خَلوا التَّعصب عنكم واستووا
عُصباً
على الوئام لدفع الظلمِ تعتصبُ
هذا الذي قد رمى بالضعف
قوتكم
و غادر الشّمل منكم وهو منشعبُ
شعر عربي
من
لم يطلع على تاريخ الجزائر فإنه لن يتذكر إلا أحداث نزف الدماء الجزائرية في
التسعينيات من القرن الماضي على أيدي أبناءها المتشددين أو من أدعو أنهم أهل الدين
.
في
5 مايو/ ماي عام 1931 م ، تم تأسيس أكبر جمعية دينية في الجزائر ـ بل و أهم جمعية ـ في العاصمة الجزائرية ( الجزائر ) و هي ( جمعية
العلماء المسلمين ) ، صاحب فكرة هذه الجمعية هو الإمام ( عبد الحميد بن باديس[1]
) و هو أكبر أقطاب المذهب ( المالكي ) في الجزائر حينذاك ، و كان من رواد هذه
الجمعية و مؤسسيها الكبار الإمام ( إبراهيم
بن عمر بيوض[2]
) و هو قطب المذهب ( الإباضي ) في الجزائر
يومئذ .
إمام
المالكية ( ابن باديس ) ابن ( قسنطينة ) ، و إمام الإباضية ( بيوض ) ابن ( غرداية
) ، تحالفا معا ، كانا ( توأم ) أصلاح ، و
علم ، و اعتدال ، كانا قرآن يمشي على الأرض . العالمان الكبيران كانا قطبين كبار في
( جزائر الاحتلال الفرنسي ) ، كانا يؤمنان معا أن الجزائر واحد لا يتجرأ ، و أن
الجزائر للجزائريين ، و أن وحدة الجزائر و استقلاله لا تكون إلا بمحاربة الجهل و
نشر العلم ، و بتوحد الجزائريين و تلاحمهم . الكبيران رفضا تماما الوظائف الكبيرة
التي عُرضتا عليهما في الجزائر الفرنسية يؤمئذ ، لأن ( حب الجزائر ) كان في
قلبيهما أسمى من كل كنوز الدنيا . الكبيران تشاركا الإعجاب بمصلحين كبار أمثال :
جمال الدين الأفغاني ، و محمد عبده ، و عبد الرحمن الكواكبي ، وغيرهم ممن برزوا في
تلك الفترة .
رحل
الكبيران ، و هاهي ( غرداية ) تذرف الدموع اليوم حزناً و أسفاً على أبنائها الذين
يقتلون بعضهم ، ويخربون بيوت بعضهم ، فقط ، لأن هذا ( مالكي ) و هذا ( إباضي ) ،
كم من الخزي يحمله مشعلو الفتن ؟!! .
كم
من العار يحملون ؟!
ترى
لو كان الرجلين العظيمين بيننا ما كان موقفهما مما فعله أبناء وطنهم ومذهبهم
ببعضهم ؟
سحقا
لأهل الفتن و التعصب ، كم من حماقة لهؤلاء دمرت الوطن ؟
وكم
هي صغيرة عقولهم ؟ و حقيرة نفوسهم ؟ و ضعيفٌ إيمانهم ؟!
ثق
تماما أن التعصب لا يكون إلا في قلب خليٍّ من الإيمان . فالمؤمن الصادق مُحِبّ ، و
ليس متعصب ، و الفرق بين الاثنين هو فرقٌ بين السماء و الأرض . و لكم في محمد بن
عبدالله ـ صلَّ الله عليه وسلم ـ قدوة
في ذلك ، و بيَاناً بيِّناً .
من
المؤسف ـ حقاً ـ أن تُقْتَل لأجل معتقدك
الديني ، و الأكثر أسفاً هو أن يكون موتكَ على يد أبناءِ وطنكَ و باسم الدين ، و
الأشد حزنا أن يكون موتك على يد من تتشارك معهُ الدين نفسه في كافة تفاصيله ( الربانية
) ، و لكن يقتلك لأنك تختلف معه في تفاصيل ( بشرية ) وضعها بعض العلماء في هذا
المذهب أو ذاك .
**
قبل
أيام زار وفدٌ جزائري رسمي سلطنة عُمان ـ زعيمة المذهب الإباضي ـ لتوضيح ملابسات
مقتل الإباضية في غرادية ، لكن عُمان ـ و كما هو مذهبها الرسمي ـ لا تحمل تعصبا
تجاه أحد ، لذا كانت المبادرة العُمانية للدخول بمساعي للصلح بين الأطراف . لم
يبلغني موقف الحكومة الجزائرية من المبادرة العُمانية ، لكني على ثقة أنها ستوافق ،
لأن الرئيس ( عبد العزيز بو تفليقة ) وضع ضمن مبادئه حقن الدماء الجزائرية بما
استطاع .
كذلك
من مصلحة الحكومة الجزائرية حقن الدماء سلميا وبشكل عاجل في ( غرداية ) لضمان
استقرار الأمن ، لأن الحكومة الجزائرية تواجه مساعٍ للتمرد عليها عبر ما يعرف (
الجيش الحر ) الذي يسعى عبر موقعه في الإنترنت لاستقطاب الجزائريين و خاصة فئة
الشباب . و الذي سعى مؤيدوه لنشر موقعه
عبر مواقع التواصل الاجتماعية و خاصة ( الفيسبوك ) .
شخصيا
لا أتمنى حقا أن يكون لهذا الذي يدعى ( الجيش الحر ) أن يكون له واقعيا أي وجود في
الجزائر ولا غيرها ، لأن الجزائر تتشابه واقعيا إلى حد كبير مع سوريا و العراق ، و
وجود خلاف من هذا النوع فيها يعني سنوات طويلة من نزف الدماء و الدمار و الفوضى
كما هو حاصل الآن في العراق . لكن المؤسف أن الحكومة الجزائرية لم تلتفت لمطالب
الشعب الجزائري ( المادية ) على الأقل أن لم تكن ترغب في تحقيق مطالبهِ السياسية .
أخير
...
الإمام
الكبير ( ابن باديس ) ـ رحمهُ الله ـ و الإمام الكبير ( بيوض ) ـ رحمهُ الله
ـ لم يكن اختلافهما المذهبيُّ ( خلافاً ) ، بل كان ( تكاملاً ) يغمرهُ الاحترام و التعاون .
لله
درُّ تلك العقول العظيمة ، و القلوب المؤمنة الصادقة .
اللهم
أحفظ ( الجزائر ) من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، و أحفظ ( أهل الجزائر ) و ألف
بين قلوبهم و سخر لهم المُخْلِصين و الأمناء من أهل السياسة و أهل العدل . و بارك
لهم ما وهبتهم من الخيرات و أنفعهم بها ، اللهم برحمتك آمين .
|