" الذين يرفضون الاعتبار من
الحدث، ومن ثم يرفضون تسلم رسائله، هم أنفسهم الذين ما برحوا يروجون للزعم القائل
بأن تونس حالة خاصة ليس لها مثيل في العالم العربي،
ليطمئنوا أنفسهم على مصيرهم ،
وإن ادعوا أنهم يطمئنون الناس والنظام ... ولاحظت أن
كتابات الصُحُف القومية في
مصر هي الوحيدة التي تتبناه وتروج له ، في حين أن الإعلام الخارجي يعتبر أن
التشابه مع مصر بالذات أمر مفروغ منه ومسلَّم به "
فهمي هويدي ، كاتب وصحفي ومفكر
إسلامي من مصر
في
تساؤل طرحته في تساؤل طرحته المدّونة المغربية ( لطيفة شكري ) في مدونتها قالت :
" هل أخذ الحُكام العبرة من هذه التدهورات الأمنية داخل البلاد ؟ "
هذا تساؤل مشروع لكل
مواطن عربي حريص على بلاده وأمته ، كل مواطن حُلمه أن يعيش بسعادة وازدهار
واستقرار على تراب وطنه ، أجبتُ على تساؤلها ذاك بـ ( لا ، ولن يتخذوه أبدا ، لأن
البشر من طبعهم عدم الاعتبار ، وإلا فما أكثر العِبر وما أقل الاعتبار ) .
ما
جرى في الأمة خلال الشهرين الماضيين وما زال يجري يبعث برسائل قوية ليس للحُكام
فقط و أنما حتى للشعوب ، لكن رسائلها للحُكام أقوى { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا
عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
لقد
ضاق الناس ذرعا بهم ، ويأسوا من أمكانية فهم هؤلاء الحُكام لمطالبهم في أقامة
العدل ، وتحقيق العدل الاجتماعي و سيادة القانون بشكل حقيقي وتكافئ الفرص وتحقيق
تنمية حقيقية هدفها المواطن .
يقول
فهمي هويدي : ( حين تمعن الأنظمة السلطوية في إحكام الانسداد السياسي وتغلق أفق
المستقبل في وجوه الجميع ، فإن لغة الشارع وخروج الجماهير إليه تصبح الخيار الوحيد
أمام الضائقين بالاستبداد ، والراغبين في تخليص المجتمع من براثنه ) .
لكن
بدل من أن نرى تغييراً يقي الأمة الصدام ويحقن الدماء ويسد الباب على الفتن ، نجد
الحُكام متمسكين بتخلفهم ، وأن غيّروا شيء لا يكون إلا تغيير خجول لا يرقى لطموح
الشعب ، وأغلبه كلام لا واقع له . تغيير الهدف منه تخدير العقول و المراوغة أكثر
منه الإصلاح والصلاح .
لم
يتعلموا ولن يتعلمون أنه عندما تكون في موضع القوة فلا تغتر بقوتك ، بل تخيل حين
ينقلب حالك وتصبح أنت الضعيف كيف ستكون ، لأن الشيطان يزين لهم سوء أعمالهم
ويغريهم بطول الأمل و بالأمنيات ، فيظنوا أنه لن ينقلب حالهم .
وعادة
القوى المتجبر أنْ صار في محل ضعف يعلم شعور المتجبر ، لأنه كان مكانه يوما فيصاب بحالة نفسية عجيبة
جراء ذلك . فحالهم كما قال تعالى : ( لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )
فتجده
يحاول بشتى الطرق عدم فقد منزلته القوية ولو استخدم أساليب غبية ومفضوحة و بكل
وضوح ، وهانحن نرى محاولات التفاف مبارك وأزلامه على الثورة بطرق شتى ، كاستخدام
العنف ضد المتظاهرين السلميين والتعتيم الإعلامي ـ مؤخرا ـ بالاعتداء على
الإعلاميين التابعين لقنوات غير مصرية بلغ الأمر للوصول للفنادق للبحث عن إعلاميين
لترويعهم والاعتداء عليهم ، و لن يكون آخرها بث مجموعة بلطجية و فتوات ـ من أزلام
مبارك الصغار مع أفراد من بسطاء المجتمع الذين تم شحن مشاعرهم و تجيشها بالأكاذيب
وتزيف المعلومات ـ في الشارع يدَّعُون تأييدهم لمبارك .
وانظروا
الفرق بين فئة تَجَمَعَ فيها أكبر المفكرين والعلماء المشهود لهم عالمياً وعُرف
عنها إخلاصهم و وطنيتهم ومعهم صفوةُ المجتمع المخلصين من طبقة المثقفين والعلماء
والمفكرين والفنانين ، ومن المخلصين الشرفاء ، تظاهرت هذه الفئة مدة أسبوع و لم
ينتج عنها إلا تظاهرة حضارية حاول البعض أن يدس خلالها ، إلا أن الشباب الواعي
تصدى لها ببراعة وتم القبض على المشاغبين وتم تسليمه للجيش حيث أُكتشف أنهم ضباط
من الشرطة والأمن .
كانوا
مثالا رائعا في الإخلاص للمبدأ الذي خرجوا لأجله وفي سرعة أيجاد الحلول للأزمات
التي حاولت القوة السلطوية توريطهم فيها ـ مرة بسحب الشرطة ومرة بإثارة النهب
والحرق والشغب وغيرها ـ فنجحوا ببراعتهم وسرعة بديهتهم و وعيهم في أعطاء مثالا
جميلا بل رائعاً يبعثُ على الفخر ، وبين فئة ليست إلا مجموعة بلطجية و فتوات
وأميين تم التغرير بهم بالأكاذيب وغيره ، في أول يوم تظاهر لها خرجت تضرب وتكسر ،
و تحاصر الثوار في ميدان التحرير تمنع عنهم الأكل وغيره . وهذه نتيجة طبيعية
لمؤيدين لشخص مثل مبارك يقول أهل المغرب : " الحاجة اللي ما تشبه مولاها حرام
".
يقول
أبو منصور الثعالبي : " وقد صدق من قال : إن الناس على دين ملوكهم والسلطان
سوق يجلب إليها ما ينفق فيها ".
والأدهى
و الأكثر شرا هو استخدام الجيش . جيشٌ ـ طالما أحبه الناس ـ يقف متفرجا ، أولا :
حين كان الأمن يقتل الناس وقف متفرجا ، واليوم حين أتى بلطجية الرئيس وقف متفرجا ،
معتذرا بأنه لا يمكن للجيش الوقوف مع أحد ضد أحد . فعلا ، و نحن معه في عدم وجوب
انحيازهِ لأحد ، لكن كان بإمكانه الحيلولة دون اشتباك الفريقين بمنع المؤيدين (
كما يزعمون ) من الوصول إلى أماكن تواجد المعارضين ( كما يحب البعض تسميتهم ) في
ميدان التحرير . لكنها حيلة الطغمة الفاسدة للالتفاف و الانقلاب على الثورة ،
ولإظهار الثُّوار بمظهر المخربين . سحقا لهم ولمبرراتهم وأعذارهم التي يسوغونها
كيفما شاءوا .
جيشٌ
صار الأعلام الأمريكي ـ بإيعاز من الحكومة الأمريكية ـ يُظهر قائد أركانه على أنه
الرجل الأنسب ليحل محل مبارك ، رجل قضى أغلب الفترة الأولى من عمر الثورة الشبابية
في البنتاجون الأمريكي في دورة تهيئه لتولي منصبه الجديد المرتقب . يقول المفكر
الإسلامي فهمي هويدي ( أن أجهزة الأمن حين تتوحد مع النظام المستبد وتصبح سوطه
وسجانه ويده الباطشة ، تتحول من مؤسسة تحرس المجتمع وتسهر على أمنه إلى مؤسسة تسحق
المجتمع وتعاديه ) .
وكذلك
مازال هذا الرجل وأزلامه يتحدثون عن حوار .
حوار
مع من ؟ وعن ماذا ؟
مع
رجل أسقط شعبه شرعيته ؟ أم مع نائب رئيس فاقد شرعيته قبل أن يبدأ منصبه لأنه تم
تعينه من قبل رجل فاقد الشرعية أصلا ؟ غريب
أمرهم .
