهم يبخلون ، و أن سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا ،  و ينفقون بسخاء ، فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ بإذن الله تعالى .

أن حكام تلك الدول ـ وأن نفوا هذا ـ  يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ ، يرغبون في تصفيات حسابات بينهم ، فبدلا أن تكون تلك التصفيات في بلدانهم ، قاموا بتصفيتها في بلادك و في و ( سوريا ) .


سيادة الرئيس ..

العاقل من رأى الأمور ببصيرة و قلب نقي ، لتكون أنت خير الفريقين ، دع أهل الفتن و أصدح بالحق فأنت اليوم قائد لفريق ليس قليل . استغن عن وجاهة الدنيا ، و أترك ( السياسة ) الآن ففيها كر وفر يمكن تداركه لاحقا ، أما ( الفتن ) فإنها منزلق وعر ، وغياهب مدلهمة .

ليكون عملك هذا لله وحده ، فوالله ما ترك امرؤ أمرا لله إلا عوضه الله بأحسن منه . فإن لم تكن وجيها في الدنيا ، فإني أرجو أن تكون عِندَ اللَّهِ وَجِيه . ففي الأزمات تعرف معادن الرجال .

كن مقتديا بالنبي الأمين صل الله عليه وسلم ، انظر ما فعل يوم الحديبية ، وقومه يومئذ مشركين . فكيف أنت مع قومك ؟

كن بعظمة عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ حين سأله نافع فقال : يا أبا عبد الرحمن ، أنت أبن عمر و أنت صاحب رسول الله ، و أنت و أنت ، فما يمنعك من هذا الأمر ـ يعني نصرة علي .
فأجابه ابن عمر : يمنعني أن الله تعالى حرم دم المسلم ، لقد قال عز وجل : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه }
ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله ، أما اليوم ففيم نقاتل ؟ لقد قاتلت و الأوثان تملأ الحرم من الركن إلى الباب ، حتى نضاها الله من أرض العرب ، أفأقاتل اليوم من يقول : لا إله إلا الله ؟ .

و كان رضي الله عنه و أرضاه يقول كان ابن عمر يقول : ( من قال : حيَّ على الصلاة أجبته ، و من قال : حيَّ على الفلاح . أجبته . و من قال : حيَّ على قتل أخيك المسلم ، و أخذ ماله . قلت : لا ) .

قال مروان لعبد الله بن عمر : ( هلُمَّ يدك نبايع لك ، فإنك سيد العرب و ابن سيدها . قال له ابن عمر : ( كيف نصنع بأهل المشرق ، قال مروان : نضربهم حتى يبايعوا . قال ابن عمر : ( و الله ما أُحبُّ أنها تكون لي سبعين عاما ، و يُقتل بسببي رجل واحد .

قال الحسن رضي الله عنه : ( لما قُتل عثمان بن عفان ، قالوا لعبد الله بن عمر : إنك سيد الناس ، وابن سيد الناس ، فاخرج نُبايع لك الناس ، قال : إني و الله لئن استطعت لا يُهْرَاقُ بسببي مِحجمة من دم ، قالوا : لتخرُجنَّ ، أو لنقتلنك على فراشك ، فأعاد عليهم قوله الأول ، فأطمعوهُ ، و خوَّفوه ، فما استقبلوا منه شيئا ) .

أيها الرئيس المؤمن ..

 كن مثل أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ يصدح بالحق لكنه لم يحمل سيفا و لم يحمل على عاتقه وزر دماء المسلمين و ما قاد فتنة ولا سعى فيها. و قد حفظ وصية نبيه و معلمه الكريم صل الله عليه و سلم .

أيها الرئيس ..

 كن مثل الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ حين رأى الفتن تزداد ، و دماء المسلمين تنساب ، رفع يديه من الزعامة خوفا من فتن وخشية أن يغرق في دماء المسلمين فيسأله الله عنها ، ترك السيادة وتنازل لمعاوية ، ليس لأن معاوية على ( حق )  ، و لكن لأن الحسن ( يخشى الله ) ، ذلك هو السمو الإيماني في أجل معانيه.

