الجمعة، 21 يناير 2011

أرادة الشعب هي السلطة الحقيقية


إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ

 فَلا  بُدَّ  أنْ يَسْتَجِيبَ  القَـدَر
أبي القاسم الشابيّ ، شاعر من تونس





قبل أن يقرر علماء الاجتماع وعلماء السياسة أن أرادة الشعوب هي السلطة الحقيقية في أي دولة . قررتْ شهادةُ التاريخ ذلك و أكدته . فعَبْر التاريخ الإنساني الطويل نجد أن الشعوب هي من تحسم الأمور و تعيد صياغة مسار القضايا و الأحداث .

أن ثورة الشعب التونسي على ( زين العابدين بن علي )  أبهرتْ الناس لأسباب كثيرة ـ رغم أننا نعلم مدى القهر والوضع الاقتصادي المتأزم في تونس ـ  كنا نتوقع أن تندلع الثورة في ( مصر أو العراق أو سوريا أو السودان ) و ليس في تونس .

لماذا هذه الدول تحديدا ، فكل أقطار الوطن العربي تُعاني ؟

أجل كلها تُعاني لكن تختلف معاناتها وتتباين لكن هذه تحديدا أوضاعها ليست سيئة بل مزرية جدا ، لكن أركان الثورة تتوفر في هذه الدول بقوة ، لكن علماء الاجتماع يؤكدون في دراساتهم الكثيرة (  أن توفر أسباب الثورة لدى شعب ما ليس بالضرورة مدعاة لاندلاع الثورة ) ، ولهم على ذلك شواهد تاريخية كثيرة . و شخصيا كنت أتوقع أن يثور الشعب المصري وكنت أقول أنها مسألة وقت فقط ، وهي مسألة توفر الشرارة .

أن ثورات الشعوب ـ أعني الثورات العفوية  ـ لا تكون أبدا ما لم تكون هناك أوضاع تستدعي خروج الشعب ضد حاكميه ، أن درجة الغليان الذي يحقق الانفجار الذي لا درء  له إلا العدل و التنمية الحقيقية العادلة . والحال كما قال الشاعر :

ما كانت الحسناء تكشف سترها
لو  كان بين  الحاضرين  رجالُ

الثورة جيدة ، وثورات الشعوب  ـ  كما أسلفنا ـ  دائما هي من يحسم الكثير من القضايا العالقة أكثر مما قد تحسمها الحروب حتى .

لكن الثورة الشعبية عندما تكون عفوية ـ كما هو الحال في تونس ـ قد تتحول إلى ( كارثة ) ما لم يُقيض لها الله قائد مُخلصاً يَهُّبُ لتوجيه مسارها لنحو تحقيق معه طموحات الشعب ، فالمغرضين كثيرين وأصحاب المصالح أكثر ، أولئك الذين يبيعون أوطانهم من أجل الدرهم و الدرهمين .

أن أرادة الشعوب أن اصطدمت بمصالح شخصية ـ لأفراد أو مصالح حزبية ـ  كانت وبالا ودمارا على تلك الشعوب ، أن الأحزاب لا تقدم الكثير من الخير لإرادة الشعوب لأنها مجرد وجه أخر ( لأطماع فردية تسلطية ) ، هذا ما يثبته الواقع والتاريخ السياسي ، حتى وأن حاول البعض إنكار هذه الحقيقية .

أن الوعي السياسي لأي أمة والوعي الحقوقي وخاصة حقوق المواطنة لأفراد الشعب تجعله يسير نحو الازدهار بخطى ثابتة ، خطى راسخة لا تنهار مع تقادُم العهد عليها ، بل تجعل من بُنْيَانها أكثر جمالا و رونقاً  و  رسوخاً .

وأن أكثر ما يَستغلهُ ( المتسلقون الطامعون ) هو ضعف أو غياب الوعي السياسي والوعي الحقوقي للشعب ، وتوجيه فكر الشعب نحو اتجاهات يرغب بها أولئك المُنَصبين أنفسهم زعماء و ناطقين بلسان الشعوب .

هم أشرُّ من حاكم دكتاتوري أو متسلط ، لأن هذا الحاكم تكون أفعاله واضحة و الحكم عليها سهل ، بينما هؤلاء يكونون شر مكان في الأرض ، يعبثون بمقدرات الشعوب لأجل أهدافهم ، وينطقون بالحق لكنهم يريدون به باطلا . يعبثون في الخفاء ويصطادون في الماء العكر ويشتتون فكر الشعب و بالتالي يُخدرون أرادته ، يصنعون من أنفسهم أبطالا ليُمجَدُوا وليُحْمَدُوا بما لم يَفْعَلُوا .

أن ( المتحزبين )  لا فرق بينهم وبين  ( القبليين )  ، بل أن الأخيرة أفضل من بعض الوجوه فهم يُرَاعون بعض معاني الشهامة والمروءة ـ على الأقل ـ في حق أهلهم ، أما المتحزبين فهم أوثان أنفسهم ، يَعْبُدُونها ويُخضِعُون الناس لعبادتها من حيث يدرون ولا يدرون ، ولا تجد إلا أنهم مجرد وجه أخر من الدكتاتورية و لكن بلباس الحرية و الديمقراطية ليُخدروا أرادة الشعب .

