الأربعاء، 27 يوليو 2011

هل يدركون معنى ( ثورة ) ؟




" خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ 
 وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
أَتُراها تَناسَت اسمِيَ لَمّا
 كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ "
"أحمد شوقي ، شاعر من مصر "




أن أمور الحكم والسياسة أشبه بقيادة ( سفينة ) في بحر دائم الهيجان ، أنك حين تقف على الشاطئ قد لا تدرك خطورة البحر ، بل قد يغريك ارتياده متجاهلا و ربما جاهلا لمجاهله وأغواره . بعد الثورة الشعبية في مصر ـ ولن يختلف الحال في باقي الأقطار العربية ـ صار الجميع سياسيين و ثوار ، ولكن بعد أن نجحت الثورة ( مبدئيا ) .

في طريق خروجنا من ( مطار القاهرة ) مع السائق الذي أعرفه منذ سنوات وجدته شخصا آخر ، كان طوال الوقت ـ وحتى في الأيام التالية ـ يستمع إلى نشرة الأخبار عبر المذياع  وهذا ليس من عادته ، ثم  وجدته ـ  و هو الشخص الذي لا يأبه بالسياسة وليس من أهل الإقدام  حتى في المواقف البسيطة ـ صار ثوريا دفعة واحدة. لم يكن الوضع مناسبا لطرح أي أسئلة اللهم عن أحوال مصر و والأوضاع ، فكان يجيب : ( الحمد لله كله تمام ) . ثم في اللقاءات التالية كان الرجل لا ينفك يتحدث عن الاعتصام والثورة ، وهنا كان لابد من استيضاح الأمر فالرجل مثل ما يقول المصريين ( مش بتاع سياسة ) ، وهنا اكتشفت أن الرجل ( لم يشارك ) ، أنما كل ما فعله هو أنه زار ميدان التحرير في أحد الأيام الهادئة فيه فقط ثم غادر .
وفي أثناء وجودي قررنا زيارة ( ميدان التحرير )  أثناء استعداد المتظاهرين لجمعة مليونية كان ذلك في صباح يوم الجمعة ، فكان الرجل متحمس ، لكنه حين رأى حشود المتظاهرين صار متوتر ورفض حتى أن نقف أعلى الجسر لنشاهد ما يحدث . قلت في نفسي : أهذه روح ثائر ؟!! وحتى حين كنت أستقل سيارة أجرة أخرى ، فإني أجد سائقيها بذات الإيقاع و الذي لم أعهده : يستمعون للأخبار باستمرار عبر المذياع ، وكذلك يتحدث إليك أحدهم عن الثورة ويقول : (  أننا سنفعل وسنفعل ، وسنحاصر السفارة الفلانية و و و ) .  حين تستمع لأحدهم تظن أنك أمام (  تشي جيفارا ) ، بينما هو حتى لا يدنو من ( ميدان التحرير ) ناهيك عن الاعتصام فيه . حقا أنه أمر مضحكٌ مبكي .  كل ثورة شعبية تضم :

·        شرفاء عقلاء .
·        ومتسلقون طامعون .
·        وغوغاء تخوض مع الخائضين .
·        والحلقة الأضعف من جميع هؤلاء هم الشرفاء العقلاء .

هذه نقطة ـ علاوة على ملاحظتي لها حتى قبل سفري لمصر ـ أكدها لي بعض أساتذة علم الاجتماع في مصر ، من أن أناس لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة ولا في الشأن العام أصبحوا يحاولوا الظهور بمظهر ( أبطال الثورة ) ، وفوقها ما أخبرنا به أحدهم أذا قال : أن عدد من الشباب كان يحضر للميدان بالليل حيث تقام أماسي غنائية و تمثليات و تسليات ، فبدل قضائهم لوقتهم في القهاوي ـ كما المعتاد ـ صاروا يأتون للميدان ( أصل الجو كان حلو هناك ) .  طبعا هذا لا يعني أن جميع من في الميدان هم من هذه الشاكلة أنما أوردت هذا الكلام لأظهر لأي مدى يوجد أشخاص لا يدركون معنى ما حدث بصدق .

المشكلة لا تكمن في هؤلاء ولكن تكمن في ( الجموع الغوغائية ) التي يمكن تحريكها بكل بساطة عبر خطب خاوية سواء من المؤيدين أو من المعارضين ، الأمر الذي يحدث صدامات عنيفة أدت لمقتل وجرح عدد من الأشخاص ، وهو أمر مؤسف حقا . ومع هذان الفريقان ليسا مكمن المشكلة ، أنما تكمن المشكلة في ثلاث نقاط :

·        غياب قيادة كاريزمية حكيمة يمكنها إدارة الأزمة ( مع احترامي للدكتور عصام شرف لكنها الحقيقة ) .
·        وجود أطراف تسعى للصيد في الماء العكر لكسب منافع خاصة .
·    غياب الوعي الشعبي الأمر الذي يسبب ضياع للوطن دون أن يشعر هؤلاء أو يدركون ، وهم يظنون أنهم يحسنون عملا .
·        أما بخصوص الأطراف التي تحاول تحصيل مكاسب شخصية والصيد في الماء العكر فهم عدة :

ـ المتحزبين . فلقد وجدت ولأول مرة مصطلح ( القوى السياسية ) ، الأمر قد يبدو عاديا ، لكنه في الواقع ليس كذلك . أن الأحزاب ـ وكما أقول دائما ـ لا تختلف عن التعصب القبلي ، خاصة في مجتمعات لا تتوافر على وعي سياسي . فهم ينادون بالديمقراطية وهم آخر من يؤمن بها ( وفاقد الشيء لا يعطيه ) أنما تلك الأحزاب دليل على ( حب السلطة ) و ليس حب الوطن أو التعددية ، ومن قرأ الصحف المصرية اليومية يدرك ما أعنيه .

تجد تبادل تهم وسب وشتم وكل منهم يتحدث عن معارضة الأخر لرأيه بأنه ( عميل ) ، ثم يطالبه الآخر بالاعتذار ، ثم السؤال الأهم :

منطقيا هل تستوعب أي دولة هذا العدد الهائل من الأحزاب ؟؟

وهل هي حقا مفيدة لمصلحة الدولة ؟

وأي أيدلوجيات هي التي تحتويها هذه الأحزاب ؟

الإجابة قطعا بالسلب ، أن كنا نتحدث بمنطق مبتعدين عن الأهواء .
ومازلت حتى يوم عودتي من مصر أجد في الصحف إعلان عن أحزاب جديدة ، لماذا لست أدري .

     ـ  ومن أولئك الأطراف أيضا ( التدخلات الأجنبية ) ، فليقل لي أحدكم ...

هل يكون ( الحزبي ) شريفا أن قام بإجراء مقابلات ولقاءات سرية في سفارات الدول الأخرى ؟

هل يكون شريفا أن تقبل ( أموال ) من دول أخرى ؟

هل يكون الثوريّ شريفا أن وافق أن يعقد ( لقاء سري ) مع ولي عهد دولة أخرى في غياب ممثلين عن حكومته ؟

أليست هذه أمور تدعو للشك ؟؟ بل وتدعو لإسقاط الثقة بهؤلاء بل وإسقاط مصداقيتهم .

لا يخفى على أحد كم تعاني مصر اقتصاديا منذ عهد مبارك ، وأثناء الثورة وبعدها تفاقم الأمر ، هناك تضخم ، وعجز كبير في ميزانية الدولة ، وهناك مديونية ضخمة خارجية للدولة وكلما تأخر السداد ازدادت الفائدة وارتفعت بالتالي المديونية مما ينعكس سلبا على اقتصاد البلد فترتفع بذلك معدلات الفقر أكثر . وهناك أكثر من 50% من السكان تحت خط الفقر ، وهناك أكثر من (  4 ملايين )  مواطن يكسبون أرزاقهم من السياحة والتي أصيبت بشلل خطير .

رغم أن وجودي في مصر كان لإنجاز بعض الأعمال إلا أن الأمر لم يعدم من بعض التجوال ، وأثناء تجوالي ـ وخاصة في الأهرامات والتي عادة ما تغص بالسياح الغربيين ـ  كان ملفتا جدا عدم وجود سياح . كم يضاعف هذا من أزمة الوطن الاقتصادية ! .

والأدهى أن يأتي المثقفون ليطالبوا برفع الرواتب ، ويتظاهروا معترضين على عدم تنفيذ الحكومة لمطلبهم هذا . أن كان هذا هو رأي الصفوة المثقفة ، فهل يُلام العامة ؟؟!

وليس مجرد انتكاسة لقطاع السياحة بل وأيضا تفجيرات هنا وهناك لأنابيب الغاز ، فهل يمنحك اعتراضك على تمديد الغاز لبلد ما الحق لتفجير تلك الأنابيب ؟؟

أضف إلى ذلك انعدام الشعور الأمني ، أن ما ( تعودته ) خلال زياراتي المتكررة لمصر أن الناس تتحرك بحرية ، حتى البنات هناك يرتدن النقل العام في تنقلاتهن بدون شرط اصطحاب مرافق لهن من الأهل ، ولكن ما لاحظته ـ ولا حظه آخرون معي ـ أن كثير من الأهل كانوا يصطحبون بناتهم لأداء الامتحانات الجامعية ، وعند سؤالنا عن السبب أجاب كل من سألناه بأن ( وضع البلد ملخبط و مفيش أمان ) .

وأثناء حواري مع عدد من الأكاديميين من أساتذة ( علم الاجتماع ) وجدتهم ممتعضين من التخبط الحاصل بعد سقوط الرئيس ، وأني أعرفهم معرفة جيدة وأعرف أيدلوجياتهم ، فهم يكرهون ( مبارك ) و كانوا ـ وحتى في عهده ـ يتحدثون عن سوء أدارته للبلد ، وتغييب العقول والأموال والمنطق في حكمه ـ وقد شارك بعضهم في الاعتصامات منذ بدايتها ـ إلا أنهم يرفضون ما يحدث من تخبط وخاصة فيما يتعلق بالجانب (  الأخلاقي للثورة ) ، فمسألة السب والشتم وأساليب الأهانة التي تكال على ( حسني مبارك ) لا تروق لهم ، وفي هذا معهم حق ـ أن أردنا الإنصاف ـ فالرجل ـ على علاته ـ كان يوما ( رئيس ) هذه الدولة ، ومهما فعلوا لن يستطيعوا تغيير هذه الحقيقة . وأنت بسبك للرئيس لا تضره بل تضر نفسك لأنك تحط من قدرها لهذا المستوى الوضيع .

ثم أمر أخر لفت انتباهي هو المبالغة في المطالبة بمحاكمة مبارك وأفراد حكومته ـ وهذا أمر لا خلاف فيه ـ لكن :

هل الوقت مناسب ؟

ما الجدوى من الثورة أن لم يكن هدفها نشر العدالة ، وتفعيل دولة القانون ؟ وأن كان هذا هو الهدف ، فهل المطالبة بمحاكمة مستعجلة وإصدار حكم سريعا على هؤلاء هو تطبيق صحيح لهذا المبدأ ؟

هل من المنطق أن تطالب بمحاكمة شخص وأنت أصلا قد أصدرت الحكم سلفا وترفض أن تستمع لغيره ؟

يطالبون بإعدام مبارك ، قال لنا أحدهم : أن الثوار لا يريدون سجن أو إعدام مبارك ، لكن يقبلون بنفيه خارج الوطن أنما يريدون محاكمته ليكون عبرة لمن يأتي بعده . لكني لا أؤيده في هذا ، لو كان حقا هذا رأيهم لما نصبوا المشانق الرمزية في ميدان التحرير والصور التي ترمز لذلك .

الأمر ذكر جميع من تحدثت إليهم بمحاكمة الرئيس العراقي ( صدام حسين ) ، والذي كان سلفا  قد قُرر ماهية الحكم فيه ، تلك المحاكمة التي تعد مهزلة وسخرية كبرى ، سخر بها على أبناء العراق خصوصا وعلى أبناء الوطن العربي عموما . ليس لأن رئيسا تم محاكمته ، بل لتوقيت المحاكمة التي كانت تعمية للأبصار حتى تم سرقة العراق ، ولأجل منهجية المحكمة الفاقدة أصلا لشرعيتها منذ ولادتها .

أن كان الحاكم ظالما فهذا لا يسوغ أن تكون أنت أيضا ظالما وإلا فما الفرق بينك وبينه ؟!!!!

محاكمة الفاسدين والخونة ـ و حتى الذين قبلوا أموال من دول أجنبية ـ أمر مفروغ منه ولا جدال فيه ، لكن هناك ( أولويات ) ، والعاقل من لا يخلط الحابل بالنابل ، فهؤلاء يجب أن يودعوا في السجن ، لكن يتم تأجيل محاكمته حتى يتم تحقيق المطالب الأساسية التي تضمن عدم ضياع اقتصاد  وأمن  و سيادة الوطن ، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية وبعدها تشكيل الحكومة ثم يكون من ضمن واجبات الحكومة الجديدة أجراء محاكمة ( عادلة و نزيهة ) للرئيس السابق وحكومته ، تكون تلك المحاكمة خالدة عبر التاريخ تعبر عن ( نقاء روح الثورة ) .

هناك من يثير تفاصيلا الهدف منها هو ذر الرماد على العيون ، للأسف حين تتحدث عن حقائق لا يصغي لك أحد ، الناس لا تبصر الأمور إلا من أحد لونيين : أما أبيض أو أسود ، وحين يقع الفأس على الرأس يلطمون وينتحبون ولكن يكون لات حين مندم.

ما يبصره المرء من ( انحراف ) في مسار الثورة عبر دخول طرفين فيها وهم ( سماسرة المصالح الشخصية ) ، وكذلك ( الغوغائيين )  الذين يسيرون خبط عشواء ، وغياب ( الوازع الأخلاقي ) في نفوس كثيرين ، يجعله يطرح تساؤلا :

هل ستغير الثورة شيء ؟
أن تدخل أطراف خارجية بطريقة تمس بشكل ملفت سيادة الدولة يجعلنا ندرك أنه يراد لأقطار الوطن العربي أن تكون مثل (  العراق )  ـ  تناحر ، ودمار ، وفساد وفقر مدقع رغم الثراء ـ   أو  في أحسن الأحوال مثل ( لبنان )  ـ  طوائف ، تضاد ، وأحزاب محسوبة على دول أخرى ، وضياع للوطن ، وتأخر واضح في التنمية ـ  كل تلك المعطيات والتي أبصرها الجميع جعلت الكثيرين يبحثون في أمور مثل :

هل هناك خيانة للوطن ؟

من هو الخائن ؟ وطبعا كل فريق يخُّون الأخر .

لاحظت بعد أن وضعت مقالة سابقة بعنوان ( إلا خيانة الوطن ) أن عددا ضخما من مستخدمي محركات البحث ـ منذ وضعته وحتى لحظة كتابتي لهذا المقال ـ يبحثون في موضوع  ( خيانة الوطن ) ، أو قصائد وأشعار في خيانة الوطن ، وأني أحيل هذا الأمر بسبب حضور تلك المعطيات ليس إلا .

الجميع يعرف ـ حتى أغبى الناس ـ أن الغربيين لن يتدخلوا لأجل سواد عيون أحد بل لأجل مصالحهم الخاصة ، وكما يقول المثل الخليجي الشعبي : ( الذيب ما يهرول عبث ) .

فماذا باع تجار الثورة ـ في غفلة ( شرفاء ) الثورة ـ للغربيين بقيادة أمريكا أثناء لقاءهم بـ ( هيلاري كلنتون ) في النمسا حتى وافق حلف الناتو بضغط من أمريكا على التدخل عسكريا في ( ليبيا ) حتى قبل أن يقر الكونجرس الأمريكي ميزانية التدخل العسكري في ليبيا ؟

والجواب على هذا السؤال سيقود للإجابة على السؤال التالي :

هل ستكون ليبيا ـ ومثلها باقي الأقطار العربية الأخرى ـ في حال أفضل بعد سقوط النظام المُنْقَلب عليه ؟

الإجابة قطعاً هي : للأسف الشديد ( لا ) . إلا أن أحببنا أن نكذب على أنفسنا ، ونغالط في الحقائق أنفسنا . و ( لا  أقول ) هذا يأسا أو تراجعا ، أنما أقوله بناءً على حقائق مؤكدة وجلية .

من تلك الحقائق :

ـ التدخل الأجنبي السافر لتحصيل مكاسب ، ووجود ( باعة )  للوطن في المقابل ، والذي سيستميت لأجلها وهو يمتلك مقومات النصر طبعا .

ـ انعدام الوعي الحقيقي في القطاع الشعبي لما يجب أن تسير عليه الأمور وعدم إدراك الأولويات .

ـ السعي للحصول على ( مكاسب شخصية ) لهثا وراء السلطة والمال .

ـ وجود خلل متأصل في المجتمع لن يمكن معه إصلاح الحكم ما لم يصلح المحكومين ، لأن من سيكونوا في الحكم أولا وأخيرا هم نتاج هذا المجتمع .

ـ وجود سلطات كثيرة تتنازعها ( أيدلوجيات و أهداف متفرقة ) ، ولا يمكن لسفينة أن تنجو في بحر هائج  و هي  يقودها  ألف رُبَّان .

وأخيراً ...

أن كل ما ذكرته هو ليس حكرا على ( مصر ) وحدها ، فهو يتكرر في (  سوريا ) و ( اليمن ) و ( تونس ) و كذلك ( ليبيا ) الذي يبدو التدخل الأجنبي فيه جليا واضحا .

أن طرحي لما طرحت ليس من باب ( النقد لمجرد النقد ) ، وليس لبث ( الروح الانهزامية )  ، بل على المقاتل أن يدرك حقيقة المعركة ليعلم متى ( يكر ) و متى ( يفر ) ، وذلك لبلوغ الهدف المنشود بأقل الخسائر الممكنة .

الأحد، 5 يونيو 2011

ثـقـافـة العـطاء




" أزرع جميلاً ولو في غير موضعهِ 
فلن يضيع جميل أينما زُرعا
إنَّ الجميل و إن طال الزمان بهِ 
 فليس يحصدهُ إلاَّ الذي زرعا "

(من الشعر العربي )







ثقافة العطاء متى ما كانت منتشرة في مجتمع ما دل ذلك على ( الرقي الفكري ) و ( الرقي الإنساني )  لذلك المجتمع  :

وأحسن شيء في الورى وجهُ مُحسنٍ
و  أيمن  كفٍّ  فيهمُ  كفُّ    مُنعِمِ

ولا يقتصر العطاء على بذل المال وإنما أيضا على ( بذل الجهد ) ، و في نظري العطاء يكون على عدة وجوه :
الأول :   بذل المال لمساعدة أبناء الوطن ، فالأقربون أولى بالمعروف ، وذلك حفظا للمودة ، ووصلا للرحم ، وتعميقا للمحبة ، تكون البداية من قرابة الدم ثم قرابة المودة ، ثم قرابة الجوار ثم الأبعد فالأبعد .

إذا المال لم ينفع صديقاً ولم يصب
قريبا  ،  و لم يُجبر به حال مُعْدمِ

فعُقْباهُ  أن  تحتازهُ  كفُّ  وارثٍ
وللباخل المورُوثِ عُقبى التندُّمِ

الثاني :   بذل المال لأبناء الوطن القومي وكذلك أبناء العقيدة في الأقطار الأخرى . كثير من أقطارنا العربية تحتاج لدعم ( قطاع التعليم ) من مدارس و جامعات ، في زيارة لي لأحدى الدول العربية كنت أرى جامعات عريقة تفتقر لقاعات محاضرات ، وكذلك في بعض الدول العربية ـ وأخص ( جزر القمر ) تحديدا ، ذلك القطر العربي المنسي ـ الأطفال تجدهم مقبلين على المدارس وعلى التعليم بشغف وكذلك مدارس تحفيظ القرآن ولكن إمكانيات الحكومة جدا ضعيفة ، ولقد رأينا مساعي الرئيس القمري (  أحمد عبدالله سامبي ) في تأكيد الانتماء العربي لجزر القمر ، حيث قام بزيارات مكثفة لترسيخ العلاقات مع الأقطار العربية ، فالرئيس ( سامبي ) متحدث فصيح بالعربية ولقد عاش جزءا من حياته في طلب العلم في مكة المكرمة ، وهو مؤمن بعروبة جزر القمر ، الأمر جدا محزن ، حيث أننا نرى أثرياء العرب يتشدقون بتبرعاتهم للجامعات الأمريكية والأوروبية لأجل أن يتحدث الغرب عن كرمهم ، بينما نحن أحق بهذه الأموال . وفي الحقيقة كثيرا ما كنا نسمع من بعض الغربيين تهكمهم وسخريتهم من سذاجة هؤلاء الأثرياء في تبرعاتهم ، فهم لا يرون فيها إلا تبعية و سذاجة  و ليس كرما .

الثالث :   بذل الجهد لصالح الأقربين وكذلك أبناء الوطن وكذلك أبناء القومية والعقيدة ، وأقصد بهذا أن يكون البذل بالجهد عبر المساهمة الفاعلة للإنسان للرقي بوطنه وأمته وأهله وذلك من باب ( حب لأخيك ما تحب لنفسك ) ، ومن الأمثلة البسيطة على بذل الجهد :

·       المحافظة على البيئة وعدم الإسراف في موارد الوطن ( مثلا الماء والكهرباء ، و النباتات و غيرها ) .
·   المحافظة على المرفقات العامة بصفتها ملك لك كمواطن منتفع منها ، لأنها في الحقيقة ليست ملك للحكومة وإنما ملك لك .
·   المساهمة في نشر المعرفة والتوعية الثقافية ، ولا أعني هنا عبر الندوات والمحاضرات والمحافل الثقافية فقط ، وإنما أيضا عبر الجلسات الودية العادية أو العائلية وذلك عبر نقل المعلومة الصحيحة و بالأسلوب المناسب للكل فئة حسب ثقافتها وحسب سنها ، و بأسلوب شيق تدفعهم لطلب المزيد من المعرفة  .
·   المساهمة في أنشطة تطوعية في مجالات شتى ، مثل التعليم أو حملات النظافة أو التوعية أو الأخذ بيد المبدعين في المجالات العلمية المختلفة .
·   عبر أعطاء الصورة الجميلة عن وطنه ، وعبر مد  يد العون بالجهد أو بالكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة للآخرين .


كيف يمكننا أن نساهم كمواطنين بسطاء ؟

قد يرى البعض أنني شخص حالم ، لكن قبل أن تحكموا في اقتراحي أقرؤوه بتأني ستجدون أنه ممكن .

لو أقمنا ( صناديق )  بين كل عائلة أو مجموعة معارف أو أصدقاء ، وتبرع كل شخص بقيمة ( دولار واحد ) في الشهر ، سيكون عندنا من كل عشرة أشخاص عشرة دولارات ، وهكذا عند كل عشرة ، ستجد أننا قد نصل إلى ألف أو ألفين دولار في الشهر ، تقوم كل مجموعة بإرسال هذا المال كتبرع لأحدى الجمعيات الخيرية أو الثقافية الموثوقة ـ وهي كثيرة ولله الحمد ـ سواء داخل حدود الوطن أو في الأقطار العربية الأخرى .

صدقني ستكون جدا راضٍ عن نفسك حين تجد أن ذلك ( الدولار )  الوحيد قد أنتفع به طفل أستطاع أخيرا أن يتعلم بدلا أن يعمل وهو في سن صغير ، أو أن تم استخدامه لافتتاح مركز لمحو الأمية .أيضا يمكننا ـ فيما لو توفرت القدرة ـ أن نعمل على أيجاد ( وقف )  لأجل عمل معين ، مثلا من خلال تجميع هذه التبرعات وشراء بناية ( عمارة ) يتم تأجيرها يذهب ثمن أجارها لصالح جمعية خيرية للأيتام أو لمركز لمحو الأمية أو لرعاية أطفال الشوارع أو الفقراء سواء لتعليمهم أو لإطعامهم.

أو تجميع هذه الأموال لإنشاء ( مشاريع )  لصالح أسر فقيرة ، تكون مصدر دخل لهم بدلا من أن تطلب الناس اللقمة ، فمثلا أن كنت تعرف عائلة فقيرة في الحي الذي تقطنهُ أو الأحياء المجاورة أو حتى المدينة المجاورة ، فتقوموا مثلا بجمع تبرعات لإنشاء محل خياطة أو بيع مواد غذائية أو صناعات تقليدية أو أي مشروع بسيط ممكن للأب أو للأم في تلك الأسرة  أن تحفظ ماء وجههم بها من سؤال الناس ، وتكون بهذا قد ( سددت ثغرة ) في بناء المجتمع ، فأنت بهذا تكون قد أوجدت لنفسك صدقة جارية سترى ـ بعزة الله ـ أثرها في رزقك ومالك وصحتك وأولادك ، وأنت حين تحث الناس على التبرع لمثل هذه الأشياء ومساعدة الآخرين فأنت أيضا تأخذ الأجر من الله مقابل ما تدل الناس عليه من خير .
أنني ـ و أوردها هنا كمثال لا للتشدق ـ وضعت ( صندوق صغير )  في البيت عندي ، وألزمت أهلي حتى أخواني الصغار ، أن يتبرعوا ( كل أسبوع  ) بأي مبلغ ممكن حتى لو كان زهيدا ، فعلى كل واحد منهم أن يضع ما قدره الله عليه كل أسبوع وبدون علم الآخرين ، أي ( أن يكون ما تبرع به بينه وبين ربه فقط ) ، ثم أنني أقوم بفتحها ( كل نهاية شهر ) و أوجهها لجهات هي محتاجة للتبرع مثلا :  بناء مساجد أو طباعة مصاحف ، أو جمعيات رعاية الأسر الفقيرة أو جمعيات رعاية الأيتام ، وهكذا .

ورغم أن المبالغ تكون ( بسيطة ) إلا أن لو كل شخص قام بهذا في أسرته فإن هذه المبالغ البسيطة تجتمع لتصبح ذات نفع فكما تقول الحكمة العربية : ( الذود للذود إبل ) وقطرة مع قطرة تسيل بها وديان .

ومن دلالات وجود ثقافة العطاء في مجتمع ما هو ( تبادل العطايا )  بين الجيران والأهل المتجاورين ، مثل ( تبادل الأكل المطبوخ في البيت ) ـ حتى لو أن  تعطي جارك كمية بسيطة ـ وذلك من باب ( تعميق المودة والألفة بين الناس ) ، ولله الحمد هذا أمر يبعث على السعادة حين ترى الناس حولك هكذا ، وأني أرى الناس يجتمعون ليتعاونوا لجمع المال للمريض الذي يحتاج للعلاج ولا يجد المال له ، قدر جهدهم .

وكذلك في رمضان كيف يتعاضدون كل حسب ما يملك لا يحقرون شيئا من العطاء مهما كان بسيطا ، وكذلك أيام الأعياد وعند بدايات العام المدرسي وهكذا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب"[1]. يقول الشيخ سالم بن حمود السيابي ـ رحمه الله ـ وفيه : (  لأنها ـ أي العرب ـ  تعظم لثلاث خصال : كرم أحسابها ، واستحياء بعضها من بعض ، والمواساة لله ، أي لأنها خصت بهذا دون باقي الأمم ) .

و أخيرا ...

أن ديننا يحث على ( ثقافة العطاء ) ، و ( العطاء ) يشبه تعاون الناس في تشييد بناء ما ، فإن صار كل شخص يحمل طوبة ليضعها بشكل صحيح ويأتي أخر بنفس الشيء وهكذا فإننا في المحصلة سنصل إلى ( بناء قوي ) و نجد أنفسنا قد أنجزناه في وقت قياسي . نحن أمته تحمل ( الرفق و الرحمة ) في قلبها ، والعطاء دليل عظيم على الرحمة والرفق .

أن النبتة أصلها بذرة ، ثم تراها تكبر لتغدو شجرة ذات ثمر يانع ، ثم الثمرة تعطي بذرة أخرى وهكذا حتى تغدو غابة ذات ظل وثمر . وهذا ما ننشده بإذن الله . وتذكر أن تعطي (  دولارا أو نصف دولار ) في الشهر خير من أن ( لا تعطي )  شيئا ، فلا تحقرن من المعروف شيء .


دمتم  بحـوراً  للخـيـر  و العطاء .





[1] - رواه ابن مسعود رضي الله عنه .

الاثنين، 16 مايو 2011

يامن تعود على النواح والهم





( قبل الرمي يُرَّاش السهم )
حكمة عربية قديمة









بصدق صرت أشعر بالغضب ، وأيضا بالسأم والضيق من كل هذا النوح والعويل الذي نسمعه هنا وهناك . قبل الثورات كانت هناك مبررات لبعض ذاك النواح ، وكأن النواح صار طبع يلازمهم ، أو ربما يظنه البعض وطنية . والآن وقبل أن يبحث المرء عن شيء ينوح لأجله ، عليه أن يصلح ما فسد .

إلى من يدْعُون إلى انتفاضة ثالثة في فلسطين ، أسألكم بالله بصدق :

هل هذه هي اللحظة المناسبة لذلك ؟

في الانتفاضتين احتاجت ( فلسطين ) بشدة  للعرب ـ رغم حال العرب حينها ـ و الآن من سيقف معها ونحن كل دولة ممزقة من داخلها و اضطرابات ، ستكون أجمل فرصة للصهاينة ليدمروا الفلسطينيين بأكثر مما كانوا يفعلون سابقا . ويتفردون بذلك بعيدا عن يد العون منا . ولو بأضعف الإيمان .

لا تُغالطوا في الحقائق أنفسكم . ولا تلقوا بالقوم إلى التهلكة ، ولا يعميكم كراهية الصهاينة وأعوانهم ، فتدمروهم ثم بعد ذلك تبكون وتنوحون ، وتكتبون الأشعار و تغنون الأغاني والأناشيد وكأن ذلك سيداوي ما أنكسر .

ولكم في ( نكسة 1967 م )  العبرة أن كنتم تفقهون . أنظروا الفرق بينها وبين ( حرب أكتوبر 1973 م ) . أقرءوا التاريخ و أبصروا .


أن اندفاع البعض و حماسه يجعله لا يبصر الحقائق ، الواقع ليس مجرد شعارات حماسية وقصائد اندفاعية ، فأبصروا ويكفينا دمار و فتن . نريد أن نلتقط أنفاسنا ولو قليلا من كل هذه الهموم والأعباء .

أنظروا حال ليبيا ، من نفع أهل ليبيا وهم يواجهون الخوف والذعر والموت .

أليست هناك رحمة ورفق بالنساء والأطفال ؟

ألا تتصورون الخوف والذعر والحزن الذي يعيشونه الآن ؟

ألا تفهمون ما معنى أن يفقد الإنسان الأمن والآمان في وطنه ، وأن لا يجد المرء ملاذا يلوذ به ؟

الحماس أن رافقهُ الاندفاع يكون مجرد حماقة .

إياكم و الاندفاع فأن عواقبه وخيمة ، وتكفينا هذه الفوضى ، علينا أن نلملم ما تبعثر ، علينا أن نبصر أكثر وبعمق ، علينا أنتدبر ونعيد النظر في أمور كثيرة ، حتى في الثورة نفسها . العاقل من يعرف متى عليه أن يتوقف ، ومتى عليه أن يعيد النظر في مواقفه وأفكاره .

تغيير الأفكار والمواقف ليس عيبا ، بل هو عين الحكمة ، لأن على العاقل أن يكون حيث يكون الخير و حيث يكون الصواب ، فإن كان الله قد أعطانا العذر في ذلك عندما يحلف الإنسان يمينا فيرى غيره خير مما حلف عليه ، و يأمرنا أن نتوجه حيث الخير ونكفر عن يمننا ، فكيف في الأمور العادية الدنيوية.

دعوا التحريض الذي على غير هدى ، ودعوا الحماس المفرط الذي يلقي بنا إلى التهلكة ، دعوكم من الفتن التي ننجر إليها من حيث نعلم ولا نعلم . أنظروا إلى عواقب الأمور أولا . وتدبروا الأمور .

أبصروا يرحمكم الله و تعقلوا ، فوالله يكفي ما بنا .

ولا ينزغنكم الشيطان ويزين لكم الأمور ، فتنساقوا وراءها على غير هدى أو بصيرة . وتذكروا أن هناك رقيب عتيد . وأن الحياة لم يجعلها الله فوضى ، بل لكل شيء سبب وسبيل ، ولكل أمر عُدٌّة تُعُّد له قبل الشروع فيه ، لذا كان النبي يوصي ويقول : ( أعقلها وتوكل ) . وما عَقْلُها إلا الأخذ بالأسباب والنظر في العواقب .



وأخيرا ..

فالقلب يمتلئ غضبا وحزنا وأسفا حين يرى أنَّ ما كنَّا نرى فيه الخير لم يكن سوى شر خفي ، أعمانا الاندفاع والحماس فصرنا إلى ما صرنا إليه .

حتى صار البعض يترحم على الدكتاتور و أيامه ، ويراها جنة . أن كنتم تبحثون عن ثورة ، فلتقودوها ولتشعلوها ( ولكن ) على أنفسكم أولا ، ( فكما تكونوا يولى عليكم).



الجمعة، 6 مايو 2011

مُؤْنِس الرُّوح - نسخة منقحة ومزيدة








هذا كتيب أنتهيت من العمل فيه ، وأنه لوجه الله الكريم أسأله أن ينفع به عباده ، وأن يجعله حجة لي لا عليَّ .

قسمته على عدة عناوين و هي كالتالي :

مقدمة

الاستغفار ، كنزٌ عظيم

مما يؤنس الروح الصدقة وبذلها

حُبُّ الله

هل تعلم ما هو أعظم دليل على حُبنا لله ؟

التوبة

الدعاء

فوائد

هل تريد الفوز بالجنة ؟

من أجل أن يحبك الله

هل تدري ما حلاوة الإيمان ؟

كيف تتمسك بالحبل المتين ؟

ليستجاب دعاءك

لماذا تحزن ؟

أسماء الله الحسنى

شِعْر في الحب الإلهي




لطفا أخوتي أطلعوا عليه فوالله الذي لا إله إلا هو ما أريد به سمعة ولا غيرها من أمور الدنيا غير أن ينزل ربي رحمته سكينة وطمأنينة على نفوس أخوتي في الله ، و أسأله سبحانه أن تنتفعوا به ويجعل لكم الخير وينزل عليكم السكينة والطمأنينة .


ولكم كامل الحق في نشره أو أهداءه من أحببتم من معارفكم أو أصدقاءكم أو أهلكم أو أحبتكم ، وعسى أن يجعل الله لكم في ذلك أجرا ، فالدال على الخير كفاعله .

تنبيه :


نظرا لما كان في النسخة السابقة من أخطاء مطبعية كثيرة ، فلقد أعدت مراجعتها ، وقمت بتنقيحها وزيادتها ، ولكن مهما كان فلابد من وجود خطاء هنا أو هناك فأعتذر عن ذلك .

وأرجو لمن قام بتحميل النسخة السابقة أن يعيد تحميل النسخة الجديدة ، فلقد قمت بتحديث الروابط .

نفعكم الله بكل خير ، وجزاكم الله عظيم الجزاء .



هذا هو الرابط :


الثلاثاء، 26 أبريل 2011

أنعدام الوعي السياسي عند الشعب العربي




" من نظر في العواقب سلم من النوائب "

حكمة عربية




أن ما يدور من أحداث فيما أعقب ( ثورة الشعب العربي ) على حكامه تأكد على عدم الوعي السياسي لدى هذا الشعب ، وهذه للأسف الشديد هي الحقيقة .

وعلى الرغم ما رأينه ـ مثلا ـ من وعي جميل تألق به ( الشباب التونسي )  و( الشباب المصري ) أثناء ثورتهم نجد أنه ما أعقب الثورة كان مخيباً للآمال بصدق ، وذلك يعود لعدة عوامل :

-    الشعور بالظلم المكبوت لسنوات طويلة الذي تذوقه هذا الشعب من حكامه جعله لا يحمل ثقة لأي سلطة كانت .
-    عدم وجود قيادات حقيقية سبق لها ممارسة السلطة ، إلا قيادات قليلة يمكن وصفها بأنها مقبولة من جانب الشعب وهي في الغالب قيادات مارست السلطة بشكل هامشي بحكم الوجود الدكتاتوري للسلطة وكذلك كانت ضمن فلك السلطة السابقة المرفوضة من الشعب وأن كانت قد ظهر منها من مواقف في أثناء وجودها في مناصبها ما يجعلها مرحب بها من الشعب .
-    الوهم الذي عاشه الغالبية الساحقة من الشعب المشاركون للثورة ، فللأسف الغالبية الساحقة تعيش وهم أن الثورة هي عصى سحرية وبمجرد أن تتم سيتحول الوطن إلى جنة النعيم ، وهذا أمر لا يقبله عقل ولا منطق . فهناك من التراكمات السياسية و الاقتصادية وحتى الاجتماعية ما تحتاج لسنوات لأزالت أثارها حتى لو تسلم السلطة أشرف الناس وأذكى الناس ، لكن للأسف الشديد يتناسى الشعب هذه الحقيقة أو يتجاهلها أو أنه يجهلها .
-    يظن البعض أن السلطة والحكم أمر هين سهل ، وما هو إلا برتوكولات و قوانين و برستيج فقط ، ولا يعلمون أنه حمل ثقيل ، وهم طويل ، وتفاصيل مملة تأخذ من المرء عمره وتصرفه عن حياته . وأن أردت أن تفهم ولو جزء مما تعنيه مسؤولية الحكم أنظر لمسؤوليتك لعائلتك ، فرب الأسرة هو مثال صغير جدا لحاكم الدولة ، أنظر مدى الضغط النفسي الذي تتكبده والإرهاق الجسدي الذي تناله ، قد يقول قائل لكن الحاكم يأمر فيتم له ما أراد ، صحيح ، ولكن ليس هذا دون تكبده العناء والمشقة النفسية التي تنعكس على راحته وصحته الجسدية ، حتى وأن لم يكن عادلا أو نزيها ، فأنت كحاكم تتعرض لضغوط كثيرة داخلية وخارجية ، وبأشكال شتى ومخاطر جما ، بالإضافة إلى الارتباطات المختلفة التي تظهر في الإعلام أو لا تظهر ، فحياة الرئيس أو الملك ليست تمجيد وحفلات و بهرجات فقط و أنما هناك خلف الستار أشياء كثيرة وخبايا عظيمة تدور يجهلها أكثر العامة .
-    صرنا نرى المظاهرات و الاعتصامات و قد غدت مجرد موضة ، أو أسلوب لهو ، والمضحك أن مسألة وجود أبطال أوجدتهم ظروف الثورة صارت تستهوي كثيرين ممن ليس لديهم أي فكر أو أهداف أو أيدلوجيات سياسية واضحة ، أنما رأى الناس ففعل مثلهم ، وقد رأينا من الناس من صار يفرض اعتصامات لأجل أمور سابقة لأوانها أو أمور تافهة أو أمور غير منطقية يطالب بها الدولة كالذي ما صدق أن وجد نفسه ذا هيبة فقرر أن يرعب بها من هابه ، شأنه في ذلك شأن الطفل الذي استهواه أمر فصار يكرره حد السأم . وهذا يظهر بجلاء مدى اللاوعي السياسي في الوطن العربي .
-    أن الوجود السلطوي السابق لم يعطي مجال بممارساته القمعية و المحسوبية والفساد لم يعط مجالا لوجود ( وعي سياسي ) لدى المواطن ، لذا أدرك الشعب بعد الثورة حقيقة مُرَّة ، وهي أنه لا ( مرسى حقيقي )  ليرسوا عليه الشعب بعد ( طوفان الثورة ) ، وكأنما ألقي على شاطىء صحراوي عقيم ، لا شجر ، و لا ظل ، و لا ماء ، و لا أرض ثابتة يقفون عليها ، ولم يعي لها إلا القلة ممن حباهم الله بعقول عاقلة وحكمة ، لذا فعليكم أن تعطوا مجالا لأنفسكم وللسلطة لتستطيعوا إيضاح معالم الأمور و بناء المسالك الثابتة للخروج من الأزمة .

أيها الشعب العربي أن لم تعطي من عينته  مساحة  و مندوحة من الوقت حتى يُظهر جدارته من عدمها فأنت لن تنال إلا الخسارة المضاعفة من تعطيل مصالح الدولة وتدمير اقتصادها معينا بذلك عدوك وعدو دولتك على دولتك من حيث تدري ولا تدري .

حقيقة أنا ضد الاعتصامات والمظاهرات ، لكنها كانت ضرورة في حينها أما الآن فيجب أن نظهر وعيا أكبر ونعطي مجالا أوسع لمن أوجدناهم بقوتنا في السلطة . فالآن آن أوان استخدام سبل أخرى لتحقيق مآربنا منها البرلمان المنتخب ، وصدقوني فالسلطة فهمت أن الشعب ليس رماد لذا هي تعلم علما يقينا أنها أن عادت لما كان فيها أسلافها من تسلط ودكتاتورية فسينالها ما نال أسلافها .

أحبتي  وكما جعلتمونا نفخر بتضحياتكم ووعيكم أيام محنة الثورة فأنتم أجدر أن تجعلونا نفخر بوعيكم السياسي في هذه المرحلة الأصعب ، أوطاننا مجروحة بل محطمة فلا تكونوا عونا على أوطانكم وتكون بذلك يدا مع عدوكم عليكم فتكونوا كالذين يخربون بيوتهم بأيديهم ، الآن هو وقت الصمود الحقيقي و ( العطاء الحقيقي ) ، الآن ( وقت الإنجاز ) أكثر من أيام الثورة . صدقوني أنتم تخوضون في ( فتنة ) من حيث لا تدرون فأن مضيتم في عزمكم هذا ستظهر لكم تجليات هذه الفتنة وستمضون في طريقٍ الرجعة منه لن تكون سهلة ، وستقعون فيما لا يحمد عقباه .

فوالله أن النفس ما عادت تحمل من التفاؤل اتجاه الثورات العربية التي لم تُحسم بعد ، وصرنا نتوجس خيفة أن الحال لن يكون أفضل مما نراه في تونس ومصر وربما ليبيا ـ لا قدر الله ـ و أن مصير ( الفوضى ) هو الذي ينتظرها .

وأسفي أشد الأسف على ( ليبيا ) و ما آلت إليه ، فهل لتتخلصي من جبروت القذافي تأتين بالعدو لدارك يا ليبيا يا أرض المجاهدين ؟  لا يمكن لأحد أن يقول أن جلب الغربيين ضرورة فالعاقل يعلم ( أن الذئب لا يُهرول عبثا ) والغرب لا يأتي إلا لمصلحة وويل من تكون للغرب عنده مصلحة ، أن مجرد استخدام السلاح من قبل الثوار جعل الثورة وشرعيتها شيء مكروها عند الغالبية الساحقة في الوطن العربي ، فوالله لقد سمعت الكثيرين ممن يبتهلون إلى الله حين رأوا أمريكا تتدخل قالوا : ( يا رب أنصر القذافي ) فأي مرارة يستسيغها القلب التي تجعل الناس يتمنون النصر للجبار إلا خشية من هو أشد جبرا وبطشا منه ؟ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

أن ( الوعي السياسي )  ليس بالمعادلة الصعبة ولا المستحيلة ، أن كل ما يحتاجه الوعي السياسي هو :

·       الحب المخلص للوطن .
·         التفاني  لأجله  .
·        التخلص من الأنانيات وحب الذات  .
·        أن تعي  أن الوطن ملكك أنت  ، وملك لأهلك وأبناءك .
·    وأن الوطن هو بيتك الكبير ، وأن حبه يجب أن يسمو فوق كل فرد فوق كل مصلحة ، وهذا بدوره يفتح بصيرتك للمسلك الصحيح الذي يجب أن تسلكه . الوعي السياسي لا يتطلب مجرد دراسة للعلوم السياسية أو القانونية أو الاجتماعية أو اقتصادية ، رغم أننا لا نقلل من أهمية الوعي بهذه الأمور لأنها تجلي الأبصار .

أخيرا ...

يكفي الوطن ما به من حُطام ، ولا يغرنكم أصحاب العقول الصغيرة قصيري النظر ، ولا يغرنكم الطامعون في السلطة الطامحون للمجد على حساب الوطن .

أرجوكم أخواني أمنحوا الوطن السلام و أمنحوا أنفسكم ، فوالله مما رأينا من أحداث أعقبة الثورة في تونس ومصر وليبيا خصوصا جعل أنفسنا تمقت الثورة بعد ما كنا نراها خيرا ، ولكنها جاءت شرا لأنها لم تجد المخلصين ليمضوا بسفينتها لبر الأمان.

اللهم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم أسألك بعظمتك ورحمتك يا رب أن تقي وطننا العربي الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن تنشر السلام و الطمأنينة وأن تعيد له الأمن والأمان ، و أن ترزقنا بفضلك الازدهار والعزة ، اللهم بعزتك آمين .




الجمعة، 11 مارس 2011

إلا خيانة الوطن



بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزة

 و أهلي و أن ضنُّوا عليَّ كرامُ
بيت شعر عربي مشهور





( الخيانة )  لفظ  ذا وقع قوي على النفس قبل الأذن ، ففي حياتنا الشخصية يؤدي وقوع الخيانة إلى ( تدمير الثقة )  بين الأفراد والعلاقات بينهم ، حتى لو اقتصرت الخيانة على عدم الإيفاء بوعد أو عهد ، ناهيك عن أن تؤدي الخيانة إلى تدمير حياة إنسان أو أهانته وجرح مشاعره .

هذا فيما يتعلق بنا كأفراد ، أما ( خيانة الوطن ) فهي أعظم وأكبر مما تحتمله أي نفس ، ويكاد يجمع البشر على مقت الخائن ، فكل فعل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن ؛ فإننا لا نستطيع أبدا أن نجد لها مبرر ، أينّاً كان السبب الذي يدفعك لهذا الفعل المشين فهو أبدا لا يشفع لك لتبيع وطنك و تغدو في عرفه خائن .

مهما اختلفنا في أفكارنا أو عقائدنا أو مبادئنا ، مهما ظلمَنَا بني أبينا ، و قومنا ، و أهل وطننا الواحد  فهذا أبدا ( لا يمكنه )  أن يبرر لنا خيانة الوطن .

ثلاثة صفات أحداهن لا يكون إلا بالأخرى : ( الغـدر ، و الخيانة ، و النفاق ) . فالغدر يتطلب الخيانة ، و الخيانة تتطلب النفاق ، و جميع هذه الصفات هي من أقبح و أرذل الصفات التي قد تجتمع عند إنسان .

حتى أقبح الناس صفات يكره ويمقت الخائن و يزدريه ، لأن خيانة الوطن تعني عدم المروءة  بالضرورة ، والإنسان الذي ( لا يملك المروءة  ) يمكنه أن ( يبيع عِرضهُ  وشرفه ) كما يمكنه أن ( يبيع وطنه )  ، لأن الوطن هو بمنزلة العرض والشرف للإنسان . ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه و شرفهُ ببساطة .

قد أختلف مع الحاكم وقد أمقته وأمقت حكومته ، قد يظلمني وطني ، قد أحيا غريبا فيه بسبب ما ألقاه من أبناء قومي وأبناء جلدتي ، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر ( يبرر لي خيانة وطني )  . أنه ( العار ) نفسه أن تخون وطنك ، أنه عار لن يكتفي أن تلبسه وحدك بل حتى جميع أهلك وذريتك ، سوف ينظر لهم الناس شزرا ، سوف يزدرونهم ، ( ليس لأن الناس أشرار )  ، بل ( لأن الجرم الذي اقترفته عظيم ) ، وعظيمٌ جدا ، لذا فأنت به تظلم نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك ، وما من شيء يغفر خطيئة خيانة الوطن ـ  للأسف ـ  ما من شيء أبدا .

حتى ( من تخون وطنك لصالحهم ) ، ينظرون إليك كشخص ( حقير ) ، هم لا يثقون بك ولا يحترمونك بينهم وبين أنفسهم وأن أظهروا لك الاحترام ، فأنهم يبطنون المقت و الازدراء لك ، فهم يعلمون أنه لا يمكن لعاقل أن يأمن الخوان ، و من يبيع وطنه يبيع أوطان غيره بسهولة . ومن هان عليه وطنه ، تهون عليه أوطان الآخرين .

ولن نذهب بعيدا في التاريخ حتى لا نزعج الأموات في قبورهم ، وسنكتفي بذكر الأحياء . فها هو ( أنطوان لحد ) صاحب جيش لحد ، مليشيا عسكرية قتلت اللبنانيين وروعتْ الآمنين منهم لصالح الكيان الصهيوني ، وحين أنسحب الصهاينة من أرض لبنان الطاهرة ، ( تخلوا عن عبدهم الخائن ) علنا لهم ، تخلوا عنه تماما ، ولم يقبلوا حتى منحه اللجوء إلى كيانهم الغاصب . حتى اليهود يمقتون الخائن فما بالك بغيرهم .

أخيرا ..

يذهب كل شيء و ( يبقى الوطن )  ما بقيت السماوات والأرض ، ومهما كان عذرك للخيانة ، فــ ( لا عاذر لك )  ، والوطن لا ينسى من غدر به وخان ( سراً أو علناً ) فالخيانة تبقى خيانة ، وجه قبيح لا يُجمله شيء ، وأن صَفَحَتْ السُلطات عن خائن ـ لحاجة في نفسها ـ  فالوطن و التاريخ لا يصفح أبدا ، و يظلان  يذكران  الخائن حتى بعد موته . فهما ( لا  يغفران  لخائن ) أبدا .


يقول الشريف قتادة أبو عزيز بن إدريس :

بلادي وأن هانت على عزيزة
ولو أنني أعرى بها و أجوعُ

ولى كف ضرغام أصول ببطشها
و أشرى بها بين الورى و أبيعُ

تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفى بطنها للمجدبين ربيعُ

أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى
خلاصا لها ؟ أني إذن لوضيعُ


الثلاثاء، 8 مارس 2011

عجبا لأمركم !!




( يا ماخض الماء عدمت الزبد )

حكمة عربية قديمة






أن يخرج ( المجتمع العُماني )  عن صمته هذا شيء رائع ، وخاصة أن هذا المجتمع دائما ما كان يعرف الثورة عبر أتباع قائد يتم انتخابه ، ليقود هو المسيرة والناس معه بالروح والمال ليُفني الظلم في أرض عُمان الطيبة . طبعا بحكم أن الظالم عادة ما يستخدم السلاح ـ سواء كان ملك ظالم أو استعمار جائر ـ فكان المجتمع وقائده المنتخب يحمل السلاح أيضا ، وفي النهاية يقضي على الظلم فما قامت عُمان مشمرة لدرء الظلم إلا ونفضته عنها لتعود لوداعتها و سكونها ثانيةً .

هي أول خروج ـ غير مسلح ـ  لرافضي الظلم والفساد الإداري في عُمان شهدناه في مسقط ، و صحار ، و صور ، و صلالة ،  والبريمي ، وغيره من المناطق ، ووجدنا ردت فعل جميلة من السلطان ( قابوس )  ، أول سلطان من ( آل بو سعيد ) تتوحد عُمان تحت لوائه وأول سلطان من آل بو سعيد يكاد يتفق عليه العُمانيون ، لكنه في سنواته الأخيرة سلَّمَ ( الخيط و المخيط ) ـ كما يقال ـ  لوزرائه و أعونه ، والذين صار كل واحد منهم أشد ثراءً من الأخر وأكثر فلسفة في تقديم الحلول للفقراء من أهل عُمان ، و ليس أخر من قدم لنا الحل الفريد للغلاء هو رئيس ( غرفة تجارة وصناعة عُمان ) سعادة ( خليل بن عبدالله الخنجي ) ذلك الثري حتى البشم ، حيث ينصح سعادته الشعب العُماني بـ ( استخدام ملعقة سكر واحدة في الشاي بدل اثنتين ) وذلك في لقاء متلفز له في شهر رمضان قبل الماضي ، نصيحة ثمينة حقا تشبه كلمات ( ماري أنطوانيت )  ملكة فرنسا التي قالت للشعب الذي خرج يطالب بالخبز قالت : ( فليأكل البسكويت ) . يحق لك يا سعادة رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان .

وبعيدا عن ( الخَنجي ) ، أجد أن الإعلام العُماني أذى آذننا وهو يقول ( منَّا ) و ( تفضل ) و ( تكرم ) ، غريبة ! أليس هذا وطننا ؟!

أليست الثروات هي ملك للشعب ؟!

أليس السلطان و الوزراء وأعضاء الحكومة هم خدام للشعب ومصالحه ؟!

أليس ذلك واجب السلطان ، وحق للشعب ؟!

ما نعرفه في المن والتفضل والتكرم حين تكون من لدن المُعِطي للمُعَطى ، وليس من جيب المعُطَى يتفضل به المُعِطي . من أرد أن يمن ويتفضل فليعطي من جيبه لا من جيب غيره .

وإلى المحتجين المعتصمين . نعم نريد الإصلاح ، لكن أتسأل أولئك الذين يطالبون بـ ( دستور تعاقدي ) متجاهلين تماما التكوين المجتمعي لعُمان ، وحقيقة غياب الوعي السياسي الشعبي العام فيها ،

عن أي دستور تتحدثون ؟

و باسم من تطالبون به ؟

أنتم حتى لم تقبلوا يوما النقاش الحقيقي البنَّاء عنه ؟ فكيف سأقبل بشخص لا يقبل النقاش العادي ؟ كيف سيقبل انتقادي لسياساته غدا ؟!

هل شرحتم لعامة الناس ما تعنونه بالدستور التعاقدي ؟

هل أقمتم دراسات علمية توضح الكيفية و الماهي التي سيكون عليها ، و الآلية للعمل به ؟

أشخاص معدودين يثيرون زوبعة لا تعدوا حجم قُطر فنجان ، ليقدموا مطلبا ليس بالهين ، ويقدمونه باسم الشعب ، شعب لم يخولهم ، شعب لا ناقة له في معمعتهم تلك ولا جمل .

أولئك الأشخاص لا يرقون لمستوى مفكرين سياسيين ولا حتى اقتصاديين ولا اجتماعيين ، فعلى أي أساس قُدم طرحهم ، كيف أثق في أناس لا يملكون أيديولوجيات واضحة ، ولا أهداف ولا استراتيجيات . ولسوا أصحاب فكر حقيقي ؟ ، حتى انتقاداتهم للحكومة جاءت من باب ( مشاكل خاصة ) بهم وليس دعما للوطن ولا من الوطنية الخالصة ( ولا أقصد هنا الانتقاص من أخلاصهم للوطن ) ، ما أعنيه أن الذي حركهم هو ليس فكرهم المتوقد ولا حب الوطن والحزن على وضعه بل ( قضايا شخصية ) و هم معروفين بالاسم ، فكيف لي أن أسلم لأشخاص هذه هي كيفيتهم ؟ .

لا تتحدث عن نفسك بعلمك بنفسك ، فأنا لا أعرفك ، قدم لي أعمالك وفكرك حتى استطيع أن أخوض معك ولو نقاش عادي بسيط  و أنا مطمئن ، ناهيك عن أن أسلمك قدري كمواطن .

السياسة ( مثل النار )  أن لم تحسن توجيهها تدمر ، ولا تكتفي بتدمير نفسها بل تدمر كل ما تطوله .

شخصيا لا أؤمن لا بدستور تعاقدي ولا بملكية دستورية ، وأعارض ما يحدث من فساد وسوء إدارة لموارد الدولة وظلم للناس على كافة الأصعدة . ولست من عبدة السلطان ، أن ما أطالب به كمواطن هو العادلة الاجتماعية والتنمية الحقيقية التي تستهدف الإنسان ، وحق المواطنة الكامل .

وإلى الذي يتباكون على بعض الأسماء التي تم إزاحتها من مناصب حسبناها لم تخلق لغيرهم ، على ماذا تبكي ؟

على رجل فاسد ( ولن أتطرق لحياته الشخصية فذلك شأنه ) عن شخص حوَّلَ موارد الدولة و المال العام ليصبح سلطانا مع السلطان بأن أنفق من ميزانية الدولة على رفاهه الخاص  حتى ظننا أنه هو السلطان الحقيقي لعُمان وليس قابوس ، ومن فرط هذا  سرى بين الناس أنه هو من سيرث عرش السلطان بعد رحيله لأن العائلة المالكة لن تتفق .

رجل وجه أموال الدولة ومناصبها لخدمة أبناء قبيلته الواسعة الانتشار ، حتى المجالس العامة ( السبلة ) لقبيلته في مناطق تواجدها تظنها قصرا لا مجرد ( سبلة ) ، ناهيك عن المناصب الرفيعة في مناصب حساسة حتى يكاد يظن المرء أن الرجل يُعدُّ لانقلاب ، وليس مجرد محسوبية وفساد إداري ، فأي طيبة بعد هذا تأتي لتتحدث عنها لهذا الشخص ، ماذا تفيدني طيبته ؟! وأنا مواطن مسلوب الحقوق وهذا الرجل يوزع المال العام لقبيلته وأهله وأتباعه وأصدقائه ومثلها المناصب والعطايا وحفلات الآُنس .

أخيرا ..

من يدعي الديمقراطية عليه أن يكون نفسه ديمقراطي ، لا تطلب أمرا أنت تفتقده ، ففاقد الشيء لا يحق له أن يعطيه أبدا .

ولا تتحدث بلسان من  لم يخولك ، فأنت لا تملك الحق أن تستغل خروج الناس للمطالبة بحقوق عامة لتطلب حقا ليس وراءه سوى حب الشهرة والظهور وحب السلطة .

وتعود أخي أن لا تكون مجرد ببغاء تردد ما تسمع ، فيقال لها : ديمقراطية . قالت : ديمقراطية . لاهي تعي ما تقول ولا تفهم مغزاه .