لم يكن موقف الحسن رضي الله عنه  جبن ، و لا ضعفا ، و لا تقصيرا ، و لا انحرافا عن الحق ، و لا تهاونا فيه ، لكنه رأي الأمور بعين (  البصير ) المؤمن ، وقاسها من باب سد الذرائع ، فرأى الترك خير من السير على أجساد المسلمين . و هو الذي لو مضى لمضت أمة محمد خلفه . لكنه أتقى الله فيهم.


أيها الرئيس ..

اليوم يوم  ، و غدا تكون أمور ، فأتقي الله في رعيتك ، يبدلك الله خيرا {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً }. باسم السياسة حكم الجبارون ، وباسم السياسة قتلوا شعوبهم ، و بالعزة الآثمة تسلطوا ، و بتأويل الأمور أرضوا غرورهم ، فلا تكن ـ  يا حفظك الله ـ مثلهم .


أيها الرئيس ..

لو أن الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ بيننا اليوم ، أتظنه يخوض في دماء المسلمين ؟ .

لستُ أخوانينا ، لكني قرأت سيرة الرجل فرأيت فيه رجلا صالحا وطنيا ، ظلمه أتباعه بانحرافهم عن نهجه ، كما ظلمه أعدائه بتحميله ما لم يقله وما لم يفعله ، وما لم يسنه .

أيها الرئيس ..

الآمال معلقة بك ، و أني أعلم أنك حين تعلن أغماد السلاح سوف يسفهك سفهاء القوم ، ممن يتبعون شيطان هواهم ، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }[5] .

فأمثال أولئك سفَّهُوا من هُمْ  أقدر منك و أجلُّ  منزلة ، لقد سفهوا عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ  و سفهوا الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ، حين رفضوا الفتن ، فأصبر لحكم ربك ، فقد جعلك الله في هذا المقام ليبتلي إيمانك ، و أن ما عند الله باق . ولا تلتفت للجاهلين ، فأولئك أن أتاهم رجل  بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ .

أن لم يتبعك إلى السلم جميع من هم تحت أمرتك اليوم  ، فإنه لا شك سيتبعك بعضهم ، وذلك البعض هم أصلحهم ، و يكفيك شرفا أنك أغمدت السلاح ، وحملت الدلاء لإطفاء نار الفتن ، فذلك بإذن الله شرف لك في الدنيا و الآخرة .

{ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }[6]

يظن البعض أن القتال و التصارع بالألسن و الصراع هو الصواب و هو الحق ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }[7].


سيادة الرئيس ..

لستُ مصريا ، لكني ( عربي مسلم ) ، يؤلمني كل جرح نازف في أجساد أخواني . و أسأل الله أن لا يخيب ظني فيك . فاليوم تطفئ نار الفتن في ( مصر ) و غدا يقتدي بك أهل العقول و البصيرة في ( سوريا ) . حتى لا ندمر أوطاننا بأيدينا و أيدي الأعداء . فيكون لك أجر عملك و أجر من اقتدى بك بإذن الله تعالى .

قال النبي عليه السلام : (  إنَّ السعيد لمنْ جُنِّبَ الفِتنَ  ) .

أسأل الله أن تنطفئ ( نار الفتن ) في وطني العربي الغالي  ، وطن الإسلام و السلام و الصلاح بإذن الله . اللهم ألطف بقومي و أهدي زعمائهم . رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ , اللهم أسألك لوطني العربي الأمن و الأمان و السلام ،  اللهم ورد كيد من عادى هذا الوطن في نحره وكفيه شره ، اللهم أنك أنت القوي المهيمن الجبار المتكبر ، اللهم وشد أزر أهل الصلاح ، و أعن أهل الخير ، اللهم آمين .






[1] - الأنفال25
[2] - البقرة193
[3] - البقرة217
[4] - البقرة191
[5] - الكهف104
[6] - الأنفال73
[7] - فاطر8

ليست هناك تعليقات: