الخميس، 20 مايو 2010

لماذا تسخرون من حلم الوحدة العربية ؟


"طالما سمعت تكرار شعار "أوروبا" من رجال
 السياسة ، بينما كانوا بنفس الوقت يتوجهون إلى
 قوى أخرى بطلبات لا يتجرؤون على صياغتها
                                           بأسمائهم الصريحة "

    أوتو بسمارك ، المستشار الألماني الأسبق.







في كثير من المحافل تدور النقاشات بين المواطنين العرب سواء بين أبناء الجنسية الواحدة أو الأقطار العربية المختلفة ، هناك الكثيرون ـ وأنا أحد هؤلاء ـ يتمنون أن يرون أمتنا موحدة تملئها العدالة وتنعم بالتنمية الحقيقة الفاعلة وأن يكون المواطن فيها مكرما ، وأن يتنقل بين أقطاره بحرية وسلاسة كما يحدث في أوروبا اليوم إذ لا حواجز بين دولها .

لست قُطْرِيًّا ولا حزبيا وأرفض رفضا تاما أن أرى وطني من ثقب صغير ، دوما حين أسأل أقول : أنا مواطن عربي وبس . فأنا أمقت التحزب لأن أفقه ضيق جدا .وطني ليس القطر الذي نشأت فيه ، فهو بالنسبة لي فقط  أشبه بمدينتي الصغيرة التي نشأت بها و ترعرعت ، أنما وطني هو الوطن العربي الكبير .
أحلامي هذه التي يشاطرني بها أغلب أبناء هذه الأمة هي مدعاة لسخرية بعض المتهكمين الذي لا يرون أبعد من أنوفهم . فأنت لا يحق لك أن تسخر من حلم أي إنسان مهما كان حلمه .

فالعلم والتاريخ والعقل المنير يقولون جميعهم أن لا شيء مستحيل ، كم من حلم كان حلم وظنه الناس خرافة لا يمكن تحقيقها ، لكنها اليوم حقيقة ، ففي العلم نجد الطيران والهاتف وباقي التكنولوجيا . يقول اديسون : ( الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء)

كيف كانت آمال التحليق في السماء والتحدث عن بعد عبر أسلاك قبل أن تصبح حقيقة ؟

كانت مجرد حلم ظنه الجميع وهما وجنونا لا يمكن تحقيقه وها هو اليوم أصبح أمرا معتادا وعقلانيا ، وفي السياسة مثلا كانت أوروبا  دوقيات ، و دويلات ، و أمارات تسعى كل منها لالتهام الأخرى . حَلُم كثير من ساستها بالوحدة ، وكانوا مَثار تهكم البعض وسخريتهم ، وها هي اليوم حقيقة رغم أنها كانت أشبه بتحقيق معجزة . يقول المثل الغربي : "لا تفزع من أن أفكارك غير المعقولة ، فكل الأفكار العظيمة بدأت كذلك"


لذا أقول ..


يمكن لأمتنا أن تعيش في الوحدة التي تريدها ليس شرط أن تكون وحدة سلطة ووحدة حدود ، أنما وحدة تكاملية يسودها التعاضد والتكافل والتعاون والمحبة المتبادلة ، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي .

نحن أجدر منهم بها ، لأننا نمتلك من المقومات ما يجعل تلك الوحدة التكاملية أكثر نجاحا عندنا منهم ، فنحن نشترك في اللغة (حتى الأعراق غير العربية في الوطن العربي تجيد العربية ) ، ونحن نشترك في الدين ، ونشترك في القيم والعادات إلى حد بعيد جدا ، ونشترك في الدم ( وحتى غير العرب فينا يعيشون أخوة لنا وأنساب وأصهار ) ، عندنا موارد اقتصادية يمكننا أن نشكل بها تكاملا اقتصاديا غنيا و رائعا يغنينا إلى درجة كبيرة عن الحاجة للأخر .

هذا النوع من الوحدة التكاملي ـ أن صح الاصطلاح عليه هكذا ـ أرى أنسب ما يكون وخاصة في الوضع الراهن ، وهو يناسب الوضع الحالي للأقطار العربية ، و به لن يهمش احد ولن يكون بعيدا ونائيا .

فقط على حكامنا أن يكونوا شجعان ، وأن لا يضعون العقبات الوهمية أمامنا ليسدوا هذا الباب كالمعتاد طبعا . فأوهامنا دائما تحول بيننا وبين قدراتنا على تحقيق أهدافنا ، وأن يتركوا تلك الألاعيب الأطفال  التي تنشأ عن الغيرة من بعضهم البعض أو عن أنانية في حب الظهور بمظهر الزعيم الخالد ، أو القائد الفريد الملهم لهذه الأمة ، أو الركض وراء مصالح خاصة ضاربا بعرض الحائط مصالح الأمة وحتى مصالح شعب قُطره ودولته ، فخزعبلات كهذه كانت دوما سبب انحطاط أمتنا وتخلفنا وتعين عدونا علينا ، وليس الدين واللغة كما زعم الجاهلين .

إذن نحن لا نتحدث عن شيء خيالي أو محال ، هناك أمكانية فقط أن توفرت الإرادة الصادقة والقرار السياسي المخلص كما حدث في أوروبا فهي على اختلاف لغاتها واختلاف أعراقها وعدم تكاملها إلى حد بعيد ، وحتى الدين رغم أن الشائع هو المسيحية إلا أنها بمذهبيتها تكاد يشكل كل مذهب دين مستقل بكتبه وقيمه الدينية .

في أوروبا كان الأوروبيين في عهد بسمارك يحلمون بأوروبا موحدة ، كانت العقبات كثيرة ، لذا كان تحقيق الأمر أشبه بمعجزة ، أما نحن فلنا من الأسباب الكثير يسهله ، فإذا كانت قد نجحت مع أوروبا بهذا القدر العظيم مع كل تلك الصعاب فحريٌ بها أن تنجح عندنا نحن العرب ، ولن تعتبر معجزة بل وضع صحيح سليم .

أذن فالمُرددين لسخرية بعض أعداء الأمة في أن حلم الوحدة هو تخلف أو شيء شاذ ، أو التساؤلات التي يطرحها بعض السياسيين الغربيين بهدف مغرض مثل : لماذا تبكون على قضية فلسطين مثلا ، فتلك دولة أخرى لا شأن لكم بها .

فأنا أطرح سؤال واحد فقط على هؤلاء الساسة وعلى المرددين خلفهم :

لماذا يتباكى الأوروبيون والأمريكيون على الكيان الصهيوني ؟

رغم أن لا صلة بينهم أبدا لا دينيا ولا عرقيا ولا لغويا ولا ثقافيا ولا بحدود ولا بأرض ، وهم يعلمون أن اليهود لا يحبون أحد أبدا ، وتاريخ أوروبا كله يشهد كره أوروبا لهؤلاء اليهود بسبب أفعال الأخيرة المشينة في حق أبناء أوروبا و أيضا لأسباب دينية مسيحية .

أما نحن فأهل فلسطين هم من لغتنا وديننا وتاريخنا العميق المشترك ، و من دمنا فحق لنا الألم لألمهم ، والفرح لفرحهم وغير ذلك ، وقس على هذا كل دول الوطن العربي الكبير .

هم لا يفهمون مدى ترابط شعبنا العربي والإسلامي ، حتى المسيحيين من أبناء هذه الأمة أثبتوا ارتباطهم بهذا الوطن وأثبتوا وطنيتهم .

وأخيرا ...

في هذا الوطن العربي الكبير نحن نكمل بعضنا البعض فنحن حقا كجسد واحد لا يمكن أن تنزع طرفا منه وتطلب منه أن يعيش معافى . أنما سيعيش بعلهٍ  و أعاقه .


ورغم الساخرين سأظل و معي كل العاشقين لهذا الوطن العظيم نردد قصيدة  فخري البارودي :


بلادُ العُربِ أوطاني ** منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مِصـرَ فتطوانِ

فـلا حـدٌّ يباعدُنا ** ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا ** بغـسَّانٍ وعـدنانِ

بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ **إلى مصـرَ فتطوانِ

لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ ** سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ ** دهاةُ الإنسِ و الجانِ

بلادُ العُربِ أوطاني ** من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ ** إلى مصـرَ فتطوانِ

فهبوا يا بني قومي ** إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي ** بلادُ العُربِ أوطاني

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

نعم كل شيء ممكن بالعزيمة الصادقة والعمل المخلص الدأوب ويد الله مع الجماعة