الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

ابْكِ أيها الوطن الحبيب



" فَتَناثَرَتْ دُرَرُ الشؤونِ على
خَدِّي   كما   يَتَناثَرُ   العِقْدُ

لَهْفي على دَعْدٍ وما خُلِقَتْ
إلاّ   لِطولِ   تلَهُّفي دَعْدُ "

ذو قلة المنبجي ، شاعر عربي  .







ماذا أقول يا وطني الحبيب[1]  ؟!   و أنا أعلم كم يحمل قلبك العظيم من الأسى ، و كم يتألم تُرْبُكَ الطهور من رجس خطواتهم . ابكِ أيها الوطن الحبيب  ،،   فما زال البشر منذ العصور القديمة لا يُجِيدُون حلَّ قضاياهم  إلا  بالشتم  و سفك الدماء  و الدمار . و أصوات  العقلاء  الرخيمة  الحكيمة  تضيع  وسط  ضجيج  الدهماء .

ابكِ يا وطني الغالي ،، فحقٌ لك البكاء ، فمنذ سنتين و نحن لا نسمع إلا مقطوعة الموت الصاخبة  .  جميعهم  يرفعون ( قميص عثمان ) ، فجميعهم ( معاوية )  و غاب (عـلي ) عن الميدان .

ابكِ يا وطن  ،،  فإن الحزن العظيم  جَثَمَ على صدرك فأخرسك  . ابكِ يا وطني الحبيب  ،،  فكلهم ضباع  تهرول  نحو  جرحكَ  النازف ، سواء  المتربعين على  السلطة  باسم حاكم  أو الصاعدين  باسم  الوطنية  .  تحجبهم أنانياتهم عن الحق .

كم نقرع الأسنة ندما على سعادة أطلقنها يوم ثار الشعب بالحق . فقد أنستنا نشوة السعادة غباء القوم . و أطماع الخونة ، وتربص العدو الذي لا يمكن له أن يدخل أوطاننا إلا بترحيب الخونة منا . قبح الله أعذار ساقوها ليدخلوا عدونا لدارنا ، و قبح الله دهماء  سارت خلف الخائن بجهل منها تردد ما يقوله .

ابكِ يا فداك جميعهم   ،،   فقد صَدَّقْنَا أن هناك (  ثُوَّار ) . و تفاجئنا أنهم (  ثِـيران ) . و ما أغبى الثيران حين  تتصارع  . ليتسلى الجمهور التَرِف . ثم يكسب أحد أولئك المترفون  أموال الرهان بينما تسيل دماء ( الـثَّـور )  أو  يموت .

ابكِ  يا وطني الحبيب  ،،  جميعهم يدَّعُون أنهم  وطنيون و الآخرون خونة و متمردون ، جميعهم يدعون أنهم على حق و الآخرون ظالمون ، جميعهم يبررون  وحشيتهم و بربريتهم  ، و جميعهم يعتبرون موتاهم شهداء و موتى الآخرين في الجحيم  . ضعنا  يا وطن لا  نعلم  وسط  كل  هذا  إلا  أنهم (  جميعا  كاذبون ) .

ابكِ أيها الوطن العظيم  ،،   فقد اثبتوا أن الوطن لهم مجرد (  لعبة ) و أنهم لا يمكن أن يحكمهم إلا جبار ، كل واحد منهم يسعى لإثبات تهمة الخيانة على أخيه ، و يسعى لزيادة أضرام النار . ولا أحد يسعى لإصلاح ذات البين . أصبح الشتم  و تبادل التهم هو البديل للبناء والإصلاح ، و أصبح هذا هو شعارا لحبهم المزعوم و  الكاذب لك .

ابكِ أيها الوطن الغالي  ،، كل ( إمارة ) فيك تسعى لتكون ( دولة عظمى ) على بعضها بينما هم مجرد ( شركات )  و ( بقرات حلوب )  أمام أعداء الوطن . و حكام يرى كل منهم نفسه إمبراطوراً  ، ( أُسُودٌ ) على بعضهم وعلى شعوبهم و ( نعام ) على أعداء أمتهم  ، يعينوه عليك أيها الوطن  . تنقصهم الرجولة  و المروءة  ليتكاتفوا لأجل نزع شوكة  من خصركَ الموجوع  ، و تنقصهم ليكونوا عادلين  ،  بينما يتكاتفون لجلب العدو لك ليملكوه خناقك . ليحسب عليك وعلى أبناءك أنفاسهم و أنفاسك .

ابكِ أيها الوطن العربي  ،، يا عشقي العظيم  ، شعب كل قِـطْرٍ فيك  يرى  نفسهُ ( ملاكا) في الجمال ، ( نبيا )  في الصفات ، و يرى أخوانه في الأقطار الأخرى (مسخا )  في القبح  ، و  ( شيطان ) في الصفات و الخصال .  وحين تحل بها مصائب ، قالوا : أين العرب ؟ أن العرب متخاذلون  . و حين يتحدث عربي بصوت المخلص ، قالوا :  ما دخلكم بنا ، و نحن في وطننا أحرار نفعل ما نشاء .

اقتلوا بعضكم  يا ( أهل مصر ) ،  لأجل أن يحيا ( العسكر )  و ( الإخوان ) ماجدين . واقتلوا بعضكم يا ( أهل سوريا )  ليحيا ( البعثيين ) و ( المجموعات الكثيرة ) التي تحمل سلاحها ضد البعثيين ماجدين ، واعلموا أن مصيركم كمصير ( مِصْرَ ) بل والله انه كمصير ( العراق ) و سأذكركم بذلك قريبا جدا . ستكفرون بعض ، وتقتلون بعض ، لأن (الكعكة ) لن تكفي جميع الطامعين المتسلقين ، و الخونة الغادرين ، و أنتم حينها ستظلون كما أنتم الآن ( تنزفون الدماء ) ، وتشربون مُرَّ الدموع  ،  أعلم أنكم ( صم  بكم عمي ) ، و أنكم  ( لا تبصرون ) . و أعلم انك ستكذبون وتكذبون إلى أن تصدقوا أنفسكم ، و قبل أن تصدقوا ستصعقون بصواعق ( الموت ) و ( الفرقة ) التي لن تنتهي قريبا ، وستبكون و تتباكون .  دوروا حول أنفسكم ، و كرروا  نفس القصة . الطامعين و الحكام  لن  يرحموكم  . و الحل  ( بأيدكم  وحدكم ) . و انظروا إلى تاريخ من سبقكم لعلكم تعقلون  . { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }[2] .

مات أجدادكم نضالا ضد ( الاستعمار ) ، و انتم اليوم تسلمونهُ الوطن بدون تعب . ثم يخلف على الكراسي طامعون يتقاتلون و انتم ( وقودهم و أيديهم ) ، و في النهاية انتم الخاسرون في  كلا الطرفين . و  سادات المتخاصمين  هم الرابحون مهما كانت النتائج  . ستباع دمائكم باسم اتفاقيات سلام ليس فيها أي جديد ، ولا يراد منها تحقيق السلام و أنما يراد منها مكاسب أولئك السادات .  سيذهبون لتوقيعها سينالون هدايا و إكراميات  ، وهم أساسا مرتاحين يلبسون و يتمتعون ، و أبنائهم في أمان فارهين .

لا اعلم يا وطني من هو الظالم  و من هو المظلوم فقد ضعت مثلك بين الحاكم والمحكوم ، و أنا ضعيف قليل الحيلة لا أقوى على فعل شيء ، و قومي لا يسمعون ولا يرون  .لكني مثلك أعلم  أنهم  كلهم كاذبون ، الحاكم و من يدعي الوطنية ، و بينهم ( ثعلب )  يُـذْْكِي النار لتزداد وهجا ، يكِـرُّ و يفـِرُّ دون أن يراه احد .

 ابكِ يا وطن  ،،  حاكم غبي لا يجيد غير التعالي و الثرثرة . و خونة بثوب وطنية مزعومة . لم يتحدث احد عن كيماوي العدو ولا عن سلاحه و قتله . ليس لأنه لا يملك خونة  .  فما من وطن إلا و به ألف خائن . لكن يا وطني الخونة هناك في ديار العدو لا يجدون مهدا لهم ، و لا تسمينا من عدو بلادهم . بينما الخونة فيك يجدون ألف مهد ، و ألف مُسَمِّنٍ لهم . ويحهم أيُّ  وجوه قبيحة يملكون ؟! . يخونون ثم يدَّعُون أنهم  بَرَرَة  بكَ .

