الأربعاء، 3 يونيو 2015

الحرب الدينية الكاذبة 2/3



 "أن أخْوف ما أخافُ عليكم  تغيُّر الزمان ، و زَيغَةُ عالم ( ميلهُ عن الحق) و جدال منافق بالقرآن ، وأئمة مُضلُّون ، يُضلُّون الناس بغير علم"
عمر بن الخطاب ، خليفة  الدولة الإسلامية ، و ثالث حاكم لها.




بينما يبلغ حماس الجمهور الوهابي أوجه لتشجيع بلادهم و دول الخليج لدعم القضية البلوشية في الشطر  الإيراني  بحكم أنها دولة "رافضية كافرة" حسب المعتقد الوهابي ، و يتجاهل الكل الهدف الذي تسعى و رائه الحكومة السعودية من تحريضها غير المباشر للبلوش في الشطر الإيراني دون غيره ، لأن الهدف ليس رفع معاناة البلوش ـ وإلا كان أولى بهم مساعدة الشطر الباكستاني الذي يسام العذاب أن لم يكن جميع الإقليم ـ  لكن الهدف أثارة القلاقل في إيران ولكن عبر "أجساد" البلوش .

في عام 1962م شاركتْ  السعودية في حرب اليمن كحليف رئيس لملك المملكة المتوكلية[1] في اليمن الإمام "محمد البدر حميد الدين"[2] ، و هو (شيعي زيدي) ، ضد الجمهوريون الذين قادوا انقلابا عليه و كان في صف الجمهوريون أغلب قبائل اليمن (السنية) ، و قادتها كانوا من المذهب (السني) .

في تلك الحرب التي شارك فيها  سلمان بن عبدالعزيز ـ ملك السعودية الآن ـ  كجندي هو وعدد من أمراء آل سعود ، كان أبرز حلفاء السعودية (الوهابية) في الدفاع  عن مُلك المَلِك (الشيعي)  هي الحكومة الشاهنشاهية[3] الإيرانية في عهد محمد رضا فهلوي وهو (شيعي علماني) مشهور بفسقه ـ و (فارسي) عنصري ـ  الذي كانت بلاده تحتل وقتها بلوشستان[4] (السنية) و تمارس الغطرسة و التعذيب في شعب هذا الإقليم وكانت أيضا قد احتلت إقليم الأحواز[5] (العربي) ، و كان معهم في التحالف بريطانيا (المسيحية) ، و ودعم بسيط من إسرائيل (الصهيونية اليهودية الغاصبة لفلسطين العربية المسلمة) . إضافة للأردن .

وبمناسبة مشاركة السعودية (الوهابية) في محاولة أعادة ملك الإمام اليمني (الزيدي الشيعي) ضد الشعب (السني) الثائر ، يجدر بنا القول أن في نفس تلك اللحظات كانت بريطانيا (المسيحية) تحتل إقليم عدن[6] ( المسلم السني) منذ 1839 م ، لكن لم تكن هناك أي بوادر أو اهتمام حتى بالأمر ، كان محاربة المسلمون (السُّنة) أكثر أهمية للسعودية من محاربة الانجليز ( المسيحيون المحتلون) و تحرير عدن ( المسلمة السنية).

في عام 1963 م وحده ، أنفق السعوديون 15 مليون دولار لتجهيز القبائل اليمنية الموالية للملكيين بالسلاح ، و تأجير المئات من المرتزقة الأوروبيين وإنشاء محطة إذاعية خاصة بهم ، وكان يوجد بعض عناصر الحرس الوطني السعودي تقاتل في جيش الإمام اليمني .

مواقف السعودية المسيئة لليمن لم تتوقف عند ذلك الحد ،  دائما السلوك الحكومي السعودي يتصف بالعنجهية والتكبر الأعمى مع الجميع وخصوصا مع اليمن واليمنيين . أنه و حين تمت الوحدة في اليمن في 22 مايو 1991م ، السعودية كانت ضد الوحدة اليمنية[7] من البداية لكن قبلته على مضض لأن أمريكا ترغب في احتواء الشطر الماركسي من اليمن وقد كانت الفرصة مناسبة بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي و إفلاسه . لذا قامت السعودية بطرد أكثر من 800 ألف يمني من أراضيها  ، وزعمت أن السبب هو نتيجة لموقف حكومة اليمن من حرب الخليج الثانية[8] و تأيدها لصدام حسين حين غزا الكويت عام 1990م. لكن الحقيقة هي نوع من الضغط على الحكومة اليمنية بما أن السعودية لم تملك القرار في أمر اليمن وقتها.

لكن لما بدأت أزمة الحكم بين علي عبدالله صالح ( زعيم حزب المؤتمر الحاكم في الشمال) وعلي سالم البيض (زعيم الحزب الاشتراكي الذي كان الحاكم في الجنوب) عقب انتخابات إبريل 1994 م ، تدخلت دول خليجية في الصراع اليمني بين الشمال والجنوب ـ وكان لكل دولة أسبابها ـ  و من أبرز  تلك الدول هي : الكويت ، و  السعودية[9] . كان الهدف هو تذكية الصراع داخل اليمن أملاً من هذه الدول في انقسام  اليمن مرة أخرى .

لكن تصريحات كلينتون في 10 نوفمبر 1993 تؤيد بقوة وحدة اليمن حين لم تستطع السعودية منع الوحدة لأسباب كثيرة ، قامت كحل بسيط بمنع اليمنيين الذين مازالوا يعملوا في السعودية من تحويل أموالهم لليمن إمعانا في الضغط على الأزمة الاقتصادية المتعاظمة في اليمن . و قد صرفت السعودية على الجنوب اليمني الاشتراكي  أثناء خلافهُ مع الشمال  من شهر أغسطس 1993 م  إلى 7  إبريل 1994م  ، حوالي 200 مليون دولار .

 لم تهتم السعودية وقتها لا بحقن الدماء و لا بوحدة اليمن ، و لم تهتم أن الجنوب هو إقليم ملحد ، تملئه الخمارات التي تغص بأنواع شتى من الخمور منها ما هو صناعة محلية . كل ما كان يهمها هو مصلحتها السياسية التي تنص على منع  وحدة اليمن بأي شكل.


اليوم تعود الدول الخليجية  ليس لسرقة الوحدة اليمنية فقط ، وإنما أيضا لسرقة الثورة الشعبية اليمنية ، فقد قاموا بإعادة الحوثيين (الشيعة) للواجهة السياسية ، عن طريق الرئيس الذي خلعته الثورة الشعبية  ( علي عبدالله صالح) ثم بعد ذلك هددوا و أرعدوا ، واستعرضوا عضلاتهم  كحماة للثورة ، و للشرعية في اليمن ، ثم تسلل (الفرس) ليكسبوا الغنائم كما اعتادوا بعد كل حماقة يرتكبها الوهابية ، كما حدث قبلها من حماقاتهم في لبنان و العراق و سوريا و ليبيا ، هنا جفلت النعاج المستذئبة ، حين هجم الذئب الذي تجتذبه رائحة الدماء ، فتجده حاضرا عند كل جرح و عند كل رائحة دم تفوح قبل حتى أن تنتشر في الجو ، أعني الفرس . اليوم ليس هدف الحكومة السعودية و الخليجية هو أعادة الشرعية كما  يزعمون ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، إنما هي فرصة سانحة جدا لتجزئة اليمن ، ربما ليس لجنوب و شمال كما كانت قبل 22 مايو  1990 م ، و إنما لفتات و أجزاء أكثر .

لقد قام الملك سلمان بدعوة علي سالم البيض للرياض ، وهي بذلك  أول زيارة له منذ عام 1997م ، وقد وصل الرياض في 27 ابريل 2015 ، ليس هذا الغريب  بل الأغرب هو أنه وأثناء لقائه بالملك سلمان بن عبدالعزيز كان علم الجنوب حاضراً ، إذن فالصورة أبلغ من أي كلام ، و من الواضح تماما أن تمزيق اليمن هو هدفهم الكبير ، و وجود العلم في لقاء سلمان بالبيض يعني التصريح الواضح باعتراف السعودية بالجنوب كدولة حتى قبل أن يتم الأمر على أرض الواقع.

فهل مازلت تعتقد أن للسياسة دين ؟

وهل مازلت تعتقد أن للدين حُماه ؟

وهل مازلت تثق بحكومات تدعي تبني الدين كنظام سياسي أمثال (الفرس) و ( الوهابية) ؟



[1] - قامت المملكة المتوكلية اليمنية عام 1918 م  بقيادة الإمام يحيى حميد الدين وانهارت بعد ثورة 26 سبتمبر ،هربت بعدها العائلة المالكة إلى السعودية وهي متواجدة هناك إلى اليوم . كانت المملكة المتوكلية مملكة منغلقة على العالم وتبنى الإمام يحيى  سياسة انعزالية خوفاً من أن تسقط بلاده لسلطة القوى الاستعمارية المتحاربة عقب الحرب العالمية الأولى وبالذات إيطاليا وبريطانيا وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية تلك الفترة وساعده في ذلك أن جل المجتمع اليمني على أيامه كانوا من المزارعين يعيشون في قرى مكتفية ذاتيا. منع الإمام يحيى السفارات والبعثات الدبلوماسية من دخول البلاد وأي زائر أجنبي كان بحاجة إلى إذن شخصي منه . أسس الإمام يحيى حميد الدين حكماً ثيوقراطيا زيدياً تجاهل أبناء المذاهب الأخرى مثل الشافعية والإسماعيلية واعتبر يهود اليمن ذميين.
[2] - قاد المشير عبد الله السلال انقلابا على الإمام محمد البدر حميد الدين في 26 سبتمبر1962م ، هرب الإمام إلى السعودية وبدأ بالثورة المضادة من هناك ، تلقى الإمام البدر وأنصاره الدعم من السعودية والأردن وبريطانيا وإيران وإسرائيل ، وبدأت حرب أهلية في اليمن بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين المواليين للجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 - 1970). انتهت بانتصار الجمهوريون.
[3] - تسمى إيران في عهد محمد رضا فهلوي باسم الإمبراطورية الشاهنشاهية ، لأنه كان قد لقب نفسه باسم شاهنشاه ، وتعني ملك الملوك باللغة الفارسية .
[4] - احتلت إيران جزء من إقليم بلوشستان عام 1928 م ، في عهد الشاه رضا فهلوي ، و أصبح ذلك جزء من إيران الشيعية العلمانية.
[5] - تم احتلال الأحواز في عهد الشاه رضا فهلوي  في أبريل 1925 م.
[6] - قامت بريطانيا باحتلال  مدينة عدن ـ كبداية ثم توسعت في احتلال الإقليم ـ في 19 يناير1839 م ، وحتى جلاء المستعمر منها في 30 نوفمبر 1967 م ، بعد 128 عاماً من الاحتلال . وذلك لأهميتها الإستراتيجية لتكون قاعدة بحرية و مستودعا للسفن البريطانية .
[7] - اليمن الجنوبي كان النظام العربي الماركسي وقد انهارت الشيوعية رسميا سنة 1989 م . فلم يجدوا أي بد من الوحدة وقد تأسست دولة الجنوب سنة 1970 م و انتهت بالوحدة مع الشمال في 22 مايو 1990 م.
[8] - كانت الوحدة اليمنية بدأت قبل الغزو العراقي بشهور قليلة ، فقد كان الغزو العراقي للكويت في تاريخ 2 إلى 4 أغسطس 1990م.
[9] - كان سلطان بن عبدالعزيز  هو الممسك بملف اليمن منذ قيام الثورة  اليمنية سنة 1962 وما تبعها من حرب أهليه بين الملكيين والجمهوريين في الشمال وما لحق بها من حرب أهليه أخرى بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في الجنوب قبل وبعد استقلال اليمن الجنوبية عن بريطانيا 1967 . قام سلطان بن عبدالعزيز بقطع إجازته الخاصة في روما في الثلاثاء 10 مايو 1994 لمتابعة الأوضاع في اليمن.

ليست هناك تعليقات: