" فَتَناثَرَتْ دُرَرُ الشؤونِ على
خَدِّي كما يَتَناثَرُ العِقْدُ
لَهْفي على دَعْدٍ وما خُلِقَتْ
إلاّ لِطولِ تلَهُّفي
دَعْدُ "
ذو قلة المنبجي ، شاعر عربي .
ماذا
أقول يا وطني الحبيب[1]
؟! و أنا أعلم كم يحمل قلبك العظيم من الأسى ، و كم يتألم
تُرْبُكَ الطهور من رجس خطواتهم . ابكِ أيها الوطن الحبيب ،،
فما زال البشر منذ العصور القديمة لا يُجِيدُون حلَّ قضاياهم
إلا بالشتم و سفك الدماء و الدمار . و أصوات
العقلاء الرخيمة الحكيمة تضيع وسط ضجيج
الدهماء .
ابكِ يا
وطني الغالي ،، فحقٌ لك البكاء ، فمنذ سنتين و نحن لا نسمع إلا مقطوعة الموت
الصاخبة . جميعهم يرفعون ( قميص عثمان ) ، فجميعهم ( معاوية )
و غاب (عـلي ) عن الميدان .
ابكِ يا
وطن ،، فإن الحزن العظيم جَثَمَ على صدرك فأخرسك . ابكِ
يا وطني الحبيب ،، فكلهم ضباع تهرول نحو جرحكَ
النازف ، سواء المتربعين على السلطة باسم حاكم أو
الصاعدين باسم الوطنية . تحجبهم أنانياتهم عن الحق .
كم نقرع
الأسنة ندما على سعادة أطلقنها يوم ثار الشعب بالحق . فقد أنستنا نشوة السعادة
غباء القوم . و أطماع الخونة ، وتربص العدو الذي لا يمكن له أن يدخل أوطاننا إلا
بترحيب الخونة منا . قبح الله أعذار ساقوها ليدخلوا عدونا لدارنا ، و قبح الله
دهماء سارت خلف الخائن بجهل منها تردد ما يقوله .
ابكِ يا
فداك جميعهم ،، فقد صَدَّقْنَا أن هناك ( ثُوَّار ) . و تفاجئنا أنهم ( ثِـيران ) .
و ما أغبى الثيران حين تتصارع . ليتسلى الجمهور التَرِف . ثم يكسب أحد
أولئك المترفون أموال الرهان بينما تسيل دماء ( الـثَّـور ) أو يموت .
ابكِ
يا وطني الحبيب ،، جميعهم يدَّعُون أنهم وطنيون و الآخرون
خونة و متمردون ، جميعهم يدعون أنهم على حق و الآخرون ظالمون ، جميعهم يبررون
وحشيتهم و بربريتهم ، و جميعهم يعتبرون موتاهم شهداء و موتى الآخرين
في الجحيم . ضعنا يا وطن لا نعلم وسط كل هذا
إلا أنهم ( جميعا كاذبون ) .
ابكِ
أيها الوطن العظيم ،، فقد اثبتوا أن الوطن لهم مجرد (
لعبة ) و أنهم لا يمكن أن يحكمهم إلا جبار ، كل واحد منهم يسعى لإثبات تهمة
الخيانة على أخيه ، و يسعى لزيادة أضرام النار . ولا أحد يسعى لإصلاح ذات البين .
أصبح الشتم و تبادل التهم هو البديل للبناء والإصلاح ، و أصبح هذا هو شعارا
لحبهم المزعوم و الكاذب لك .
ابكِ
أيها الوطن الغالي ،، كل ( إمارة ) فيك تسعى لتكون ( دولة عظمى ) على بعضها
بينما هم مجرد ( شركات ) و ( بقرات حلوب ) أمام أعداء الوطن . و حكام
يرى كل منهم نفسه إمبراطوراً ، ( أُسُودٌ ) على بعضهم وعلى شعوبهم و ( نعام
) على أعداء أمتهم ، يعينوه عليك أيها الوطن . تنقصهم الرجولة و
المروءة ليتكاتفوا لأجل نزع شوكة من خصركَ الموجوع ، و تنقصهم
ليكونوا عادلين ، بينما يتكاتفون لجلب العدو لك ليملكوه خناقك . ليحسب
عليك وعلى أبناءك أنفاسهم و أنفاسك .