أن نَتَج عن الثورة الشعبية التونسية سَن قوانين فاعله و عادلة تُنظم السلطة والحياة ، ونَتَج عنها بناء أُسُس دولة تمنح الشعب التونسي العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، لتقودهم نحو العدالة والتنمية الحقيقية التي يكون أساسها الإنسان وليس مصالح أفراد وأهواء أمم أخرى يتحمل عبئها الشعب التونسي .

حينئذ يمكن لأهل تونس أن يكونوا قريري العين لأن ثورتهم حينها ستكون ناجحة و أن من ماتوا في سبيل هذه الثورة ستهدأ أرواحهم لأن دمائهم لم تذهب هباءً  كم ذهبت قبلهم دماء أجدادهم الثُّوار ، الذين ثاروا ضد المستعمر الفرنسي الظالم والذي أعقبهُ حكم سلطان أشد ظلماً وتسلطا تدخل حتى في طريقة معاشرة الرجل لزوجته ، وما كاد ينزاح عنهم حتى أتى من هو اشد منه و أظلم ، والذي سلَّم تونس بكل ما فيها لزوجته لتهبها هي بدورها لأهلها . وهذا أمر يعلمه أهل تونس علما يقينيا .

وقد سعى هذان الاثنان ـ الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي ـ على تعطيل كل ما يخص الإسلام ، كانوا أشد على أهل تونس من ( كمال أتاتورك ) على أهل تركيا . تونس أرض الصوفية و المتصوفة باتت في عهدهما تكاد تكون خالية من الإسلام وأصبحت فرنسية أكثر من فرنسا نفسها . فلله كيف هُدرتْ دماءُ الثُّوار .

و أقول كما قال أدولف هتلر بعد هزيمة ألمانيا المُذِلة في الحرب العالمية الأولى ـ وكان رجل عاديا حينها ـ معبراً عن أساه : ( تُرى أتُفتح أبواب قبور مئات الألوف من الرجال الذين لقوا حتفهم على الجبهة لتُرسل أشباحاً تنتقم لأرواحهم ؟! ) .

أخيراً ..

أتمنى من كل قلبي أن يُقَيِّض الله لتونس الحبيبة قائداً مخلصاً واعياً وحكيما يجعل ثورة شعبها الطيب ثورة خير وسعادة وازدهار . كما أتمنى الشيء ذاته لمصر و لكل أمتي الحبيبة ، فأمتنا تستحق الأفضل .

وكما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابيّ :

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر

وَ لا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَ لا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ
تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر


هناك 14 تعليقًا:

محطات ثقافية يقول...

السلام عليكم ورحمة الله
نفس البيت الشعري للشاعر قاسم الشابي
داعب مخيلتي وانا اراقب ما وقع بتونس
فعلا الشعوب هو ذاك الحجر الصغير الذي لو تزحزح من مكانه وانتفظ الا وقلب كل موازين القوة
بارك الله فيك اخي وفي موضوعك المتميز

هبة فاروق يقول...

لا يستطيع احد ان يقف امام ثورة الشعب
التى تشبة الفيضان والبركان فى ثورتة
تحياتى لشعب تونس الحر
وتحياتى لموضوعك المميز

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي حلم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك فيك سيدتي

وتحية من الأعماق للمغرب الحبيب وأهله

أجل سيدتي

لا يكاد ناطق بالضاد إلا وأول ما بادر لسانه به وهو يشاهد ما يدور في تونس الخضراء ألا وقال ( إذا الشعب يوما أراد الحياة )

قالها الشابي بالحروف في ظلم الأستعمار وقالها الشعب التونسي بالفعل في ظلم ابن الدار لأهله

ويبقى الظلم قيد لابد أن ينكسر أمام أرادة الشعوب الحرة

أشكر لك مرورك وتعقيبك الطيب

لك تقديري

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي هبة

تحية طيبة

أجل تحية لشعب تونس وتحيتي لمصر وأهل مصر الحضارة

وأمنياتي أن يكسر قيود الظلم عن مصر وأهلها

نعم سيدتي

كما تفضلتي حقا ثورة الشعوب تشبه البركان والفيضان

أسعدني مرورك العطر وأشكر لك تعقيبك الطيب

لك تقديري

مدونة بكر أحمد. يقول...

ليت هذه الثورة لا تخبو ابدا ...ليتها تظل مشتعلة تنير لباقي الشعوب طريق الخلاص

عزيزي بمثلك يستحق ان نسجل متابعين له ...لك جميل الود .

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ الفاضل بكر أحمد


تشريفك يسعدني جدا ، أجل ليتها تبقى مشتعله .

