"أن يكون اللص عادياً ، ليس مثل أن يكون اللص فقيهاً ، حينها يخرج اللص عن عُرفهِ ليدخل من الباب لا الشباك ، لأنه يسرق بقرآنهِ و إنجيلهِ"
عبدالرزاق الجبران ، مفكر من العراق
الكل يكذب باسم الدين ليمرر ما يريده من قرارات و سياسات و ليحقق المصالح التي يريدها ، و لعل السياسيين هم أكثر من يكذب لتمرير القرارات و لتحقيق المصالح السياسة والاقتصادية ، و لأجل هذا كل سياسي هو محتاج لعلماء دين ـ أحبذ كلمة شيوخ - ليمنحوا قراراتهِ الشرعيةَ الدينيةَ المطلوبة بحكم أنهم مالكُو "الحقِّ الإلهيّ" في الأرضِ ، و "علماءُ السلطان" هم أنموذج من المنافقين ، تحديدا "المنافق العليم" فمهمتهم المطلقة هي تحويل الدين لمصلحة الحاكم ، وليُّ عنق الأحكام الشرعية لتتناسب مع ما يريده الحاكم ، فيمنحون بذلك القرار السياسي أو الاقتصادي ـ للحاكم ـ "الشرعية" المطلوبة لتبقى صورة الحاكم "مقدسة" أمام الشعب ـ الفئة الجاهلة تحديدا ـ و لأجل أن لا يستنكر أي أحد أفعالهُ.
لطالما كانت نكبات الأمة في العصر الحديث بسبب الفرس المتشيعين ، و الوهابية ، اللذان تجمعهما عداوة شيطانية ، وهي عداوة لها جذور تاريخية عميقة . و كل منهما يدعي أنه "حامي الدين" ، و يدعي أنه يمثل "الخط المستقيم و الصحيح" ، لكنه مستقيم وصحيح من وجهة نظره هو فقط ، لا من وجهة نظر الأخر ، و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }[1]، لكن المنصف يعلم تمام العلم أن لا حكومة "إيران" تمثل الإسلام ولا حكومة "السعودية" تمثل الإسلام . و كما أن المواقف تثبت معادن الرجال ، كذلك المواقف تثبت معادن السياسيين و الحكومات . و التاريخ مليء بالشواهد التي تثبت أن هذين الفريقين ليسوا إلا أناس أهل مآرب و مصالح يتسترون خلف الدين ليحققوها .
**
اليوم و مع احتدام الخلاف (الفارسي - الوهابي) يسعى الوهابية لتقويض إيران بكل الطرق الممكنة ، فهم لا يستطيعون مواجهة إيران مباشراً لذا كانت من ضمن الأشياء التي أتبعتها السعودية أنها من جهة كانت سببا لانخفاض أسعار النفط عندما رفضت خفض الإنتاج ليستقر سعر البرميل ، وهددت في حال خَفَضَ المنتجون أنتاجهم بأنها ستزيد أنتاجها لتغطية النقص ، و بهذا تضمن هبوط سعر النفط و تدهور قيمته مما يؤثر بقوة على اقتصاد إيران المحتاجة للمال لإكمال مشاريعها العسكرية و العلمية . و من جهة أخرى تقوم السعودية ـ بطريقة غير رسمية ـ بتحريض الأقاليم التي تحتلها إيران على التمرد ، و من هذه الأقاليم : بلوشستان ، و الأهواز[2].
بلوشستان[3] ـ المحتلة من قِبَل ثلاث دول ـ ظلت تنتفض مراراً وتكراراً ضد هؤلاء الثلاثة المغتصبين لأرضها . لم يلتفت لها أحد ولا لمعاناة أهلها. عانى إقليم الأحواز و بلوشستان المرارة على يد الإيرانيين أيام الشاهنشاهية و بعدها ، فأصحاب العمائم لم يكونوا أفضل من الشاه في أي شيء سوى في فرط الكذب باسم الدين . و لم تتحرك السعودية لا لأجل العروبة في الأحواز ، ولا لأجل المذهب السني في بلوشستان والتي كان ـ و مازال ـ مشطورا إلى ثلاث أقسام . البلُوش يقودون ثورة و تمرد منذ سنوات لم تهدأ إلا قليلا ، خصوصا في الشطر الباكستاني من وطنهم ، و الذي يعتبر الأكثر قسوة و عنفاً و معاناةً من البقية .
