السبت، 12 ديسمبر 2009

عائض القرني بين حب المذهب وحفظ الحق






   و ما  انتفاع  أخي الدنيا بناظره
 إذا استوت عنده الأنوار والظلم

 أبي الطيب المتنبي ، شاعر عربي











والله أني أحب أهل العقل ، وأحترمهم وأن اختلفوا معي في رأي أو عقيدة ، ويزداد حبي أن كان عقلهم تصيغه مبادئ إنسانية سامية وخالطته الحكمة والأدب و الثقافة ، وهؤلاء قليلا ما هم .

فإن وجدت من هؤلاء في أمتي ـ وأن خالف عقيدتي ـ أبهجني الأمر ، و والله لا أقول هذا تمهيدا لموضوعي هذا و أنما هي عقيدة نشأت معي منذ صغري .

يقول أبو تمام :


                         من لي بإنسان إذا أغضبته
                         وجهلتُ كان الحلمُ ردَ جوابه
                         و إذا  صبوت  إلى  المدام
               شربت من أخلاقه ، وسكرت من آدابه
                         و تراه  يصغي  للحديث
                      بطرفه  و بقلبه ، ولعله أدرى به


عائض القرني داعية سعودي مشهور ـ  بعيدا عن مذهبه ، وماهية دفاعه عنه ـ  فإني دوما وأخواني نقرأ بعض كتبه وكنا أن وجدناه في برنامج أو محاضرة في التلفاز حضرناها ، ذلك لأسلوبه الشيق ، وأنفاسه المحبة المخلصة للأمة والدين ، وأنه لأمر لا يخفى على أحد ( على الأقل من خلال ما أعرفه عن الشيخ ، ولا أزكي على الله أحد ) ، أما اختلاف المذاهب فتلك أمور نسأل الله خيرها ونعوذ به من شرها ، وعسى الله أن يهدينا دوما لسواء السبيل .

حين تؤمن بمبدأ أو دين أو ثقافة وترسخ في ذهنك إلى درجة الاعتقاد قد يُعميك الأمر إلى درجة قد تظلم فيها من يخالفك بدون أن تعطي نفسك فرصة لمجرد النظر هل أنا على صواب أم خطأ .

وهذا ما يحدث في المذاهب والاختلاف فيها ، وأنه ليصل الأمر أن يناقشه غير أهل العلم والفقه فتجدهم يتفوهون بما يسئ لهم ولدينهم من حيث يدرون ولا يدرون ، وفي ذلك بلاء من الله عظيم .

ولا ألوم من تمسك بمذهبه ـ  ففي الحقيقية وبعيدا عن المجاملات لأنفسنا قبل غيرنا ـ  ليس لدينا ما يثبت صحة مذهبنا مقابل مذهب الأخر مع الاعتراف بأن هناك مذاهب فعلا جمحت عن الصواب أيما جموح . فلابد للمرء من عقيدة ومبادئ يؤمن بها ، وله في كل شأن رأي يتمسك به سواء سياسية أو دينية أو ثقافية وغيرها .

إلا أن الحكيم لا تعميه عقيدته ، فإن وجد أن ما يتمسك به ينقصه الصواب حاد عن الخطأ وألتزم الصواب ، ولا يبخس خصمه حقه أبدا ، فهو يعلم أنه أن كان للمرء مساوئ  فلابد أن تكون له محاسن ، وهو لا يصم أذنه ويتعامى عن الحقائق .

عود على الشيخ ( القرني )  دوما كنت أشيد بالرجل من حيث علمه وثقافته وأسلوبه الممتع ، وها أنا اليوم أجده يتحدث عن أهل بلدي المخالف لمذهبه وهو الرجل الذي دوما يذود عن مذهبه ، هو لم يتطرق للمذهب بل تحدث عن الناس وأخلاقهم وعلمهم ، فذلك شأن أهل الحكمة إذا أنهم لا يخلطون الحابل بالنابل ، ولم تعمه محبته وحرصه على مذهبه فلم يبخس القوم حقهم فيما استحقوه .
ومنذ أن عاد القرني من زيارته لعمان ما أنفك يذكر أخلاق القوم ، في مقالاته وفي مقابلاته وحتى في شعره ، وهو القائل في عُمان :