ابكِ
أيها الوطن العربي ،، يا عشقي العظيم ، شعب كل قِـطْرٍ فيك يرى
نفسهُ ( ملاكا) في الجمال ، ( نبيا ) في الصفات ، و يرى أخوانه في
الأقطار الأخرى (مسخا ) في القبح ، و ( شيطان ) في الصفات و
الخصال . وحين تحل بها مصائب ، قالوا : أين العرب ؟ أن العرب متخاذلون
. و حين يتحدث عربي بصوت المخلص ، قالوا : ما دخلكم بنا ، و نحن في
وطننا أحرار نفعل ما نشاء .
اقتلوا
بعضكم يا ( أهل مصر ) ، لأجل أن يحيا ( العسكر ) و ( الإخوان ) ماجدين . واقتلوا بعضكم يا ( أهل
سوريا ) ليحيا ( البعثيين ) و ( المجموعات الكثيرة ) التي تحمل سلاحها ضد
البعثيين ماجدين ، واعلموا أن مصيركم كمصير ( مِصْرَ ) بل والله انه كمصير (
العراق ) و سأذكركم بذلك قريبا جدا . ستكفرون بعض ، وتقتلون بعض ، لأن (الكعكة )
لن تكفي جميع الطامعين المتسلقين ، و الخونة الغادرين ، و أنتم حينها ستظلون كما
أنتم الآن ( تنزفون الدماء ) ، وتشربون مُرَّ الدموع ، أعلم أنكم ( صم
بكم عمي ) ، و أنكم ( لا تبصرون ) .
و أعلم انك ستكذبون وتكذبون إلى أن تصدقوا أنفسكم ، و قبل أن تصدقوا ستصعقون بصواعق
( الموت ) و ( الفرقة ) التي لن تنتهي قريبا ، وستبكون و تتباكون . دوروا
حول أنفسكم ، و كرروا نفس القصة . الطامعين و الحكام لن يرحموكم
. و الحل ( بأيدكم وحدكم ) . و انظروا إلى تاريخ من سبقكم لعلكم
تعقلون . { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
}[2] .
مات
أجدادكم نضالا ضد ( الاستعمار ) ، و انتم اليوم تسلمونهُ الوطن بدون تعب . ثم يخلف
على الكراسي طامعون يتقاتلون و انتم ( وقودهم و أيديهم ) ، و في النهاية انتم
الخاسرون في كلا الطرفين . و سادات المتخاصمين هم الرابحون مهما
كانت النتائج . ستباع دمائكم باسم اتفاقيات سلام ليس فيها أي جديد ، ولا
يراد منها تحقيق السلام و أنما يراد منها مكاسب أولئك السادات . سيذهبون
لتوقيعها سينالون هدايا و إكراميات ، وهم أساسا مرتاحين يلبسون و يتمتعون ،
و أبنائهم في أمان فارهين .
لا اعلم
يا وطني من هو الظالم و من هو المظلوم فقد ضعت مثلك بين الحاكم والمحكوم ، و
أنا ضعيف قليل الحيلة لا أقوى على فعل شيء ، و قومي لا يسمعون ولا يرون
.لكني مثلك أعلم أنهم كلهم كاذبون ، الحاكم و من يدعي الوطنية ،
و بينهم ( ثعلب ) يُـذْْكِي النار لتزداد
وهجا ، يكِـرُّ و يفـِرُّ دون أن يراه احد .
ابكِ
يا وطن ،، حاكم غبي لا يجيد غير التعالي و الثرثرة . و خونة بثوب
وطنية مزعومة . لم يتحدث احد عن كيماوي العدو ولا عن سلاحه و قتله . ليس لأنه لا
يملك خونة . فما من وطن إلا و به ألف خائن . لكن يا وطني الخونة هناك
في ديار العدو لا يجدون مهدا لهم ، و لا تسمينا من عدو بلادهم . بينما الخونة فيك
يجدون ألف مهد ، و ألف مُسَمِّنٍ لهم . ويحهم أيُّ وجوه قبيحة يملكون ؟! .