يسعى الوهابية بطريقة غير رسمية و غير مباشرة لإثارة الفتن و الثورات ضد الفرس المتشيعون ، فهم يحرضون الأحوازيون للثورة بالرغم أن عرب الأحواز( شيعة) في غالبيتهم ، و يحرضون البلوش في الشطر الإيراني للثورة .
الأحوازيون بحكم أنهم (عرب) و لهم علاقة وطيدة بالخليج و بالعراق ، فهم يعرفون تماما الوضع الوهابي المتعصب لمذهبه ، لذا أخذ البعض منهم يروج بأن شيعة الأحواز مختلفون عن شيعة الفرس ، و أن الحكومة الفارسية لا يهمها الدين إنما يهمها عنصرها القومي الفارسي ، وهو حق لكن أريد به استمالت النخوة الوهابية ، وهي نخوة لم تُخلق في (الدين الوهابي) أبدا و لا وجود لها فيه ، ثم بعد ذلك و بعد إعدام بعض الشباب الناشطين في الدعوة للمذهب السني في الأحواز من قِبل الحكومة الفارسية ، قام البعض من الأحوازيين بالترويج أن الشعب الأحوازي بدأ ينتقل للمذهب السني ، لذات الهدف السابق. كانت تلك مساعي بعض المناضلين من الأخوة في الأحواز لاستخدام الدين كورقة يمكن بها جذب الدعم العربي عموما ، و السعودي خصوصا ، بحكم أنها بلاد الحرمين و العدو اللدود للفرس المتشيعين ، لكن لا حياة لمن تنادي.
في بلوشستان كان الوضع مختلف بحكم أن البلوش في غالبيتهم يعتنقون المذهب السني ، لكن البلوش أناس بسطاء في معيشتهم ، طيبون في طبيعتهم ، و هم معزولون إلى حد كبير عن العالم ، إلا القلة القليلة منهم وهي غالبا تعيش في المهجر ـ في الغرب غالبا ـ و هم لا يتحدثون العربية[4] ، لذا هم غير مطلعين تماما على الوضع في الوطن العربي ، و لقد اعتقدوا لوهلة أن آل سعود يهتمون لنجدة المظلوم ، لذا سعوا بكل جهد عبر الإعلام و عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجذب تعاطف العرب خصوصا الخليج طمعاً منهم في كسب الدعم السياسي و المالي و ربما العسكري أن أمكن لينالوا استقلالهم ، و ليتوحد إقليمهم بعد تفرق طويل.
لكن كل جهودهم كانت كما قال جحظة البرمكي :
لي صديق يحب قولي و شدوي
و له عـنـد ذاك وجــه صفيق
إن تغنيتُ ، قال : أحسنتَ زدني.
و باحسـنـتَ لا يباع الدقـيــق
و خصوصا أن ذكر القسم الإيراني من بلوشستان ، لكن أن ذكر قسم باكستان وجد منهم فتورا ، و في الأخير تبين له ـ أي المدير لصفحات التواصل الاجتماعي ـ أنهم ـ أي الجمهور الوهابي ـ لا يمانعون من احتلال باكستان و أفغانستان لبلوشستان ، لأنه وكما يزعمون احتلال (مسلم لمسلم) ، لكن احتلال إيران للإقليم هو احتلال (كافر لمسلم) . بالرغم أن القسم الباكستاني هو الأشد قسوة و استخداماً للتعذيب و الإعدام العشوائي و الأسلحة الكيماوية الممنوعة ضد البلوش . و هو الشيء الذي كانت مواقع المناضلين البلوش تنشره مفصلا بالصور .