لماذا
أرسل بلطجيته في هذه الفترة ؟
ببساطة
لأن الأمن عجز أن يشتت الثّوار وأن يثني بالعنف عزائمهم ، حتى حُرمةُ الله لم
يرعوها فصاروا يصوبون على المصلين خراطيم المياه الساخنة والغازات المسيلة للدموع
والتي يسبب غازها الاختناق أن أستنشقه الإنسان بكمية كبيرة ، وحين بالغ في العنف و
ندد بهم العالم ـ الذي ندد مضطراً طبعا لأن صمته صار محرجاً ـ كان لابد من حل بديل
فأطلق أولئك البطجية ـ كالكلاب المسعورة ـ على الثّوار يضربونهم ويسبونهم
ويتهمونهم بالخيانة والعمالة بلا دليل ولا بينة ، بينما يؤيدون رئيسا سامهم من
الظلم والذل والفساد والعمالة درجة لا تخفى لا على القاصي ولا على الداني . و
ببلطجيته أولئك ـ الذين خرجوا كجزء من الشعب مؤيد للخائن الفاسد ـ سيكون عذر
الحكومة ( القبيح طبعا ) أنهم من الشعب وليسوا محسوبين عليها لذا لا يحق لها أن
توقفهم .
يقول
المفكر الإسلامي فهمي هويدي في معرض استعراضه للعبر المأخوذة من ما حدث في تونس :
( أن احتكار السلطة حين يتحول إلى هدف في حد ذاته ، فإنه يدفع المستبد إلى القبول
بالتلون والتقلب بين مختلف المبادئ والاتجاهات ، طالما كفل له ذلك أن يبقى في
موقعه )
أن
الشدائد تُظهر معادن الرجال ، وبسبب ثورة الكرامة أصبح المستبدون ( يَحْسَبُونَ
كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) .
وهاهم المستبدين المتسلطين يعيثون فسادا واستبداد وينهبون أموال الدولة ، وحين
تدور عليهم الدوائر يتلونون كالحرباء ويتمسكنون ويخضعون كل ذلك ليبقوا في مراكزهم
، يظهرون أمام العَيان كم هم جبناء و سفهاء . وهم كما وصف عِمْرَانَ بن حِطان يوما
أحد الولاة وقال :
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ
ربداء تجفل من صفير الصافرِ
·
الولايات المتحدة وأتباعها الصهاينة والرأسماليين يخشون صعود الإسلاميين
أن تُرك الأمر للشعب ، لأنهم يعلمون أن ذلك سيكون خيار الشعب لذا هم يحاولون بكل
جهدهم عدم أعطاء الفرصة للشعب لقول كلمته ، وهذا تناقض واضح .
أمريكا
مازالت تحاول الاستخفاف بعقول الجماهير العربية ، ما زالت تستخدم نفس تلك الشعارات
والكلمات الرنانة ، وهي لا تستخف بها إلا أصحاب العقول السفيهة ، لقد أصبح وجهها
القبيح مفضوحا أمام نطاق واسع من شباب هذه الأمة ، ما عاد يخفى على أحد ما تستخدمه
من أساليب التشويش والدسائس لتبلغ مأربها من مص ثروات الشعوب وأيضا لحماية مدللتها
( سوسو ) كما يسميها أخٌ لي ، ويعني بها
الكيان الصهيوني .
·
أن اليهود لا يسعفون الخائن ، وهذا ما يشهده تاريخهم الحديث والقديم . فاليهود
يتبرؤون من الخونة الذين أعانوهم كما يتبرأ الشيطان من أهل النار { وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ
النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ
إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
فمن
خان أمته من السهل عليه أن يخون الأمم الأخرى ، والصهاينة والغربيين يستغنون عن
الذي مدَّ لهم يدهُ وخان قومه حين يسقط ، لأنه في نظرهم كالعاهر ـ أكرمكم الله ـ
التي باعت عِرضها لقاء بعض دُريهمات ، لذا فأجرها مدفوعٌ سلفاً ، وهم غير مسئولين
عما قد يحدث لاحقا ، و أن من باع أرضه كمن باع عِرضِه ، والتاريخ خير شاهد ، و ليس
( أنطوان لحد ) عنَّا ببعيد .
هذا
بالضبط ما حدث لـ ( زين العابدين بن علي ) ، وهذا ما نرى بوادره الآن لـ ( مبارك )
، فهاهم يطالبون الجيش بالضغط على مبارك
ليتنحى عن السلطة ، في بادرة كان الكثير من الإعلاميين و المفكرين والمراقبين
والمدونين قد تحدثوا عنها كورقة سوف تلجأ لها أمريكا لحفظ مصالحها ليذهب ـ مقابلها
ـ مبارك ككبش فداء .
اليهود
أطلقوا مخاوفهم صراحة ولم يأبهوا أن تصريحهم سيحرج مبارك فوق موقفه المتأزم أمام
شعبه . هكذا هم اليهود بالطبع ـ أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق وأهل خيانة
وغدر ـ و ليس بخفي أن الشعب العربي يعلم مدى خيانة حُكامه لكن كان حريا بهم ـ أعني
اليهود الصهاينة ـ من باب الالتزام بالواجب الأخلاقي ألا يصرحوا علانا ، لأنها
شهادة صريحة بتهمه من التهم التي بسببها طالب الشعب بنزوله من سدة الحكم وهي
العمالة لهم .