يخونون ثم يدَّعُون أنهم بَرَرَة بكَ .
ابكِ يا
وطني الحبيب ،، فأنت لست يتيما ، لكن أبنائك عاقون . ابكِ
،، فأن من يتصارع عليك هم الظلمة . و الشرفاء ( سُذَّجٌ ) يتبعون اللئام .
ابكِ ،، فكلٌّ يَدَّعِي أنه وَصِيٌّ عليكَ . لكنهم كاذبون .
ابكِ ،، فجميعهم يمزقونك و لا يأبهون لآلامكَ . ابكِ ،،
فلا أحد يحزن لحزنك أنما يبكون مصالحهم .
أعلم يا
وطني الغالي انك قد ضقت ذرعا بهم وبقبيح أفعالهم . فكلا الفريقين قبيح .
وأعلم أن الحاكم الغبي أحب إليكَ من الخائن الحقير . مع أنهم جميعهم خونة . كم هو
قبيح مسعى الفريقين .
بل أقبح
منه تلك ( الغوغاء ) التي تتناحر باسم هذا أو باسم ذاك . بينما أسيادهم
ينعمون بالملذات ، و الأمان ، و الدفء ، والهدوء ، و راحة البال استعدادا لنيل
المغانم التي سينالونها بالسير فوق جثث الأغبياء .
ويلكم كم
من دماءٍ تنزف في الوطن ( باسم الوطن ) وانتم كاذبون . ويحكم تقتلون بعضكم
لأجل حقير هنا أو حقير هناك سيأتي لنيل المجد وحده ، وأنتم لن تنالوا إلا أثم
الدماء التي تلوث أيديكم و أثم خطايا ( اقترفتموها بألسنتكم ) لدعم هذا أو
دعم ذاك . قبيحٌ مسعاكم يا ( أيدي الشيطان ) . تثبتون مِرَاراً أنكم مجرد
( أعوان للشيطان ) ، و أنكم ( وقود النار ) بجهلكم . تَدَّعُون
السياسة ، و الساسة من خلفكم يُقَهقهون من سذاجتكم و جهلكم
. تتناحرون و العدو أمامكم ينهب وطنكم .
تكذبون
بملايين الحجج لتبرروا خطاياكم ، و تناسيتم بجهلكم أن الله ( ديَّان ) .
يا أعمياء البصيرة قفوا لحظة وانظروا بعين الصادقين . بعين لا يعميها الغباء
و لا الشيطان . بعين لا يشتت صفاء تركيزها نعيق غربان السوء المتقاذفة عليكم .
أواه يا
وطن ،،
لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى
لا
تبكِ أيها الوطن العظيم ،، لا تبكِ يا عشقي الكبير ،،
فجميع مناديلي لا تكفي لمسح دمعة واحدة من دموعكَ . لا تبك أيها الجبار ،،
فإني رغم الدجى الداجي أرى في أخر الحِنْدِسِ ضوء النهار . ستغدو ندوبكَ
في ذاك النهار جَمَالا يُزين جسمكَ الطهور كأكاليل الزهور و قلاداتها .
سيصحو أبنائك من سُكْرِ الغرور ، و تنطفئ نار الفتن و عصبياتها ، لأن الحشائش
الضارة لا تنتصر أبدا على ثَاراتِ الزهور .
اللهم
أني أبراء إليك من كِلا الفريقين ، و من أعمالهما . اللهم اهديهم و
احقن دمائهم وارفع عنهم غشاوة الحقد الشيطاني و وساوس ( المتسلقين ) و
( شياطين الخونة ) الذين صدق ظنهم بقومي . اللهم أهدهم فإنهم لا يعلمون . اللهم
ارزقهم إعْمَال العقل قبل نُطق اللسان ، و قبل سعي الأفعال ، اللهم كُفَّ
أيديهم و ألسنتهم عن بعضهم . اللهم آمين رحمةً منكَ بنسائنا و
أطفالنا .