لم يفهم (الجمهور الوهابي) بسبب جهلهِ و شدة عنصريته التي تعميه أن الشعب البلوشي يهمهُ أن يعود له وطنه ، ليعيشون فيه بسلام و أمان و كرامة ، كل ما كان يهمهم أن يكون ( جسد) المناضل البلوشي (قنبلة) تفجر شوارع طهران و تثير قلق الحاكم الفارسي و تثير الرعب في إيران ، الوهابيون لا يملكون الإنسانية ، هم يحرضون على قتل أي شخص و نشر الفوضى و الرعب ، شأنهم شأن الفرس المتشيعون "كذبا" لآل البيت رضوان الله عليهم ، لا يهمهم أن يفسدون حياة الآمنين وأن يشتت الوطن و يخرب .
البلوش القائمون على حسابات التواصل الاجتماعي فطنوا لفكرة الكراهية الوهابية بين الوهابية و الشيعة ، لذا لجئوا لمحاولة إيهام الجمهور الوهابي بأن باكستان شيعية ، أصبحوا يمارسون الكذب باسم الدين لجذب الدعم ، فالدين ليس مهما عند أي سياسي المهم هو تحقيق الهدف ، استنادا للقاعدة الميكافيلية : ( الغاية تبرر الوسيلة) أيًّا كانت الوسيلة حتى لو بالظلم و الكذب أو حتى بتزوير حقائق تخص الدين.
ماحدث أن الجمهور الوهابي و الذي يجهل تماما أي شيء عن باكستان ، صار يهاجم تلك الإدعاءات البلوشية ، لأن حكومتهم أقنعتهم بأن باكستان سنية مسلمة ، وقول الحكومة و مشائخها هو قول فصل لا ينطق عن هوى ، و بما أن الجمهور الوهابي لا يستطيع سب و شتم البلوش بأنهم شيعة لعلمهم أنهم سنة ، فقد انتقلوا للشتيمة الثانية في قائمة شتائمهم التي ورثوها عن مشائخهم وهي أن هؤلاء البلوش عملاء للسي أي إيه ، أو للموساد. عجبا لتقلب الأحوال !!
هنا نلاحظ جهل البلوش بتاريخ الوهابية و آل سعود ، ونلاحظ جهل الجمهور الوهابي ، فالجميع يظن ـ خطأً ـ أن آل سعود و الوهابية تحملهم الغيرة على الدين ، وتملئهم النخوة تجاه العروبة ، لكن التاريخ يثبت العكس تماما ، و يجهل الجميع أن باكستان و آل سعود من أشد العملاء للسي آي إيه . لكن و كما يقول المعري[5] :
و عينُ الرّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ
ولكنَّ عينَ السُّخْطِ تُبْدي المساويا
أشتهر أهل بلوشستان عبر التاريخ بشجاعتهم و تسامحهم الديني ، أبرز مثال هو مشاركة البلوش في تحرير عُمان من الاحتلال البرتغالي بالرغم أن البلوش من السُنَّة ، ورغم ذلك فقد شاركوا جنبا لجنب مع جيش الإمام الإباضي ـ وكانت عُمان عنئد دولة إسلامية ـ لتحرير الأرض العُمانية . و في سبعينيات القرن العشرين شاركت كتائب من البلوش في حرب الجنوب مع الحكومة العُمانية ضد الجبهة الشيوعية في ظُفَار. لكن اليوم نجدهم يسعون لاستخدام كل الأوراق المتاحة ليعود لهم حقهم ، ومنها الكذب باسم الدين ، ليس فقط عبر جلب التعطف السني ضد المستعمر الشيعي و لكن أيضا بإدعاء أنهم يمارسون جهادا ضد الرافضة ، و أن مناضليهم إسلاميون.
[1] - المؤمنون53 .