يقول
البعض أن أمتنا مثل اليتيم وحيدا يتعاون عليه الداخل والخارج ، وأقول : لا ، لأن
أمةً فيها شباب مخلص واعي ـ مثالا لهم شباب تونس ومصر ـ لم ولن تكون يتيمة أبدا
وأن تكالب عليها الأعداء والخونة .
·
هذا هو حال الحُكام المستبدين ، يرى الكثيرون أن مبارك الآن يسعى أن يخرج
بكرامة وليس خروج ذليلا من السلطة ، لأنه ـ كما يرى ـ قدم الكثير لمصر وأنه من هذا
الشعب .
يريد
أن يخرج بكرامته ونسى أنه أنتهك من كرامة شعبه وأمته الكثير ، أن كان يظن أنه ذا
فضل على الدولة ، فغبي من يظن أن ما يفعله من أجل الوطن يجب أن يأخذ مقابل له ، أو
من يظن أن قيامهُ بواجبه فضل منهُ و منَّة على الوطن ، لأن ذلك واجب هو ملزومٌ به
بحكم أنه مواطن ، وبحكم موقعه كموظف في هذه الدولة يجب عليه القيام بواجبه
ومسؤولياته ، فهو أيضا لا يعمل مجانا ، بل يتقاضى عليه أجراً ليس بالبسيط ، هذا
عدا المميزات المالية و الوجاهة التي يمنحها له ذلك المركز.
يقول
مبارك أنه سيطلق الحقوق والحرية ، ها هو منع قناة الجزيرة وأخرجها من مصر ، نحن لا
ننكر مدى انحياز ( الجزيرة ) وحماسها المفرط مع الثوار ، لكن الديمقراطية ـ
المزعومة ـ تقتضي أن لا تتخلص من الأخر أن كان يُخالفك ، بل أن تتعامل معه
بالدلائل والحجج وأساليب حضارية أخرى . لكن الكبت والقمع عادة تسري في دماء هؤلاء
المستبدين ، فالسجن والبلطجة والقتل والاغتيالات هي وسيلتهم الأزلية .
•
أولئك الذين أعماهم قصر بصيرتهم وأمنوا بقول الإعلام الرسمي فلم يمدوا بصرهم ليروا
تبذير الحكومة لأموال وموارد الأمة ، ولم يروا مدى غياب القانون والعدالة
الاجتماعية ، وإهمال الحكومة في أداء واجبها ، و الهالة العظيمة التي يرسمها
الأعلام ـ الكاذب ـ حول الحُكام حتى كادت أن تجعل الحاكم ( إله ) يُعبد من دون الله . وتزيف الوعي وتميع الأخلاق
ونشر الفساد وتهكم بالدين .
•
هل يتعلم الحكام الدرس من تونس ؟
بالتأكيد
لن يتعلموا ، أنما سيتعلمونه فقط في كيفية منع خروج الشعب وليس في كيفية امتصاص
غضبه .
يقول
فهمي هويدي وهو مفكر إسلامي وشخصية معتبرة ليس في مصر وحدها بكل في كل الوطن
العربي : ( وحين سألني أحد المراسلين الأميركيين عن أوجه الشبه بين مصر وتونس
والجزائر . قلت إن بينها أربعة قواسم مشتركة على الأقل هي: استمرار احتكار السلطة ،
وانتشار الفساد ، والتغريب وفقدان الهوية ، والدوران في فلك السياسة الأميركية .
وهي أمور يطول فيها الحديث ويضيق بها المكان ) .
أعي
جيدا مخاوف البعض من المستقبل ، ومن التدهور الذي قد يحل إذا ما انفرط العقد ، لذا
تجده من فرط ما هجم عليه الخوف والتبلبل تجده يُطلق الكلام جوادا جامحا بلا لجام .
لكن ـ صدقوني ـ لم يكون ولن يكون الحاكم الفاسد هو سفينة نوح للشعب والوطن . لكني
لا ألوم المتخوفين المترددين فالليل حالك والعجاج قاتم و البصيرة خدرها الخوف .
يقول بن جونسون : " أكبر جحيم أن يكون المرء سجينا للخوف " .