حـــديـــث الــشـــوق مـــتــصـــــل لــه
أســــانـــيــد مـــن حــــب وإجـــــــــلال
الـديـن والـجــود والأخــلاق حـاضــرة
ليــســت مــن الـيوم بل من قبل أجيال
أزد ومــجـــد وأبـــطــــال وأولـــــيـــة
وأمــــة مـــن حــضـــارات وأقــيـــــال
المــطـعــمـون إذا هــبـت شــئـامــيــة
والـطـــاعــمــون بــأرمـاح وأنـصــال
والـراكـبـون هـضـاب الـبحـر بـهـمـم
يـلـقـون هـول الـردى عـزما بـأهوال
سل عنهم البحر والصحراء وأندبهم
لـــكــشــف نـــائــبــة أو فتـك أغـلال
يــا مــزنــة عـبـرت غـراء صـادقــة
مـاسـت مع البـرق فـي ردن وأذيـال
جـودي بأرض عمان صـوب غـادية
كـونـي كـجـودهـم في رفـض نـزال


وأخيرا ...


أتمنى أن تكون في هذه الأمة حكماء علماء مخلصون ، فنحن أشد ما نحتاجهم لتنجوا السفينة و السفين . لا أذكر الداعية ( القرني )  هنا لأنه ذكر بلادي و أنما أريد أن يرى الشباب كيف يمكننا أن نسمو بفكرنا وهذا مثال .القرني بشر والبشر غير كاملون ، وأنا هنا أتحدث عن موقف لرجل له احترام بين شريحة كبيرة من الشباب من مذاهب مختلفة .




هذه وصلة للقرني وهو يثني على أهل سلطنة عُمان في برنامج في قناة إقرأ








تقبلوا فائق إحترامي




الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

الخصام والموت


" ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ،
 كانوا إذا مدّوها أرخيتها ، وإذا أرخوها مددتها ".

الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان .








نعيش في هذه الحياة في مجتمع ، و مهما كانت نوع شخصيتنا أكانت اجتماعية أم لا ، فأنه لابد لنا من أن تربطنا مشاعر ما مع البشر ، ولابد أن يكون في حياتنا أشخاص لهم منزلة طيبة في قلوبنا مثل الوالدين أو الأخوة أو الأصدقاء أو الأبناء أو الزوج أو الزوجة .. إلخ .

لكن الحياة لا تمضي بصفاء دوما ، فلابد أن يعكر صفوها كدر ما ، فهذا من المسلمات المفروغ منها ، لكن هل نقف عند هذه المسلمات ؟؟
تمضي الأيام ونحن نأمن غوائلها ، وفجأة تكر علينا بمصائبها ، فجأة تجد نفسك قد سلبك الموت شخص عزيز غالٍ ، والموت زلزال يهز كيان البشر ، فيعمل الحزن الذي يملأ  قلبنا حينئذ على إعادة شريط الذكريات مع ذلك الإنسان الذي فقدناه ، كل الذكريات : الخير والشر ، السعادة والحزن ، الخصام والصلح ، ثم نتوقف كثيرا ـ بغير إرادة منا ـ مع تلك اللحظات التي خاصمنا فيها ذلك الشخص وخاصة أن كان غال على قلبنا ، و حتى الذي نحمل له مشاعر عادية ، و أحيانا كثيرة حتى من كنا نحمل له العداء . نتوقف و نقول  بندم حارق :

ليتنا لم نضيع العمر في خصام ،
ليتنا لم نتخاصم ولا لحظة واحدة ،
من كان يعلم أنه سيرحل عنا بهذه السرعة ،
لو كنت أعلم أن حياته قصيرة هكذا لما خاصمته ولا غضبت منه ،
ليته يعود للحياة لن أخاصمه مهما فعل ،
اللهم شغبه ولا فقده ....

لكن وسط عجاج الحزن والألم والندم تبقى حقيقة واحدة هي الحاضرة ، وهي أنه قد رحل عن عالمنا ، وأنه لات حين مندم .

