الجمعة، 4 أكتوبر 2013

كونوا ضيوف كرام على الحَرَمْ




 ( كان التأمل الروحي يعوز ذلك المكان الذي يتوقع المرء
أن يجده فيه . فكان عليه أن يلتمس ذلك الجو في صميم نفسه )

مهاتما غاندي ، الرئيس الهندي الأسبق .

مكة حماها الله



أن قصدتُ بيتكَ و حللتُ ضيفا عليكَ ، فأنك بلا شك تتوقع مني سلوكيات و آداب معينة ، أحترم فيها ضيافتك ، و أتخلق فيها بآداب الضيافة أو ( الزيارة )  و أخلاقها . و  كل إنسان منَّا يطالب ضيوفه بمثل هذه الأمور . قد لا نطلبها بشكل صريح ، لكن هذا ما نتمناه فعلا ، و ننزعج كثيرا حين يكون الضيف غير مهذب ، أو أنه لا يحافظ على النظافة أو أنه مزعج و غيرها من الأمور .

هذه قواعد عُرفية يتداولها البشر ( ضمنيا ) بدون أتفاق مبرم ، و يسعى كل منَّا لتطبيقها حسب أخلاقه و تربيته التي نشأ عليها ، لأن سلوكنا يعكس ـ بلا شك ـ تربيتنا و أصلنا و أخلاقنا . في المقابل نحن نطالب ضيوفنا أن يمارسوا تلك الآداب .

هذا بيننا نحن الناس ( العاديين ) ..

 لكن كيف لو حللت في ضيافة ( ملك  أو سلطان  أو أمير )  ؟؟

بلا شك فأنت ستنتهج أسلوبا أكثر صرامة لتطبيق تلك الآداب في حضرة ذلك الملك أو ذلك السلطان أو ذلك الأمير .  ستحرص أن لا ترتكب أي إزعاج أو سوء أدب أمامه ، و أن لا تسيء  له ولا للضيوف الذين يحضرون مجلسه معك ، و أن لا تنشغل بالعبث بهاتفك أو بأي شيء آخر . أليس هذا صحيح ؟؟ .

إذن ،، ما بالك بـ ( ملك الملوك )  ، و أنت تحضر ضيفا عليه ؟؟؟

أليس أجدر بك أن تمارس ( آداب الزيارة )  بكل تفاصيلها ، و بصرامة أشد من صرامة ممارستها في ضيافة ( ملوك ) البشر ؟؟

تصبح ( مكة ) ـ حماها الله ـ  في موسم الحج  ممتلئة  بالأوساخ  و القاذورات بسبب مخلفات الحجاج . و في مواقع أداء المناسك  يقوم الحجاج بالتدافع الشديد بينهم ، ورفع الأصوات في الدعاء و التسبيح و التلبية و التهليل ، أو بقراءة القرآن بصوت مرتفع تُفقد الإنسان تركيزه و تجعل ( الخشوع ) مسألة صعبة بعض الشيء .

 كل ذلك هو ( سوء أدب ) في حضرة مُضيفك العظيم . ليس في تلك السلوكيات مراعاة لآداب الزيارة  و الضيافة  أبدا .

تبذل ( الحكومة السعودية ) مساعٍ جبارة لرعاية ( ضيوف الرحمن ) ، و هناك خطوات نتمنى أن تقوم بها مثل إزالة كل متاجر بيع الهدايا التي حول الحرم ، و الاكتفاء فقط بالمطاعم و محلات الحلاقة . و المحلات التي تبيع الاحتياجات الضرورية . لأن وجود تلك المحلات تسبب زحاما كبيرا في الشوارع .

مساعي الدولة و حدها ( لا تكفي ) لجعل موسم الحج موسما ( روحانيا ) بامتياز ، و ليس موسم سياحي أو تجاري . لذا يجب أن يكون ( الحاج مؤدباً ) . و هدفه من سفره هو ( العبادة ) و ليس أي شيء أخر .

أنت لا تسافر من بلدك تاركا أهلك خلفك لتذهب لـ ( مكة ) لتجني ذنوبا ، فهناك الذنب مضاعف و الأجر مضاعف ، أنت تسافر هناك لـ ( ترفع رصيد حسناتك ) ، لتريح روحك من متاعب الدنيا ، للتواصل مع ( ربك ) بعيدا عن المغريات . لتمحوا السيئات التي جنيتها فيما مضى ، أو لترقع ما قصرت فيه في جناب ربك بدون قصد منك .

أجعل سفرك هذا  (  سفرا روحانيا ) ، سفرا للقاء الحبيب العظيم و نبيهِ الكريم ، لتريح روحك بلقائهِ و قربهِ ، لتمحي خطايا جنيتها في ما مضى بقصد أو بغير قصد ، علمتها و لم تعلمها . لتسد خلل تقصيرك في طاعتهِ ، ليكون هدفك السعي بكل ما يمكن لترضي حبيبك .

إلا تخجل حين تلقي القاذورات ، و الأكياس و بقايا الطعام  في الأرض ، ألا تستحي من ربك الذي نزلت ضيفا عليه في أرضه المقدسة ؟؟

ألا تخجل حين تكون أناني تدفع الناس حولك لتبلغ هذا المكان أو ذلك فتسبب أذى لإخوانك المسلمين ؟ وقد حرم الله أذية عباده بأي شكل من الأشكال .

ألا تخجل حين تكون أنانيا فتتعلق بالباب و الملتزم وتمكث متعلقا وقتا طويلا تحرم غيرك من بلوغه ؟ و قد جاء كل منهم في فرصة ربما لا تعوض ليعود لزيارة هذه الأرض الطاهرة مرة أخرى ،

 ألم يعلمنا نبينا الحبيب ( حب لأخيك ما تحب لنفسك ) ؟

إلا تخجل حين تكون أناني وترفع صوتك بغير داعٍ  بالدعاء و العبادة بصوت عالٍ كأنك تنادي أصم بعيدا ، و ليس سميعا قريبا  ؟؟ . فتؤذي أخوانك و تشوش عليهم فلا يستطيعون الخشوع .

إلا تخجل حين تنشغل بالتصوير بهاتفك أو العبث به  أو الحديث و الثرثرة في غير داعٍ  بدلا من استغلال كل دقيقة بل كل ثانية بالخشوع و الصلاة و قراءة القرآن و التأمل و الذكر في تلك الأيام المباركة  ؟؟

ألا تخجل حين تقصد النزول ضيفا على ربك ، بينما قلبك تملئه أوساخ الدنيا ؟ كرها لهذا ، وعداوة لذاك ، و نصبا و احتيال على أولئك ..  أو  أخذ حقوق الناس .

حين تنزل ضيفا على إنسان لابد أن تكون نظيف الثياب ، و حين تنزل ضيفا على ربك لابد ( أن تكون نظيف الثياب و القلب و اللسان ) .

أجعل وقتك في تلك الديار ( كلهُ  ) لله ،  (  كلهُ )  ما استطعت .

يا ضيوف الرحمن ،،

أنتم لا تحتاجون لـ ( كتب الدعاء ) لتقرءوها أنتم و تطوفون و أنتم وتسعون ، بل تحتاجون إلى قلب نقي طاهر ، ( يحب الله ) و في  ( لقاء المحبوب )  نحن ( لا  نحتاج ) أن نقرأ ما يجب أن نقوله له ، بل أن ( القلب ) وحده يأمر اللسان فيلهج بما يُكِنُّهُ ، فيعبر عن حبه لمحبوبهِ ، ويشكوا له همه وحزنه . فتسمو روحك بروحانية متألقة تسمو إلى أن تكاد تلامس السماء ، فتمسح رحمات السماء على قلبك المضني بالحب و الألم و الأحزان ، فتزيح الهموم وترفعك في المنزلة ، و تبلغك مقامات حميدة ، و تحميك من هموم الدنيا وتزيح دخان الهموم العالق بالقلوب ، وتطهر النفوس من رجس الآثام و الخطايا .

سافر ليبت الله ( من أجل الله وحده ) ، فكر فيه هو ( وحده ) ، أشتاق له هو ( وحده ) ، وأزح من خيالك و من تفكيرك كل الدنيا ، ستجد أنك عدت من سفرك غانما بغنائم عظيمة تخص الدنيا و الآخرة .

لا  تسافر ( له ) لأجل الدنيا ، لأنك ستعود خائبا ، كما عاد بخُفيهِ حُنين .

أحترم عباده  و أفسح لهم يفسح الله عليك ، ساعدهم يساعدك ، أنه يحب عباده كثيرا ويحب من يحبهم ، و يرفق بها ، و يرحمهم ، و يساعدهم ، وأنه خير من يكافئ الحسنة بالحسنة . و خير من يحفظ المعروف الذي تقدمه ( لأجله ) و ( فيه ) .

عَبِّر عن ( حبك له ) هناك في كل خطوة تخطوها ، في كل نفسا تتنفسه ، بأفعالك وأقوالك و بالتعامل مع كل ما حولك هناك من بشر ودواب و جمادات ، لأنها ضيفة تحضر معك في حضرة ( ملك الملوك ) ، وعارٌ عليك أن تسيء لها .

أن غفلةَ عن أن الله  ( موجود معك ) ويراك فأنك عندها ـ لاشك ـ ستسيء الأدب في ضيافته ، لكن أن استشعرت وجوده ، وتيقنت أنه يراقبك فستحرص على كل فعل حميد و قول حميد ، بل ستغرق في العبادة و الطاعة  بانتشاء .


طلب ، بل هـو  رجاء ،،

أن كنت سبق لك السفر للحج ، أكتفي بتلك السفرة ، ودع المجال لغيرك ليصل لتلك البقاع الطاهرة ، فهي أمنية يتمناها كل مسلم ، فلا تحرمه .

ولا تسبب الزحام بـ ( تكرار السفر للحج ) ، لأن ذلك الزحام يؤثر على نفسيات الحجاج ، وعلى خشوعهم و على صحتهم ، لأن فيهم العجوز و فيهم النساء .

أن ( صَدَقَتِكَ )  في العشر أيام من ذي الحجة أعظم بكثير من ( تكرار الحج ) بعد الحجة الأولى ، فإن النبي  قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام )  يعني أيام العشر . قالوا: يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ( و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك شيء ) ، لذا تصدق بها تنال القربى بفعلك مرتين :

•       مرة لأنك  ( أفسحت ) لغيرك ممن أراد الحج لبيت ربه  .

•       ومرة لأنك ( تصدقت ) على عباده فأدخلت فيهم السعادة و البهجة .


 أحتسبها لله ، و الله ستجدهُ يعبر لك عن امتنانه و حبه فوق ما كنت ستجنيه من حجة ثانية فليس مثله شكور  . أفعلوا كل شيء لأجل الله ، فسيأتيكم بأضعاف ما كنتم تتوقعون و تحتسبون .

أن كنت لن تنزل ضيفا على الديار المقدسة ـ حفظها الله وشرفها ـ هذا العام ، فأنصح بما قرأته هنا من سينزل ضيفا على تلك الديار الطاهرة ، فسيأتيك الله أجرها وأجر من عمل بها بإذن الله .


الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

نقطة تقاطع الفساد في الوطن




( لا تبحث عن عيوب الجيش داخله ،
 و إنما أبحث عنها في المجتمع )

إليكس دي توكفيل ، سياسي و كاتب فرنسي .





ما هو الوطن بالنسبة للكثيرين ؟ للأسف الموضة الحالية تقول : أن الوطن هو دولة تقوم ـ كالأم ـ بكل شيء ، ولا يحق لها أن تفطم أولادها ، ولا تستحق الاحترام منهم ، فقط تستحق التعالي و التطاول عليها . و رفع الصوت .

هذا النوع من المفاهيم لا نريده ، ولتذهب الوطنية للجحيم أن كانت كذلك ، الوطني الصادق هو إنسان صاحب مبادئ و أخلاق رفيعة ، مبادئه هذه ( تبدأ منه هو ) ، يطبقها على نفسه ، يثور ضد نفسه أن قصرت ، يحاسبها أن توانت ، ثم يسعى أن يكون ( قدوة خير) ، و يد بناء في وطنه . يعلم أنه ـ مهما كانت منزلته في وطنه ـ ذا أهمية ، وأنه ذا تأثير في وطنه سواء بالسلب أو الإيجاب في وطنه . ما يطالب به لابد أن يطبقه على نفسه أولا هكذا كان نبينا صل الله عليه و سلم .

 حتى ذلك الهندوسي الشهير  المهاتما ( غاندي ) ، لم يلقبه أتباعه و مريديه باسم ( مهاتما ) إلا لأنه جدير بها ، كان يبدأ بنفسه ليعلم أتباعه ، لأن القضية بالنسبة له كانت أخلاقية وقضية مبادئ ، لأنه إنسان صاحب فكر ، و صاحب ضمير حقيقي . أتته امرأة في أحد المرات ، ومعها أبنها الصغير ، وطلبت من المهاتما أن ينصح أبنها عن أكل الحلوى ، فقال لها غاندي : أرجعي لي بعد شهر . أخذت أبنها وذهبت ، وثم عادت بعد شهر إليه ، فأدني الطفل منه ، وقال : بني لا تأكل الحلوى . فتعجبت المرأة منه و غضبت ، قالت : أنتظر شهر كامل لتقول هذه الكلمات فقط . فأجابها بروحه السمحة الحليمة الحكيمة بأنه كان قبل شهر يحب أكل الحلوى ، وقد توقف خلال هذا الشهر عن أكلها ، ليتسنى له نصح الطفل بصدق .

أرأيت كيف يتعامل هذا ( الهندوسي[1] )  الشريف ، صاحب الروح العظيمة ، لا ينهَ عن ما يفعله ، و يعمل بجهد حتى يكون ( قوله )  متناسب مع ( فعله ) ، مبادئه تبدأ منه ، ولا يبحث عن مبررات لنفسه . أما معلم البشرية العظيم ، محمد ـ  صل الله عليه و سلم ـ  فهو أبلغ و أعظم سموا ، فهو محمد المحمود في السماوات و الأرض وهو قدوة عظيمة في هذا  . يقول أبي الأسود الدُّؤلي :

                                       لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ

ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها
فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيم


أن كنت ( وطنيّ بصدق ) فدعنا نتحدث بصراحة ، الحقيقة تقول أن الحكومة فعلا مقصرة ، ومقصرة كثيرا . لكننا أيضا نساهم في أسلوبها اتجاهنا ، و نساهم في الوضع المزري في الوطن ، أنا لا أدافع عنها لكني أوضح نقطة يحب الغالبية تجاهلها ، و النظر لقضية الوطن بعين واحدة فقط . و الحقيقة أنه يتقاطع الفساد من فوق و من تحت ،  فكيف يزدهر الوطن ؟

من حق المعلمين أو غيرهم أن يقوموا بإضراب أن لم يكن هناك وسيلة أخرى لرفع الظلم عنهم غيرها ، ( مع أني بصراحة ضد الإضرابات و ضد الاعتصامات ، لما لها من ضرر كبير نحن في غنى عنه ) . لكنها حاليا موضة . ومادام أغلب الناس ليسوا أصحاب فكر مستقل ، و هم  مجرد مقلدون ، و مادامت الصفوة قليلة ، فلن تستطيع تغيير الموضة إلا بموضة أخرى تصرفهم عن الأولى .

القضية بطبيعة الحال يشترك فيها طرفين : الحكومة ( ممثلة في وزارة التربية و التعليم ، و مجلس الوزراء ) ، و العاملين في الوزارة ( ممثلة في  موظفي الوزارة الإداريين  و المعلمين ) .

بخصوص الوزارة ، فالحديث يطول وليس هنا مقامه ، و لنا معه وقفة أن شاء الله في وقت آخر . و لكن باختصار نقولها أن الوزارة تحتاج أعادة هيكلة كاملة ، و عمل تصفية لموظفيها ، على الوزارة أن تتخلص من 40% من موظفيها الإداريين الذين لا فائدة منهم وهم نوعين : نوع هم أصحاب عقول جامدة و عقيمة  لا ترقى لما تطمح له البلد ، و الثاني يمثلون بطالة مقنعة . كما أن الوزارة تحتاج للتخلص من 10% من المعلمين المهملين و المستهترين ، و عدد كبير منهم يحصلون على ( أجازات مرضية كاذبة ) باستمرار لذا فمن الجيد أن تريحهم الوزارة من البحث عن الكذب و التزوير . و على الوزارة أن ترسي على بر فيما يخص المنهج ، ويكفي هدرا للأموال في مجال طباعة المناهج .

لنعود الآن للمُضْرِبين عن العمل . أقول مادام هناك مظلوم لا يمكنه بلوغ حقه إلا بهذه الوسيلة فليس إذن أمامه إلا أن يقوم بها ، لكن أتمنى من كل قلبي أن يكون هذا المظلوم من جهته غير ظالم ، و عليه أن يمنح العدالة كما يطالب بها .  بل و قبل أن يطالب بها . فمن يطلب العدل عليه أن يكون هو أيضا عادل .

ليُضْرِب الصادق ، وليبتعد أصحاب الضمير الضعيف ، أولئك الذين يلفقون الأجازات بين أجازة اضطرارية كاذبة ، و أجازات مرضية مزيفة لأنه طفشان من التدريس ، أو لأنه حاب يسافر ، أو لأن زوجها مسافر فهي تحب أن تتبعه ، أو لأن لها أولاد لا أحد عندهم أو لأنها تريد أن تتزوج وتسافر شهر عسل أو أنه يريد أن يتزوج ويذهب لشهر عسل و غيرها من الأسباب التي لا ذنب للطلاب فيها ، كل ذلك لأجل أن يحصلوا على الإجازة دون أن يتم ( خصم الراتب ) أو إيقافه ، فأي معلم هذا ؟ و أي مربي أجيال هذا ؟ الذي يرضى بالحرام . إلا يعلم أن هذا غش و تدليس وسرقة لأموال الدولة و فساد أيضا  .

بعض الناس يظنون أن الفساد هي أن تسرق المبلغ الفلاني وتحوله على رصيدك ، وما عرفوا أن للفساد ( وجوه كثيرة ) ، أين الأمانة و الضمير ؟ تسوقون الكثير من المبررات لتخدعوا أنفسكم و تخدعون الناس ، 

فهل تظنون أنه يمكنكم خداع الله ؟

لا حول ولا قوة إلا بالله .

و ليبتعد المعلمين الذين لا يتمتعون بأخلاق وسلوكيات راقية تليق به كمربي أجيال ، أناس تخجل بصدق من وجودهم في هذه الوظيفة ، و ليبتعد الذي لا يعلم طلابه بأمانة وضمير ويرتقي بعقولهم وفكرهم ، و لا يؤدي وظيفته بضمير و يتهرب من مسؤولياته ، و ليبتعد المعلمين أصحاب الأسلوب السوقي المتدني لأنهم فعلا لا يستحقون هذه المكانة .

عدد كبير من المعلمين يتحايلون الحيل لأجل أن يخرجوا من دوامهم قبل انتهاء وقت الدوام مهملين بذلك حقوق  الطلاب ، و يقصرون  في أداء وظيفتهم ، يكذبون ويزيفون لأجل الحصول على أجازات لا حق لهم فيها ليضمنوا أن لا يتم قطع رواتبهم ، فأين هم من الله ؟ . ( هناك كثير أيضا من الموظفين في مؤسسات  الدولة يفعلون نفس هذا الأمر و ليس فقط المعلمين بينما يطالبون برفع الرواتب وغيره ) .

أعلم أنك ستنبري تدافع عن نفسك ، لكن قف و أنظر نسبة المعلمين الذي لا يليقون بمقام معلم . المعلم الذي ( يفحط ) و الذي يدخن  ، و الذي لا يتمتع بحس مسؤولية في تربية و تنشئة هذه الأجيال ، و المعلم الذي يتحدث عن الضمير متجاهلا أنه أخر شخص يعمل بضمير لكنه ينزه نفسه زورا ، و المعلم صاحب الفكر البسيط جدا ، و الذي لا يرقى لمستوى هذه المكانة الراقية ( مكانة المعلم ) . و المعلم صاحب الأسلوب السوقي ، و اللسان القذر .

 قلة قليلة هم المعلمين الذين يستحقون الاحترام ، الذين يعملون بضمير و أمانة ، و الذي يتمتعون بشخصية حكيمة مثقفة ونفس طاهرة و حس عظيم بالمسؤولية تجدها تتجسد في تصرفاته و في كلامه و في أعماله و في لباسه .

أن كنت أيها المعلم تتعامل مع مهنتك ( الخطيرة ) من منطق ماذا أعطتني الحكومة ؟ و كم سيكون الراتب ؟ و ماذا سيعطوني مقابل عملي ؟ فأنت للأسف لا تصلح أن تكون معلم ، لكن تصلح أن تكون سمسار أو ( دلَّال ) في السوق .

أي جيل هذا الذي سينتجه هذا المعلم ؟

من حقك أن لا يتم بخسك حقك ، و من حقك أن تحرص على رزقك ، لكن ليس بذاك الأسلوب . ليس بأسلوب السماسرة . فمهنة ( التعليم أرقى ) بكثير من السمسرة .

تستطيع أن تسوق لي الأعذار ، لتبرأ نفسك ، لكنك ستكذب على نفسك فقط ، لأن الواقع يعطيني جواب آخر . المصيبة أن عدد ضخم من المعلمين لا يحاسبون أنفسهم ، وأن تحدثت إليهم تجدهم يسوقون المبررات و الأعذار ليبرروا ما يفعلونه ، وفي الحقيقة كلها أعذار أشر من الذنب نفسه . و تجدهم يحولون الكلام لاتجاه أخر و كأنه هو ليس ضمن المجموعة السيئة . للأسف فالذي لا يملك روح نقية لن يحاسب نفسه ، ولن يلتفت لأخطائه ، و  يحب أن يكذب على نفسه بأن تصرفاته الخاطئة هي صواب و مبررة .

هكذا يلقي الشيطان مواعظه على أتباعه .

المعلم مثل شيخ الدين ، أخلاقه هي أساس مهنته ، و حياته الشخصية ترتبط برسالته برابط وثيق ، كل همسه و كل نفس يخرج منه لابد أن يتمتع بحس مسؤولية عظيم ، لأنه تحت أعين الناس و بصرهم ، أن سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها ، وأن سن سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها  . أن كنت لست كفئ فدع التدريس عنك ، ولا تلوث هذه المهنة الشريفة . أن كنت تبحث عن راتب بدون جهد فأذهب أبحث عنه بعيدا عن التعليم .

التعليم مهنة خطيرة أخطر من الطب ، لأن الخطأ الطبي قد يتأثر به شخص واحد أو أشخاص محدودين ، بينما خطأ ( المعلم )  يؤثر على وطن و أمة كاملة ، يبقى أثره أجيال . أفلا تتقون الله ؟!.

لو يحاسبون أنفسهم ، لو يعملون بضمير .

صاحب المبادئ يطبقها على نفسه أولا ثم يطالب بها الآخرين ، و إلا كان كالحمار الذي يحمل أسفارا . احترم كثيرا الشخص الذي يعي أهمية ( موقعه في الوطن ) ـ مهما صغر أو كبر ـ فيعمل بضمير و يعلم أن الوطن يبدأ منه .

أكثر من يمكنك أن تشفق عليه هو إنسان يظن أنه لا يخطأ أبدا ، و إنسان لا يحاسب نفسه بضمير صادق ، يرى خطأ الآخرين ولا يرى أخطاءه أبدا . لا يمكن أبدا أن يقتنع أنه على خطأ . غالبا ـ حسب ما رأيت ـ هذا النوع من الناس يقوم بإسقاط أخطاءه على الآخرين .

هذا النوع من الناس لا يتذكرون الأخلاقيات و المثاليات إلا في المواقف التي يكون لهم أهواء و مصالح شخصية  فيها . لأنهم غالبا لا يعملون بضمير ، و أما أن وجدت موقف لهم يعملون بإخلاص فإنك ستفاجأ بعد برهة بأن وراء ذلك الإخلاص مصلحة شخصية هنا أو هناك .

وحين يتوقف دور هذا النوع من الناس على الحياة العادية فالأمر هين ، لكن المصيبة حين يحاولون ممارسة دور الوطنية ، وحين يخرجون لمطالبة الحكومة بحقوق معينة.

و أكبر مصيبة أن هذا الإنسان المطالب بحقوقه لا يفرق بين معنى اعتصام و معنى إضراب .  لماذا ؟ لأن الغالبية  ليسوا أصحاب فكر و مبادئ حقيقية إنما أهواء ومصالح شخصية ، و الغالبية صارت تمشي مع موضة السب و الشتم للحكومة ، و مع موضة المطالبة بالحقوق .

 و تأسف أشد الأسف حين يمارس البعض هذه الأمور لأهواء شخصية ، دون تفكير في العواقب . و أبسط تلك العواقب أنك ( كمعلم ) فأنت قدوة ، و أنت بفعلك هذا تغرس في ( عقول الطلاب ) صفة التمرد و الإضراب ، و الذي قد ينتج في المستقبل صور جديدة ، مثل المظاهرات التي لا شك تتحول إلى تدمير و اقتتال . و فتن .

كثير من الناس يفكرون تفكير سطحي في مثل هذه الأمور ، و لا يحاولون منح أنفسهم بعد نظر في التفكير . و لا يعتبرون مما حل بغيرهم ، يريدون التغير ، ولكن باستخدام عصى موسى ، لأنهم لا يهتمون بالوطن ، و أنما يهتمون بمصالحهم الشخصية .

و لأختصر على البعض المسافة ، فأنا لست مع الحكومة ، حتى لا تضطر لتأويل كلامي  على حسب هواك . و لكني أيضا لست مع كثير من الفوضى التي أراها هنا و هناك بزعم المطالبة بالحقوق .

أنا مع الحق ، مع الإصلاح الصادق ، مع بناء وطن يحتوى أبناءه بالعزة و الأمان و الازدهار .  لكن كيف نبلغ هذا الوطن الذي نريده و نحن نرى أن الشعب لا يختلف عن الحكومة  بل هما ( وجهان لعملة واحدة ) ؟! .

( التعليم أمانة عظيمة ، يسألكم الله عنها ، ليست مجرد وظيفة لكسب المال ) اتقوا الله .

أجعلوا الطلاب بمقام أبناءكم ، هل تقبلون أن يُعَلِّم أبنكم مُعَلِّم مستهتر يحضر يوم و يغيب أيام ؟

هل تقبلون أن يعلم أبناءكم معلم كل ما يهمه هو إنهاء المنهج  و تلقين طلابه فقط ، حتى لا يتم مسائلته من مسئوليه ، ولا يهتم بغرس العلم وحب العلم و تنمية العقول و إلهام الأجيال ليكونوا خير جيل لأمتهم بعقولهم و أخلاقهم ؟ .

هل تقبل أن يعلم أبناءك معلم صاحب سلوك سيء و لسان بذيء ، و عقل طائش ، و فكر سطحي ؟ .

أيها المعلم ،، أخاطب فيك الضمير الصادق ، ضمير المسلم الصادق ،، هذا التلميذ الذي يجلس اليوم أمامك  لتعلمه ، غدا ( سيكبر ) ، و سيكون منهم أطباء ومهندسين ، و مشاهير ، و قد يصبح زميلك أو ربما رئيسك أو موظف ذا شأن أو شخصية مرموقة في المجتمع . و قد تجمعك به الأيام بشكل من الأشكال ، ( فأي صورة ) تريد أن يتذكرك بها هذا التلميذ حين يلتقيك حينها ؟؟. و أي ذكريات تحب أن تسمع منه ؟

( أنت اليوم تسجل ) ما تحب أن يتذكره هذا التلميذ ( عنك غدا ) ، فلا تسجل في عقله ذكريات لك سيئة ، قد تكره سماعها منه في المستقبل . كم من معلم عرفناه سمع من تلاميذه ذكريات في مواقف سببت له الإحراج ، قد نسيها هو ، لكنهم لم ينسوها هم .

مازلت أتذكر الذين علموني رغم انقضاء السنين ، عدد منهم لا يستحق الاحترام لكني أتعامل معه باحترام لأني احترم نفسي و ليس لأنه يستحق  . و بعضهم يستحق تقبيل  رأسه احتراما له على ما قدم لنا ، و ما ألهمنا به لنصبح مواطنون يحبون وطنهم ويسعون لأجله ، و يحبون أبناء وطنهم و يحرصون على مصلحتهم . لأنه غرس فينا السعي لتحقيق الذات ، وليس البكاء و التباكي ، و رفض الفطام من الدولة . ما زلت كلما تذكرت أولئك المعلمين أدعو لهم بالخير .

لا تقل : ( طفل و لن يتذكر ) . فذاكرته ليست ذاكرة عجوز خَرِف . بل هو إنسان يعي و يسجل ، حتى و أن رأيته صامتا ، و سيأتي يوم لن تنتبه إلا و أنت فيه و ستجد هذا الطفل قد صار كبيرا . و ربما  ( أكبر منك مقاما ) . عامل هذا الطالب على أنه إنسان و سيرشدك عقلك حينها كيف تتعامل معه باحترام و تقدير و مسؤولية . علمه حسن السلوك و حب الوطن و الإبداع . علمه التميز . ليشكرك و يدعو لك هو و الوطن لأنك بهذا الإنسان سننت سنة حسنة  سيشكرك الله عليها ، فهذا الإنسان سيكون أيضا قدوة في حياته ، في أي مركز سيتبوؤه  ـ  صغر أم كبر ـ  لأبد أن يكون قدوة لأحدهم .

قبل أن تسعى للبحث عن تبريرات أرجوك ..

فكر بينك و بين نفسك بأمانة ،

 فكر في الوطن ،

فكر في محاسبة الله لك .

فكر في أطفالك كيف تريد أن يكون المجتمع الذي تتمنى أن يعيشون فيه مستقبلا .

أنت المهندس ، و أنت البنَّاء . أظهر لي أبداعك ، أظهر لي عقلك .

لا تظهره بالكلام و المبررات و الثرثرة . أظهره ( في أفعالك ) ، ( في الجيل ) الذي ستنتجه للوطن . لا يمكن لأحد أن يعرف مهارة ( البنَّاء ) أو  أبداع ( المهندس المعماري ) و عبقريته إلا من خلال ( أعماله التي أنتجها ) .

سلاحك ثقافتك ، و أخلاقك ، و وعيك ، و  ضميرك ، و إيمانك ، و مبادئك الصادقة ، و في رقيك  ، و ورقي أخلاقك ، و  ورقي أسلوبك  . و لك في معلمنا العظيم رسول الله خير قدوة . فبهداه أقتده .

أو أترك التعليم و أتق الله

لا تأمن مكر الله .

حاسب نفسك بينك وبين نفسك  .. ليس مطلوب منك أن تفضح نفسك أمام أحد ، وليس مطلوب منك أن توبخ نفسك أمام أحد . ولا تحقر نفسك . أنما أسعى للثورة على نفسك أسعى للإصلاح ، أبرز نفسك من خلال عملك المخلص ، وأجعل الله وكيلك ، و الله أنه لا يخذل أبدا من أخلص بصدق العمل لأجله . و سيأتيك أجرك في الدنيا و الآخرة ، ثق بهذا أن كنت تعبده بصدق .

أنت القادر أن تصنع لنا ( جيلا من الشرفاء العقلاء المثقفين ) ليشكلوا ( حكومة راقية )  ليبنوا دولة مزدهرة .  لا تنتج لي جيلا لا يفهم إلا التمرد وقلة الاحترام و الإضراب .

 الاعتصام و الإضراب و المظاهرات لا تفعل شيء ، ( هي تشفي عرضا ولا تشفي مرضا ) ، وطني تعب من المُسكْنِات ، و يحتاج للدواء الشافي . يحتاج للقليل من ( الشرفاء المثقفين ) ، ( الوطنيين الصادقين ) ، الذين يحبون وطنهم أكثر من مصالحهم ، يتبعون العقل بدلا من الأهواء و المصالح الشخصية التي تأخذ باسم الوطن .

 فقط ( القليل من هؤلاء ) يمكنهم بناء  ( وطن رائع و عظيم ) .

كل ذلك بيدك أيها المعلم ،،

 أن كُنتَ مخلصا  ،،

 أن كنتَ مثقفا ،،

أن كنتَ أمينا ،،

 أن كنتَ حكيما ،،

 أن كنتَ تحب وطنك بصدق .

وطننا العربي ـ و ليس عُمان وحدها فقط ـ  يحتاج للصادقين المخلصين ، عندما ( تحب بصدق )  فأنك ( ستمنح بحب و أخلاص ) . هكذا تفعل ( الأم ) مع أبناءها ، و هكذا يجب أن نفعل مع الوطن .

ليس دورنا هو ( معاداة ) الحكومة وجعلها في الضفة الأخرى ، و نظل نسب و نشتم ، أو نحمل السلاح و نتناحر ، بينما نحن نمارس كل ما نعيبه عليها ، دورنا هو التغيير ، و التغيير للأفضل ، ولن يكون ذلك إلا انطلاقا منَّا نحن  أبناء الوطن .

لا يجب أن تكون الحكومة ( عدو ) .. بل يجب أن تكون الحكومة هي ( الآلية ) التي تحقق مبتغانا نحو ( وطن سامٍ ) ، و لن يكون السمو الذي نريده إذا استمرت الأحوال على هذا المنوال ، فنحن ندور في دائرة مغلقة .

أنظروا ببصائركم .. فنحن نريد وطن عزيز ، لا فتن و ضياع .. نملك بعض النعم ، نريد لها أن تزداد ، لا نريد أن يمحقها الله لنرجع للوراء ..

 أنظروا للصومال كيف كان و كيف صار ..

 أنظروا لليمن أين كان وأين صار ..

أنظروا السودان أين كانت وكيف صارت .

صارت لحال يرثى لأنهم بطروا النعمة ، و لأنهم ما عرفوا كيف الحفاظ عليها ، ولأنهم  اقتلعوا عيونهم حين أرادوا أن يبصروا وطنا أجمل .. وما هكذا تورد الإبل .

أن كنت تكره شخصا في بيتك ، أو كنت تكره أثاث البيت أو طلائه ، فهذا لا يعني أن تحرق البيت أو تدمره ، بل  اصبر عليه ، ورممه و حسنه . فذلك خير من أن تجد نفسك بدون بيت ولا مأوى آمن .

كلامي ليس للمعلمين في سلطنة عُمان وحدها ، فهي حبي ،  لكني لا استطيع إلا أن أعشق كل الوطن العربي . العاقل يعلم أن مصيرنا واحد . وكل ( سقم هناك ) لابد أن ( يوجع هنا ) .


طلبي ..

هو أن  ( لا  ) تقرأ مقالي و أنت قد قررت مسبقا برفض ما فيه .

( لا  )  تقرأ مقالي و كل همك هو تحديد الجبهة التي ستضعني فيها عندما تنتهي من قراءته .

( لا  )  تقرأ مقالي لتبحث عن مبررات أو ثغرات ترد علي من خلالها . فلسنا أعداء.

 فأنا لا أوجه كلامي للسوقة ولا للعامة ولا للدهماء  . لأنه من المفروض أن مقالي موجه لشخص  ( مثقف ) . يقرأ بــ ( حياد ) ،  ثم يفكر بــ ( منطق ) ، ثم يحكم بــ ( عقلانية ) . و من صفات الجاهل :  العناد الأعمى ، و الإصرار على الرأي ، و عمى البصيرة  .

و لا أطلب منك أن تقر بما أقوله ، كل ما أريده هو ( وقفه صادقه مع الذات ) ، و مراعاة  ( صادقة للأمور و الأحداث ) . و الأمانة كل الأمانة في ( التفكير و الاستنتاج )  .

كان المقال طويل لأن الحديث ذو شجون .



[1] - قصة غاندي ملهمة فعلا ، أتمنى أن تقرأ عن أفكاره في كتابه البسيط العميق (  قصة تجاربي مع الحقيقة ) لغاندي  و هو متوفر على النت . صحيح أن في الكتاب بعض الأفكار التي تنطلق من الدين الهندوسي لكنها واضحة ، و يمكن لأبسط إنسان تميزها فلا ضرر في ذلك ، لكن جمال الكتاب هو في روح كاتبه وأيمانه بمبادئه ، وسعيه لأجلها ، وهي تستحق الاحترام .