ابكِ يا وطني الحبيب  ،،  فأنت لست يتيما ، لكن أبنائك عاقون  . ابكِ  ،، فأن من يتصارع عليك هم الظلمة . و الشرفاء ( سُذَّجٌ ) يتبعون اللئام . ابكِ  ،، فكلٌّ يَدَّعِي أنه وَصِيٌّ عليكَ .  لكنهم كاذبون .  ابكِ ،،  فجميعهم يمزقونك و لا يأبهون لآلامكَ  . ابكِ ،،  فلا أحد يحزن لحزنك أنما يبكون مصالحهم .

أعلم يا وطني الغالي انك قد ضقت ذرعا بهم وبقبيح أفعالهم  . فكلا الفريقين قبيح . وأعلم أن الحاكم الغبي أحب إليكَ من الخائن الحقير . مع أنهم جميعهم خونة . كم هو قبيح مسعى الفريقين .

بل أقبح منه تلك ( الغوغاء )  التي تتناحر باسم هذا أو باسم ذاك . بينما أسيادهم ينعمون بالملذات ، و الأمان ، و الدفء ، والهدوء ، و راحة البال استعدادا لنيل المغانم التي سينالونها بالسير فوق جثث الأغبياء .

ويلكم كم من دماءٍ تنزف في الوطن ( باسم الوطن ) وانتم كاذبون . ويحكم  تقتلون بعضكم لأجل حقير هنا أو حقير هناك سيأتي لنيل المجد وحده ، وأنتم لن تنالوا إلا أثم الدماء التي تلوث أيديكم و أثم خطايا ( اقترفتموها بألسنتكم )  لدعم هذا أو دعم ذاك . قبيحٌ مسعاكم يا  ( أيدي الشيطان ) . تثبتون مِرَاراً أنكم مجرد  (  أعوان للشيطان ) ، و أنكم ( وقود النار ) بجهلكم .  تَدَّعُون السياسة ،  و الساسة من خلفكم يُقَهقهون من سذاجتكم  و  جهلكم  . تتناحرون  و العدو أمامكم  ينهب  وطنكم .

تكذبون بملايين الحجج لتبرروا  خطاياكم ، و تناسيتم بجهلكم  أن الله ( ديَّان ) . يا  أعمياء البصيرة قفوا لحظة وانظروا بعين الصادقين . بعين لا يعميها الغباء و لا الشيطان . بعين لا يشتت صفاء تركيزها نعيق غربان السوء المتقاذفة عليكم .


أواه يا وطن  ،،

لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى
و  لكـان   لــو عَلِمَ  الكلامَ  مُكلِّمي[3]


لا  تبكِ أيها الوطن العظيم ،،  لا  تبكِ يا عشقي الكبير ،،  فجميع مناديلي لا تكفي لمسح دمعة واحدة من دموعكَ . لا تبك أيها الجبار  ،،  فإني رغم الدجى الداجي أرى في أخر الحِنْدِسِ ضوء النهار . ستغدو ندوبكَ  في ذاك النهار جَمَالا يُزين جسمكَ الطهور كأكاليل الزهور و قلاداتها . سيصحو أبنائك من سُكْرِ الغرور ، و تنطفئ نار الفتن و عصبياتها ، لأن الحشائش الضارة لا تنتصر أبدا على ثَاراتِ الزهور .


اللهم أني أبراء إليك من كِلا الفريقين ، و من أعمالهما  . اللهم  اهديهم و احقن دمائهم وارفع عنهم غشاوة الحقد الشيطاني و وساوس ( المتسلقين )  و  ( شياطين الخونة ) الذين صدق ظنهم بقومي . اللهم أهدهم فإنهم لا يعلمون . اللهم ارزقهم إعْمَال العقل قبل نُطق اللسان ،  و قبل سعي الأفعال ، اللهم كُفَّ أيديهم  و ألسنتهم عن بعضهم . اللهم  آمين  رحمةً منكَ بنسائنا و أطفالنا .



[1] - عنوان المقال هو اقتباس عن اسم فلم جنوب أفريقي .
[2] - الشورى30
[3] - البيت من قصيدة عنترة بن شداد العبسي ، فارس و  شاعر جاهلي .