لنأخذ وقفت مع أنفسنا ، لحظات صادقة نتساءل فيها :

كم من عمرنا يضيع في الخصام مع من نحب ؟
ماذا نستفيد من تلك العزة التي تأخذنا بالإثم في الخصام ؟؟
ماذا حققنا من كل تلك الأيام التي ضاعت في تلك السخافات ؟
ألم يكن في وسعنا حقا تجاوز تلك الخصومات ؟
ألم يكن من الممكن أن نغضب ولكن دون أن نتخاصم وتحدث قطيعة بيننا ؟
ألم يكن يوم واحد أو ساعات كافيه حتى يحاول أحدنا أن يُسكت غضبه ، لتعود بعد ذلك المياه إلى مجاريها ؟
ماذا كان سيحدث لو أننا حاولنا بشجاعة أن نتفادى الغضب ، وعدنا لبعضنا لنقول حبا في الله : إنني أسف ؟
ألم يكن كثير من ذلك العتاب وتلك الكلمات التي تثير حنق الأخر ألم نكن قادرين حقا على تجاوزها وتفاديها حتى لا نزيد اشتعال الموقف و احتقانه ؟
إذا أغضبك من إنسان صفة أفلا يمكنك أن تتجاوزها لتنظر لصفة أخرى فيه تعجبك ؟
ألم تفكر في لحظة أنه : ربما يكون هذا الإنسان أيضا يكره مني صفات قد لا أنتبه لها أنا ؟
ألم تفكر أنه : ربما أن هذا الإنسان يتجاوز عن بعض ذنوبي في حقه ، أفلا أتجاوز عن ذنوبه ؟
ألم تفكر في يوم أن تصفح وتعفو حباً في الله ، فتكظم غيظك ، ليبدلك الله خيرا من هذا ؟
هل تعرف حقا ما هو الصفح والعفو ؟
هل تعتقد أنك قد صفحت عن ذنب إنسان أخطأ في حقك ، وأنت مستمر في كل فرصة تذكر ما فعله بك ؟
أن فعلت هذا فدعني أقولها لك بصراحة : أنت لم تسامحه .

الحقيقة كل هذا ممكن أن توفرت رغبة الإنسان ، كل هذا ممكن لأن الله كَرَم بني البشر بالعقل فميزه عن الحيوان به ، لذا هو في الأصل سيد نفسه ، وسيد مشاعره .

أن من يعتقد أن الصفح والعفو سذاجة ، فهو شخص غبي ، ولا يثق في الثواب من الله أبدا ، فمن فعل شيء لله عوضه الله .

                      و فاعل الخير لا يعدم جوازيه
                                             لا يذهب العُرف بين الله والناسِ

وليس الشجاعة أن تغضب ، فأكثر الناس يغضبون  و ينجرون خلف غضبهم ، لكن الشجاعة الحقيقية تكمن في مقدرتنا على امتصاص غضبنا ، وتمالك أعصابنا ، ومن الشجاعة أيضا أن تعترف بخطئك ، وأن تملك شجاعة على الاعتذار . قال صلَّ الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرع إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).

إذا كرهت من حِبّك خُلق ، رضيت منه غيره ، وأجعل ولو خيط صغير يربطك بأحبتك ، ليشفع لهم عندك ، مثلا ليشفع حبك لأولادك لتصفح عن زوجتك ، وحاول أن تحيى معها محبا ، وليشفع حبكِ لأولادكِ لتصفحي عن زوجكِ ، لتكوني له محبةً ، وليشفع حبك لوالديك عندك لتصفح عن شقيقك ، وليشفع حبك لله عندك لتصفح عن صديقك وجارك وزميلك ، وهكذا .

                    و إذا الحبيب أتى بذنب واحد
                                                جاءت محاسنه بألف شفيع


أنت الوحيد القادر على أن تبقى مُحِباً ، وأن تصفح عن الأخر ، ولو أن كل منّا فكر هكذا ، لوجدنا أن الصفح صفة غالبة في حياتنا ، ونحن أحق بها كمسلمين لأننا أمة الصفح والتسامح ، يقول المولى جل سبحانه في علاه :{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[1] . أننا نعيب على ملوكنا ضعف سياساتهم وتدبيرهم ، لكن هل وقفت للحظة للتدبر سياستك في بيتك ، وفي مجتمعك ، ومع من حولك ؟؟

الحياة كلها تتطلب العمل بالحكمة والسياسة  "والحكمة ضالة المؤمن" ، لا تخدع نفسك بأنك كامل ، ولا تخدع نفسك بأنك حقير أو ناقص ، بل كون حكيما ، وعين الحكمة الوسطية ، أنقد نفسك  نقدا  بناءً  لترتقي بها ، وسُس حياتك ، لأنك فيها الراعي والرعية .

وأخيرا ..

نصيحة محب مجرب ، لا تسمح أن يأتي عليك يوم تندم فيه على خصام حبيب ، فتبحث عنه فلا تجده ، و قد لات حين مندم .

لا تطلب أن يكون الآخرين ملائكة بينما أنت لست كذلك .

قف ساعة تأمل صادقة لما حولك وستعرف الطريق ، فالتأمل عبادة الأنبياء .

قال نبيكم صلَّ الله عليه وسلم : (  ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة " ، فقال أبو الدرداء : قلنا :  بلى يا رسول الله .  قال : إصلاح ذات البين ) .

فتذكر أن  "خيرهما الذي يبدأ بالسلام" .

وتذكر أن من صفات المنافق  " إذا خاصم فجر "  أي تجاوز الحد في الخصام والقطيعة والكلام البذيء وغيره من الأمور التي تزيد الموقف سوء .




[1] - آل عمران 134

السبت، 4 أبريل 2009

خـــضــراء الــدمــن


فما أنتَ  أولُ  سارٍ غرهُ قمر
 و رائد أعجبته خضرة الدمن
          شعر عربي






في خضراء الدمن على العصفور أن يكون دودة حتى يتمكن من نيل غذائه ، و إلا سيموت جوعا ، و بقاء الشاة في حقل ما لعهد طويل يجعلها تُفني كل ما فيه من زرع ما دام الحبل طويل والراعي نائم ، فهي ترى أن الحقل ملكها ، ولن تفكر أن تفعل شيء غير أفناء ما فيه لتشبع معدتها .

عندما يكون ( الديك )  فرخ تجده يتودد لجميع الدجاجات ، وتراه هادىء مستكينا ساكنا ودودا ، وحين يكبر ، ويقضي على كل ديك منافس ، و تكبر أجنحته فإنه يصبح أكثر شغبا و إزعاجا من قطة البيت المدلله ، ويعلوا صوته ، حتى يصر صوته الذي يوقظ  الناس للصلاح  و الفلاح ، مزعجا ، يتحول لنعيب بغيض ، لكنه يظن نفسه في زهوه وغروره ـ الذي ينمو معه كلما تقدمت السنين ـ أنه ذاك الصوت المحبوب ، عندها لا يمكن أن تخرسهُ  إلا أن قصصت جناحه .

وفي المزرعة البائسة التي يكون صاحبها مُزارع  أبله  تجده دوما يحنوا على شجرته القديمة المعوجة ، فهو لا يجتث الشجرة العفنة ليضع مكانها شجرة صالحة تعود بالخير على مزرعته ، ولا يلومها بل يسقيها بالماء أكثر وأكثر ، ويغذيها أكثر وأكثر ، و يكتفي بلوم الأغصان الضعيفة وتكسيرها ، لكن هل تكسير الأغصان الضعيفة يُصلح اعوجاج الشجرة المهترئة من الداخل ؟!!!.
لا يمكن لنبتة الماء التي تنبت وأغلب جسمها مغمور بالماء أن تشعر بعطش شجرة تنمو في الصحراء القاحلة ، لذا لن تهتم النبتة المائية أن تبذل جهدا ولو بالتفكير في كيفية تخزين أو توفير الماء ، فهي مغمورة بالماء .

دودة القز تُفني حياتها في نسج الحرير بكد وتعب لكنها تموت بسببه لأن هناك من يقتلها طمعا في ذلك الحرير ، دون أن يفكر للحظة ما عانته تلك الدودة البائسة ، المهم هو كيف يُرضي جشعه ويرضي غروره .

أيها المواطن العربي ، يا دودة القز الحزينة ..

لن أقول لك ثور وقص أجنحة الديك المغرور ، ولا أقول أطرد المزارع الأبله عن مزرعتك بثورة ، ولا أقول أيقض الراعي بثورة ليربط شاته ، أو ليمنعها عن الحقل الخصيب ، فأنا ما عدت أؤمن بالثورات ،  فكم من كرسي في وطني العربي أتى إليه راع قال لنا بأنه ( ثائر )  ، ثم صار ( جائر ) ، لا أرى أي فرق بين ( ثائر و جائر ) ، فلا انقلاب ( الثاء )  ( جيم )  يعنيني ، و لا انقلاب ( الجيم )  ( ثاء )  يشفيني ، فالمعنى واحد ، والبؤس واحد ، و ربك الرؤوف الرحيم .

يا دودة القز المسكينة ..

أشجار التوت كثيرة ، حين تزرع وحين تتم رعايتها يقال أنها من أجل مصلحة دودة القز ، وحين تسقط ورقة التوت ، تُسحل دودة القز و تُسلق ، ليصير القز للقزَّاز ، وتبقى الدودة لا  بالقز و لا بالتوت  ، ولا حتى بحياتها الضعيفة الكادحة .

                      
                         و تأخذ باسمه الدنيا جميعاً
                         و ما من ذاك شيء في يديهِ

في سوق الخضار لا يشترى طباخ مطعم الفندق الفارة الخضار الذي تنتجهُ مزرعة الفلاح البأس ، ليس لأنه بائس ، ولكن لأن خضارهُ  نتجتْ من مزرعة بسيطة لا رونق في نباتها ، فسمادُها بسيط بدائي ، وتصنيع محلي ، أنه مستعد أن يدفع ، لكنه يريد الأجود ، والأجود بيد الأوجد ، فالأوجد يجد في ماله ما يمكنه من شراء أفضل الأسمدة المصنعة عالميا لمزرعته الراقية الفارهة حتى ديدان الأرض فيها متخمة ، هنا لا مكان لك يا من حتى ديدان أرضك هزيلة .

هنا طباخ المطعم الفاره  أعلن في دستوره أنه سيشتري الخضار من أي بائع ، لكنه سيحرس على أن يكون الشراء .. ( بما يتناسب و الأطر المناسبة ) و ما قد تراه ( الجهات المسئولة مناسبا ) بهذه العبارات أستثنى الطباخ الكبير من قائمة مشترياته ما تنتجهُ مزرعتك البائسة من ثمار وخضار ، لكنك لن تستطيع أن تحاسبه لأن ما تنتجه ( لا يتناسب و الأطر المناسبة ) ، وهو لم يقول أنه لن يشتري منك ، هو سيشتري لكن عندما تصبح ديدان مزرعتك سمينة .

في خضراء الدمن يحق للجميع أن يسير ، لكن أصحاب القامات القصيرة ، والذين لا يملكون سيقانا طويلة أو أحذية طويلة تغلف أقدامهم ، ستتلوث قامتهم لذا لن يسمح بمرور الرائحة العفنة في هذه الأرض ، هنا يوضع القانون ( لأجل المصلحة العامة)، و أن أردت أن تعرف قيمة القانون ، فخذ الجملة وأطرح منها الكلمة الوسطى وأفتح الجيم في الكلمة الأولى ، وستوقن فائدة القانون ، لتكتفي دودة القز بالموت من أجل أطماع الآخرين الفارهين بكدحها ، فهي لا تهتم بالترانيم والأغاني التي يغنيها العاملين على فنائها ، فالغناء و كلمات الغناء لا تشفى ألمها ، ولا تخفف محنتها .

يا دودة  ( الكَـدِّ )  المسكينة ...

لماذا النظر للبعيد ؟  ولماذا الحلم بالسهول المنبسطة الجميلة ؟  المغشاة بشقائق النعمان و التوليب الربيعي الجميل ، لا تضحك .. لا تبكي ..  لا تحزن .. لا تشكي ، أفتح عينيك وأنفك لخضراء الدمن ، وأحمد ربك أن هنالك خضرة تنظرها ، وتريح بها عينيك ، أتظن أنك تستحق أكثر من ذلك ؟! أليست أفضل من فضاء قفر قاحل ؟ على الأقل هي ( خضراء ) ولننسى أو نغض الطرف أو لنتناسى ( الدمن ) ، لا تسأل لماذا ؟ وأين ؟ ولمن ؟ المهم هنا خضراء لا غبراء قفراء ، يا من يشتكي من الفقر والمحن عليك بخضراء الدمن .

و أخيرا ... أيها الشعب :

سنُغلق القضية ، أليست يا شعبي سياستنا مرضية ؟!.

لا تقل : لا .. فقط قف وصفق ، وأنت مبتسم ، فسياستنا ذكية لا شيء فيها يُغْضِبْ ، ولا أحد بينا يكذب ، كلنا صادقون مخلصون ، وللفلَاح ساعون .

في الأخير ...


يا من لم يفهم ما هي خضراء الدمن ، هو النبات ينبت على البعر في الموضع الخبيث فيكون ظاهره حسناً و باطنه قبيحاً فاسداً . فالدمن : جمع دمنة و هي البعر ، باختصار هو ما ينبت في المستنقعات ، ومع أنها خضراء إلا أن أرضها نجسه ، ورائحتها نجسة ، لكن المهم من كل هذا أنها خضراء .

الاثنين، 23 مارس 2009

حذاء يساوي مليار دولار

"سلمت يمينك منتظر إن العراق سينتصر
ضربته  قذيفتين  بهما  العروبة  تفتخر"
بيت قاله أحد المعلقين على حدث قذف الحذاء
                                                                                في وجه بوش .




"خذها قبلة وداع أيها الكلب" ، "إنها من الأرامل واليتامى العراقيين، إنها من كل من ماتوا في العراق" كلمات قالها الصحفي العراقي الغاضب ( منتظر الزيدي ) وهو يقذف بوش بزوج حذائه .

لقطة صارت مشهورة جدا  ..  أسعدت الآلاف القلوب ، لقطة طغت على كل الأخبار في ذلك اليوم ، حتى على خبر تلك الزيارة المفاجئة لبوش الابن ، وعلى مؤتمره الصحفي هو و نوري المالكي ، ذلك المؤتمر الذي جعل بوش ـ وربما لأول مرة في حياته ـ يرى حذاء طائر .

نهاية تبدو رائعة لفلم الألم و المذلة الطويل جدا الذي تابعه العرب والمسلمون بمرارة كبيرة .

ربما قد لا يتفق البعض مع فعلهُ ( الزيدي ) ، لكن العاقل العارف يدرك تماما ، بأن المقهور سيدافع عن نفسه بأي سلاح يمكنه أن يكون في متناوله .

وعلى أية حال فنحن ـ العرب والمسلمون ـ في نظر الكثيرين وحتى المثقفون ـ التائهون في هويتهم ـ لسنا سوء همج ، بدائيين ، وكل ما نفعله همجي ، حتى مقاومتنا للغزاة ، تعدْ همجية ، و أن طلبنا التحاور فنحن همج ، حتى أن بكينا من مرارة ما نلاقي ، فنحن همج ، لن يشفع لنا أي شيء ، مهما فعلنا ، لأنه وببساطة الآخر لا يريد أن يرى أو يسمع الحقيقة .

                   قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ
                               وينكر الفم طعم الماء من سقمِ

أما الغربيين ـ  من وجهت نظر ذات الفئة ـ  فهم التحضر ، والتمدن و قمت اللباقة والذوق ، حتى و هم يقتلون و يغتصبون ، و يذلون الأخر و يحتقرونه ، فهم ديمقراطيين ، يقتلون بديمقراطية ، ويسرقون بديمقراطية .

وهنا أودُّ أن أقول ـ حتى لا يقال بأني أخلط عبسي بدبسي ـ لأولئك الخارجين عن السرب ، أنظروا للواقع بحقيقته وبعين المبصرين ، ستعلمون بأن هذا الغرب المتحضر له نصيب الأسد في مأساتنا يعاونهم أناس ـ للأسف ـ يعدون منَّا .

                    لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها
                  إذا لم يكن للمبصرين بصائرُ

أن كنت تحلم بوطن عربي متحضر مثقف متطور ، فأنا أحلم بذات حلمك ، أن كنت تتمنى أن يشار بالبنان لهذه الأمة في كل الشؤون ، فأنا أيضا أتمنى مثل ذلك ، لكني أختلف عنك ، بأني لا أميل كل الميل . فعلينا أن نعري الأمور لنرى الحقيقة كما هي ، بالتالي نسير معا مسير الواثق نحو طموحنا الأسمى .

