بلادي وإن
جارتْ عليَّ عزيزة
و أهلي و أن ضنُّوا عليَّ
كرامُ
بيت
شعر عربي مشهور
( الخيانة ) لفظ ذا
وقع قوي على النفس قبل الأذن ، ففي حياتنا الشخصية يؤدي وقوع الخيانة إلى ( تدمير
الثقة ) بين الأفراد والعلاقات بينهم ،
حتى لو اقتصرت الخيانة على عدم الإيفاء بوعد أو عهد ، ناهيك عن أن تؤدي الخيانة
إلى تدمير حياة إنسان أو أهانته وجرح مشاعره .
هذا فيما يتعلق بنا
كأفراد ، أما ( خيانة الوطن ) فهي أعظم وأكبر مما تحتمله أي نفس ، ويكاد يجمع
البشر على مقت الخائن ، فكل فعل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة
الوطن ؛ فإننا لا نستطيع أبدا أن نجد لها مبرر ، أينّاً كان السبب الذي يدفعك لهذا
الفعل المشين فهو أبدا لا يشفع لك لتبيع وطنك و تغدو في عرفه خائن .
مهما اختلفنا في
أفكارنا أو عقائدنا أو مبادئنا ، مهما ظلمَنَا بني أبينا ، و قومنا ، و أهل وطننا
الواحد فهذا أبدا ( لا يمكنه ) أن يبرر لنا خيانة الوطن .
ثلاثة صفات أحداهن لا
يكون إلا بالأخرى : ( الغـدر ، و الخيانة ، و النفاق ) . فالغدر يتطلب الخيانة ، و
الخيانة تتطلب النفاق ، و جميع هذه الصفات هي من أقبح و أرذل الصفات التي قد تجتمع
عند إنسان .
حتى أقبح الناس صفات
يكره ويمقت الخائن و يزدريه ، لأن خيانة الوطن تعني عدم المروءة بالضرورة ، والإنسان الذي ( لا يملك المروءة ) يمكنه أن ( يبيع عِرضهُ وشرفه ) كما يمكنه أن ( يبيع وطنه ) ، لأن الوطن هو بمنزلة العرض والشرف للإنسان .
ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه و شرفهُ ببساطة .
قد أختلف مع الحاكم
وقد أمقته وأمقت حكومته ، قد يظلمني وطني ، قد أحيا غريبا فيه بسبب ما ألقاه من
أبناء قومي وأبناء جلدتي ، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر ( يبرر لي خيانة
وطني ) . أنه ( العار ) نفسه أن تخون وطنك
، أنه عار لن يكتفي أن تلبسه وحدك بل حتى جميع أهلك وذريتك ، سوف ينظر لهم الناس
شزرا ، سوف يزدرونهم ، ( ليس لأن الناس أشرار ) ، بل ( لأن الجرم الذي اقترفته عظيم ) ، وعظيمٌ
جدا ، لذا فأنت به تظلم نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك ، وما من شيء يغفر
خطيئة خيانة الوطن ـ للأسف ـ ما من شيء أبدا .
حتى ( من تخون وطنك
لصالحهم ) ، ينظرون إليك كشخص ( حقير ) ، هم لا يثقون بك ولا يحترمونك بينهم وبين
أنفسهم وأن أظهروا لك الاحترام ، فأنهم يبطنون المقت و الازدراء لك ، فهم يعلمون
أنه لا يمكن لعاقل أن يأمن الخوان ، و من يبيع وطنه يبيع أوطان غيره بسهولة . ومن
هان عليه وطنه ، تهون عليه أوطان الآخرين .
ولن نذهب بعيدا في
التاريخ حتى لا نزعج الأموات في قبورهم ، وسنكتفي بذكر الأحياء . فها هو ( أنطوان
لحد ) صاحب جيش لحد ، مليشيا عسكرية قتلت اللبنانيين وروعتْ الآمنين منهم لصالح
الكيان الصهيوني ، وحين أنسحب الصهاينة من أرض لبنان الطاهرة ، ( تخلوا عن عبدهم
الخائن ) علنا لهم ، تخلوا عنه تماما ، ولم يقبلوا حتى منحه اللجوء إلى كيانهم
الغاصب . حتى اليهود يمقتون الخائن فما بالك بغيرهم .
أخيرا ..
يذهب كل شيء و ( يبقى
الوطن ) ما بقيت السماوات والأرض ، ومهما
كان عذرك للخيانة ، فــ ( لا عاذر لك ) ،
والوطن لا ينسى من غدر به وخان ( سراً أو علناً ) فالخيانة تبقى خيانة ، وجه قبيح
لا يُجمله شيء ، وأن صَفَحَتْ السُلطات عن خائن ـ لحاجة في نفسها ـ فالوطن و التاريخ لا يصفح أبدا ، و يظلان يذكران الخائن
حتى بعد موته . فهما ( لا يغفران لخائن ) أبدا .
يقول الشريف قتادة
أبو عزيز بن إدريس :
بلادي وأن هانت على عزيزة
ولو أنني أعرى بها و أجوعُ
ولى كف ضرغام أصول ببطشها
و أشرى بها بين الورى و أبيعُ
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفى بطنها للمجدبين ربيعُ
أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى
خلاصا لها ؟ أني إذن لوضيعُ