لكنني اتمنى أن تبقى مشتعله في العقول والقلوب لنبني من أنفسنا ومن أهلنا وأبناءنا أمة حرة يخشى البغاث التسلط عليها ، ولا أتمنى أن تبقى مشتعلة بالمظاهرات والأعتصامات التي تعطل المصالح والإزدهار ، وأن كانت ضرورة في بعض الأوقات .


لك تحياتي

محمد ملوك يقول...

بأيدينا نحن فقط يأتي التغيير
أما ما سوى ذلك فلن يكون إلا ضحكا على الذقون

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ الفاضل محمد ملوك


تحية طيبة

صدقت وهذا ما نقوله ، التغير يبدأ منَّا نحن .

أي ثورة لن تجدي على الأمد البعيد مالم تغذيها نفوس أبيات عاشقة للمجد ، ولنا في الثورة الفرنسية العبرة .

الأمر فيها أستغرق ثلاث جمهوريات إلى أن أستطاعة فرنسا تحقيق ما تريد .


التغير يبدأ منَّا نحن ، من الأسرة ومن سلك التعليم هما ركنان لا بد من تقويمهما ليكونا عماد أمة تريد المجد هوية لها

أسعدني مرورك ، وتحية لك ولأهل المغرب


لك تقديري

ام البنين يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الفاضل احيي فيك الروح الوطنيه ومن خلال مدونتك احيي وبشده ابطاااااااااااااااال الشعب التونسي
والقدر هوالذي اراد لهذا الشعب ان يحي حياة الكرام ارجو من الله عز وجل ان يحقق لهم مايتمنوا
ومن الاحري ان نعبر عن هذا الموقف بقوله عز وجل (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)
وجزاك الله خيرا اخي الفاضل علي هذا الموضوع الرااااااااااائع

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي الكريمة أم البنين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


سيدتي

أم البنين كنية تشبة كنية الأله فاطمة بنت محمد الفهرية تلك المرأة العربية الخالدة التي أسست مسجد القيروان في تونس ومدرسته العلمية حبا لله تعالى وصدقة جارية لوجهه الكريم رحمها الله ، أنها مثال المرأة المسلمة المخلصة .


أليست جميلة هذه المصادفة ، أنها مغربية من فاس وأصولها عربية من جزيرة العرب ,استقرت في تونس القيروان لتضع فيها بصمة خلدت ذكرها ليومنا هذا ، هذا اليوم الذي نتحدث فيه عن ثورة نبهت فيه تونس همم العرب وأعادة فيهم الأمل بغدٍ أفضل . و في هذا اليوم نذكر تلك المرأة العظيمة التي قال عنها عالم الاجتماع الشهير والمؤرخ العربي المسلم المعروف عبدالرحمن بن خلدون قال : ( فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها )

سبحان الله كيف هو القدر


سيدتي

أقول من كل قلبي آمين ، فأني أرى أنه قد أجتمعت اللئام على مائدة الكرام في تونس .

لكن عزائي هو يقظة ووعي أهل تونس ، أرى لديهم وعيا سياسيا جميلا أسال الله أن يهديهم السبيل وأن يسدد إلى الخير خطاهم .


سيدتي أم البنين


أسعدني مرورك ، وتعقيبك ومشاعرك الطيبة ، أسعدك الله دوما وبلغك ماتحبي وترضي


لك كل تقديري وأحترامي

الغاردينيا يقول...

هو الموضوع كان اشبه بكاس امتلاء حتى طفح بمافيه ... :) هذه ثوره اهل تونس
بس زي ماقلت لابد من قائد جيد
لنقول ان الثوره نجحت مائه بالمئه
وان شااااااء الله :)يجدوه

تحيه ,

رشيد أمديون يقول...

السلام عليكم

تحليل جميل وعقلاني، هي فعلا نظرات حالية ومآلية، فالواقع قد يسفر عن أحداث قد لا تكون في صالح الشعب، ويذهب كل تعبه هباءا، هذا هو مربط الفرس، هل تورة تونس ستنتهي لصالح الشعب أم سيخلف زين العابدين رجل أخر من نفس الطينة وإن اختلف الإسم؟

حياك الله، وسعيد أني حاضر في مدونتك.

أفلح اليعربي يقول...

سيدتي الفاضلة الغاردينيا
تحية طيبة

أشكر لك مرورك وتعقيبك ، فعلا كما تفضلتي

الأمر أشبه بكأس فاض بمافيه بعد أن ضاق

آمين وهذا هو دعائنا أن يجدوا المخلص

لك تقديري

أفلح اليعربي يقول...

الأستاذ أبوحسام الدين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أشكر لك مرورك الطيب وتعقيبك .

نعم ماتفضلة به صحيح ، وهذا أكثر ما نخشاه

فهذه الأنظمة الشبه أمية والتسلطية كان من أهم منجزاتها هو عدم صنع قيادات بيدلة
حتى إذا مارحلت تخبطت البلاد إلى أن يقضي الله بعد ذلك الأمر أمر .

نسأل الله أن لايذهب تعب الشعب التونسي ودماءه هباءا

وحياك الله دوما

لك تقديري