وفي الأخير أقول ..


 قد لا أؤيد  ( منتظر الزيدي ) بتصرفه ، لكنني لا ألومه ، ولا أخفي سعادتي بما فعله لبوش ، وقلت : ليتها أصابته ، لأنه كان يستحق ـ منذ زمن بعيد ـ أن يصفع على وجهه عله يصحو ، وينتبه بأنه من تراب كما باقي العالمين من تراب ، ولو أن هذا لن يكون أبدا لا عند بوش ولا عند غيره من الغربيين المعتلين سدة حكم بلادهم .

الجمعة، 20 مارس 2009

البحث عن مرسى عربي



خَلوا  التَّعصب عنكم  واستووا عُصباً
على   الوئام   لدفع   الظلمِ   تعتصبُ
هذا  الذي  قد  رمى  بالضعف  قوتكم
و غادر  الشّمل  منكم   و هو منشعبُ


شعر عربي






استوقفني موقفان كادا يتزامنا في وقت حدوثهما ، فنظرت لهما فوجدتهما ينبعان من منبع واحد ، ثم نظرت فوجدتهما يصبان في ذات المصب ، وأن افترقا في المنتصف . فنحن أمة يحب منا الأخ أخاه ، لكنه لا يظهر له في حياته غير الجفاء فإن  مات بكاه ، فعجبا لنا .
                 
                       أني لأعرفك بعد اليوم تندبني
           وفي حياتي ما زودتني زادي

حين يشتد الحصار و المعاناة في فلسطين ، وحين قصفت لبنان ، وحين دمرت العراق وجعلت ركاما بعد حضارة رائعة ، رأينا العيون تدمع أسفا على ما يجرى لإخواننا هناك ، حتى عيون الرجال سالت منها الدموع ، سمعنا الدعوات والصلوات تعلوا ليغيث الله أخواننا هناك ، وحين نادى المنادي لجمع التبرعات لإغاثة الأخوان هناك ، وجدنا الفقير يتبرع بقوته و يجود بموجوده لأنه يرى أن أخوانه أحق منه بها في نكبتهم . و أنما تعرف معادن الرجال في الشدائد .

كم قد سمعنا مناد  يستغيث في ذلك القطر المنكوب ويقول : ( أين أنتم العرب ؟ ) ، ثم ما أن تخف نكبتهم ، ويطرأ طارئ  ما ، و يخرج الناس لشوارع معارضين لما يحل في قطرهم الشقيق ، نجد في المقابل أصحاب ذلك القطر المنكوب يقولون معترضين على تدخل أشقائهم العرب ( ما شأنكم أنتم في بلادنا؟ ) .

عجب عجاب ، فأي صوت نسمع ؟ هل صوت المنادي :  ( أين أنتم يا عرب )  ، أم صوت القائل : ( ما شأنكم أنتم يا عرب في بلادنا )؟!!!!!

من جهة أخرى هل يصح أن نترك المجال لرياضة ما مثل ( كرة القدم )  أن تبث الكراهية وتشيع السب والشتم واللعن ودعاء الشر بيننا ؟؟! ، ونحن يا عباد الله أخوان.

فالعاقل الفطن يعلم بأن تلك ما هي إلا تسلية ، ما أن تنتهي ينتهي معها كل شيء ، و الجاهل قبل العالم يعرف بأن الأمة العربية في طريق و ملوكها و حكامها في طريق آخر ،  ما يحدث في الساحة يحتاج لموقف سياسي حقيقي من قبل أولى الأمر ، وليس للشعوب حول ولا قوة ، لكنهم يسعون بما أوتوا من حول وقوة لنصرة أخوانهم كلما أمكنهم  ذلك .

لذا على الغاضب إلا يخلط  الحبل بالنابل ، يقول تعالى :{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[1]

يقول صلَّ الله عليه وسلم : (عليكم بالجماعة ، فإن الذئب إنما يُصيب من الغنم الشاردة) .



[1] - الأنفال46