[2] - الأحواز : هو إقليم واسع و غني بالنفط ، و بموقعه الإستراتيجي المهم على الخليج العربي ، و الأحواز هي جمع لكلمة "حوز"، وهي مصدر للفعل "حاز"، بمعنى : الحيازة والتملك، وهي تستخدم للدلالة على الأرض التي اتخذها فرد وبين حدودها وامتلكها . و"الحوز" كلمة متداولة بين أبناء الأحواز فمثلا يقولون هذا حوز فلان ، أي هذه الأرض معلومة الحدود ويمتلكها فلان . وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة "الأحواز"، وأطلقوا على العاصمة سوق الأحواز للتفريق بينهما. أما "الأهواز" فهو اللفظ الفارسي لعجمة لسانهم ، وإن كان هذا اللفظ قد تسرب إلى بعض الكتب العربية. وفي العهد الصفوي سماه الفرس: "عربستان" أي القطر العربي أو أرض العرب . أما "خوزستان" فهو الاسم الذي أطلقه الفرس على الإقليم و هو يعني بلاد القلاع والحصون تلك التي بناها العرب المسلمون بعد معركة القادسية ، وسمي به الإقليم مرة أخرى بعد الاحتلال الفارسي بأمر من "رضا شاه" عام 1925م . تعود جذور شعب الأحواز إلى العديد من القبائل العربية التي هاجرة إلى هذا الإقليم قبل الإسلام بسنوات بعيدة . و هم اليوم يتحدثون باللهجة الرافدية و أغلب سكان الأحواز من شيعة ، فيما يعتنق عرب الجزر والمواني الشمالية للخليج المذهب السني ويتحدثون باللهجة الخليجية . وعبر التاريخ كان هذا الإقليم لا يشمل سيطرة الدولة الفارسية إلا نادرا و لبعض مدنه خصوصا موانيه التجارية ذات الموقع الاستراتيجي عبر التاريخ . يشكل العرب حاليا في الأحواز 95% بعد تشجيع الحكومة الإيرانية للفرس بالهجرة لإقليم الأحواز ، و تهجير العرب من الأحواز لمناطق أخرى في إيران . و تفرض اللغة الفارسية كلغة رسمية للتعلم في الإقليم . و منذ اجتياح هذا الإقليم من قبل الشاه رضا فهلوي في أبريل 1925 م ، وهو يشهد فترات صراع وعدم استقرار بين العرب القاطنين والحكومة المركزية في طهران بين الحين و الأخر ، و قد مارس الشاه أثناء الفترات الأولى لأحتلاله للأقليم وسائل تعذيب شنيعة ضد الرافضين للوجود الفارسي في الأقليم ، ثم و رثت الثورة الإسلامية الإقليم ضمن ما ورثته من مملكة الشاة . . ( الملاحظ أن لفظة حوز تستخدم في سلطنة عُمان ، و لا تزال هذه اللفظة مستعملة في بعض المناطق بنفس هذا المعنى إلى الآن ) .
[3] -بلوشستان إقليم شاسع يقع بين ثلاث دول : باكستان ، أفغانستان ، إيران ، وهي الدول التي تم تقسم هذا الإقليم بينها . تم احتلال بلوشستان من قبل جيش الاستعمار البريطاني في عام 1839م بعدما هزموا جيش بلوشستان . القوات الاستعمارية قسّمت بلوشستان إلى بلوشستان شرقية وغربية في عام 1871م فيما يُعرف بخط "جولد سميث" ، ومن بعدها أقتطع الجزء الشمالي لبلوشستان وضُم إلى أفغانستان بعام 1893م (خط دوراند) . وبعد الحرب العالمية الثانية تم إعلان الجزء الشرقي من بلوشستان دولة مستقلة ذات سيادة وذلك في 11 أغسطس 1947م . تم احتلال جزء من الإقليم من قبل إيران في عام 1928 م ، وبالتعاون مع القوى الاستعمارية البريطانية ، و تم احتلال من قبل الجيش الباكستاني في مارس من عام 1948 م .
[4] - البلوش يتحدثون اللغة البلوشية ، و هي لغة مستقلة و لها ألفاظ مشتركة مع لغة الأوردو التي يتحدثها مسلمو الهند ، وباكستان ، والفارسية التي يتحدثها الفرس ، و بعض الألفاظ العربية بحكم العلاقات التاريخية العريقة مع العرب ، و ألفاظ تركية ، تحديدا اللغة التركية الأم التي تتحدث بها القبائل التركية في وسط آسيا. بعض البلوش في الإقليم يتقنون العربية وهم قلة قليلة ، و لكن كلغة أجنبية و ليست كلغة رسمية أو أم .
[5] - ينسب هذا البيت أيضا للشافعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق