السبت، 4 أبريل 2009

خـــضــراء الــدمــن


فما أنتَ  أولُ  سارٍ غرهُ قمر
 و رائد أعجبته خضرة الدمن
          شعر عربي






في خضراء الدمن على العصفور أن يكون دودة حتى يتمكن من نيل غذائه ، و إلا سيموت جوعا ، و بقاء الشاة في حقل ما لعهد طويل يجعلها تُفني كل ما فيه من زرع ما دام الحبل طويل والراعي نائم ، فهي ترى أن الحقل ملكها ، ولن تفكر أن تفعل شيء غير أفناء ما فيه لتشبع معدتها .

عندما يكون ( الديك )  فرخ تجده يتودد لجميع الدجاجات ، وتراه هادىء مستكينا ساكنا ودودا ، وحين يكبر ، ويقضي على كل ديك منافس ، و تكبر أجنحته فإنه يصبح أكثر شغبا و إزعاجا من قطة البيت المدلله ، ويعلوا صوته ، حتى يصر صوته الذي يوقظ  الناس للصلاح  و الفلاح ، مزعجا ، يتحول لنعيب بغيض ، لكنه يظن نفسه في زهوه وغروره ـ الذي ينمو معه كلما تقدمت السنين ـ أنه ذاك الصوت المحبوب ، عندها لا يمكن أن تخرسهُ  إلا أن قصصت جناحه .

وفي المزرعة البائسة التي يكون صاحبها مُزارع  أبله  تجده دوما يحنوا على شجرته القديمة المعوجة ، فهو لا يجتث الشجرة العفنة ليضع مكانها شجرة صالحة تعود بالخير على مزرعته ، ولا يلومها بل يسقيها بالماء أكثر وأكثر ، ويغذيها أكثر وأكثر ، و يكتفي بلوم الأغصان الضعيفة وتكسيرها ، لكن هل تكسير الأغصان الضعيفة يُصلح اعوجاج الشجرة المهترئة من الداخل ؟!!!.
لا يمكن لنبتة الماء التي تنبت وأغلب جسمها مغمور بالماء أن تشعر بعطش شجرة تنمو في الصحراء القاحلة ، لذا لن تهتم النبتة المائية أن تبذل جهدا ولو بالتفكير في كيفية تخزين أو توفير الماء ، فهي مغمورة بالماء .

دودة القز تُفني حياتها في نسج الحرير بكد وتعب لكنها تموت بسببه لأن هناك من يقتلها طمعا في ذلك الحرير ، دون أن يفكر للحظة ما عانته تلك الدودة البائسة ، المهم هو كيف يُرضي جشعه ويرضي غروره .

أيها المواطن العربي ، يا دودة القز الحزينة ..

لن أقول لك ثور وقص أجنحة الديك المغرور ، ولا أقول أطرد المزارع الأبله عن مزرعتك بثورة ، ولا أقول أيقض الراعي بثورة ليربط شاته ، أو ليمنعها عن الحقل الخصيب ، فأنا ما عدت أؤمن بالثورات ،  فكم من كرسي في وطني العربي أتى إليه راع قال لنا بأنه ( ثائر )  ، ثم صار ( جائر ) ، لا أرى أي فرق بين ( ثائر و جائر ) ، فلا انقلاب ( الثاء )  ( جيم )  يعنيني ، و لا انقلاب ( الجيم )  ( ثاء )  يشفيني ، فالمعنى واحد ، والبؤس واحد ، و ربك الرؤوف الرحيم .

يا دودة القز المسكينة ..

أشجار التوت كثيرة ، حين تزرع وحين تتم رعايتها يقال أنها من أجل مصلحة دودة القز ، وحين تسقط ورقة التوت ، تُسحل دودة القز و تُسلق ، ليصير القز للقزَّاز ، وتبقى الدودة لا  بالقز و لا بالتوت  ، ولا حتى بحياتها الضعيفة الكادحة .

                      
                         و تأخذ باسمه الدنيا جميعاً
                         و ما من ذاك شيء في يديهِ

في سوق الخضار لا يشترى طباخ مطعم الفندق الفارة الخضار الذي تنتجهُ مزرعة الفلاح البأس ، ليس لأنه بائس ، ولكن لأن خضارهُ  نتجتْ من مزرعة بسيطة لا رونق في نباتها ، فسمادُها بسيط بدائي ، وتصنيع محلي ، أنه مستعد أن يدفع ، لكنه يريد الأجود ، والأجود بيد الأوجد ، فالأوجد يجد في ماله ما يمكنه من شراء أفضل الأسمدة المصنعة عالميا لمزرعته الراقية الفارهة حتى ديدان الأرض فيها متخمة ، هنا لا مكان لك يا من حتى ديدان أرضك هزيلة .

هنا طباخ المطعم الفاره  أعلن في دستوره أنه سيشتري الخضار من أي بائع ، لكنه سيحرس على أن يكون الشراء .. ( بما يتناسب و الأطر المناسبة ) و ما قد تراه ( الجهات المسئولة مناسبا ) بهذه العبارات أستثنى الطباخ الكبير من قائمة مشترياته ما تنتجهُ مزرعتك البائسة من ثمار وخضار ، لكنك لن تستطيع أن تحاسبه لأن ما تنتجه ( لا يتناسب و الأطر المناسبة ) ، وهو لم يقول أنه لن يشتري منك ، هو سيشتري لكن عندما تصبح ديدان مزرعتك سمينة .

في خضراء الدمن يحق للجميع أن يسير ، لكن أصحاب القامات القصيرة ، والذين لا يملكون سيقانا طويلة أو أحذية طويلة تغلف أقدامهم ، ستتلوث قامتهم لذا لن يسمح بمرور الرائحة العفنة في هذه الأرض ، هنا يوضع القانون ( لأجل المصلحة العامة)، و أن أردت أن تعرف قيمة القانون ، فخذ الجملة وأطرح منها الكلمة الوسطى وأفتح الجيم في الكلمة الأولى ، وستوقن فائدة القانون ، لتكتفي دودة القز بالموت من أجل أطماع الآخرين الفارهين بكدحها ، فهي لا تهتم بالترانيم والأغاني التي يغنيها العاملين على فنائها ، فالغناء و كلمات الغناء لا تشفى ألمها ، ولا تخفف محنتها .

يا دودة  ( الكَـدِّ )  المسكينة ...

لماذا النظر للبعيد ؟  ولماذا الحلم بالسهول المنبسطة الجميلة ؟  المغشاة بشقائق النعمان و التوليب الربيعي الجميل ، لا تضحك .. لا تبكي ..  لا تحزن .. لا تشكي ، أفتح عينيك وأنفك لخضراء الدمن ، وأحمد ربك أن هنالك خضرة تنظرها ، وتريح بها عينيك ، أتظن أنك تستحق أكثر من ذلك ؟! أليست أفضل من فضاء قفر قاحل ؟ على الأقل هي ( خضراء ) ولننسى أو نغض الطرف أو لنتناسى ( الدمن ) ، لا تسأل لماذا ؟ وأين ؟ ولمن ؟ المهم هنا خضراء لا غبراء قفراء ، يا من يشتكي من الفقر والمحن عليك بخضراء الدمن .

و أخيرا ... أيها الشعب :

سنُغلق القضية ، أليست يا شعبي سياستنا مرضية ؟!.

لا تقل : لا .. فقط قف وصفق ، وأنت مبتسم ، فسياستنا ذكية لا شيء فيها يُغْضِبْ ، ولا أحد بينا يكذب ، كلنا صادقون مخلصون ، وللفلَاح ساعون .

في الأخير ...


يا من لم يفهم ما هي خضراء الدمن ، هو النبات ينبت على البعر في الموضع الخبيث فيكون ظاهره حسناً و باطنه قبيحاً فاسداً . فالدمن : جمع دمنة و هي البعر ، باختصار هو ما ينبت في المستنقعات ، ومع أنها خضراء إلا أن أرضها نجسه ، ورائحتها نجسة ، لكن المهم من كل هذا أنها خضراء .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

اشكرك على هذا المقال الرائع....
أنا مُيقن بأن دودة القز لن تستطيع أن تعيش في ظل هذا التلوث ، وعليه يجب أن يقضى على مصدر التلوث ، حتى تعيش هذه الدودة المسكينة هانئه ، ولكن...كيف السبيل إلى ذالك؟
أنا أشاطرك...حتى الثورات لم تعد تجدي!
مسكينة هذه الدودة!
هي لا تستطيع أن تجيب على السؤال حتى!!!