فما أنتَ أولُ سارٍ غرهُ قمر
و رائد أعجبته خضرة الدمن
شعر عربي
في خضراء الدمن على
العصفور أن يكون دودة حتى يتمكن من نيل غذائه ، و إلا سيموت جوعا ، و بقاء الشاة
في حقل ما لعهد طويل يجعلها تُفني كل ما فيه من زرع ما دام الحبل طويل والراعي
نائم ، فهي ترى أن الحقل ملكها ، ولن تفكر أن تفعل شيء غير أفناء ما فيه لتشبع
معدتها .
عندما يكون ( الديك )
فرخ تجده يتودد لجميع الدجاجات ، وتراه هادىء
مستكينا ساكنا ودودا ، وحين يكبر ، ويقضي على كل ديك منافس ، و تكبر أجنحته فإنه
يصبح أكثر شغبا و إزعاجا من قطة البيت المدلله ، ويعلوا صوته ، حتى يصر صوته الذي
يوقظ الناس للصلاح و الفلاح ، مزعجا ، يتحول لنعيب بغيض ، لكنه يظن
نفسه في زهوه وغروره ـ الذي ينمو معه كلما تقدمت السنين ـ أنه ذاك الصوت المحبوب ،
عندها لا يمكن أن تخرسهُ إلا أن قصصت جناحه
.
وفي المزرعة البائسة
التي يكون صاحبها مُزارع أبله تجده دوما يحنوا على شجرته القديمة المعوجة ،
فهو لا يجتث الشجرة العفنة ليضع مكانها شجرة صالحة تعود بالخير على مزرعته ، ولا
يلومها بل يسقيها بالماء أكثر وأكثر ، ويغذيها أكثر وأكثر ، و يكتفي بلوم الأغصان
الضعيفة وتكسيرها ، لكن هل تكسير الأغصان الضعيفة يُصلح اعوجاج الشجرة المهترئة من
الداخل ؟!!!.
لا يمكن لنبتة الماء
التي تنبت وأغلب جسمها مغمور بالماء أن تشعر بعطش شجرة تنمو في الصحراء القاحلة ،
لذا لن تهتم النبتة المائية أن تبذل جهدا ولو بالتفكير في كيفية تخزين أو توفير
الماء ، فهي مغمورة بالماء .
دودة القز تُفني
حياتها في نسج الحرير بكد وتعب لكنها تموت بسببه لأن هناك من يقتلها طمعا في ذلك
الحرير ، دون أن يفكر للحظة ما عانته تلك الدودة البائسة ، المهم هو كيف يُرضي
جشعه ويرضي غروره .
أيها المواطن العربي
، يا دودة القز الحزينة ..
لن أقول لك ثور وقص
أجنحة الديك المغرور ، ولا أقول أطرد المزارع الأبله عن مزرعتك بثورة ، ولا أقول
أيقض الراعي بثورة ليربط شاته ، أو ليمنعها عن الحقل الخصيب ، فأنا ما عدت أؤمن
بالثورات ، فكم من كرسي في وطني العربي
أتى إليه راع قال لنا بأنه ( ثائر ) ، ثم
صار ( جائر ) ، لا أرى أي فرق بين ( ثائر و جائر ) ، فلا انقلاب ( الثاء ) ( جيم ) يعنيني ، و لا انقلاب ( الجيم ) ( ثاء ) يشفيني ، فالمعنى واحد ، والبؤس واحد ، و ربك
الرؤوف الرحيم .
يا دودة القز
المسكينة ..
أشجار التوت كثيرة ،
حين تزرع وحين تتم رعايتها يقال أنها من أجل مصلحة دودة القز ، وحين تسقط ورقة
التوت ، تُسحل دودة القز و تُسلق ، ليصير القز للقزَّاز ، وتبقى الدودة لا بالقز و لا بالتوت ، ولا حتى بحياتها الضعيفة الكادحة .
و تأخذ باسمه الدنيا
جميعاً
و ما من ذاك شيء في يديهِ
في سوق الخضار لا
يشترى طباخ مطعم الفندق الفارة الخضار الذي تنتجهُ مزرعة الفلاح البأس ، ليس لأنه
بائس ، ولكن لأن خضارهُ نتجتْ من مزرعة
بسيطة لا رونق في نباتها ، فسمادُها بسيط بدائي ، وتصنيع محلي ، أنه مستعد أن يدفع
، لكنه يريد الأجود ، والأجود بيد الأوجد ، فالأوجد يجد في ماله ما يمكنه من شراء
أفضل الأسمدة المصنعة عالميا لمزرعته الراقية الفارهة حتى ديدان الأرض فيها متخمة
، هنا لا مكان لك يا من حتى ديدان أرضك هزيلة .
هنا طباخ المطعم
الفاره أعلن في دستوره أنه سيشتري الخضار
من أي بائع ، لكنه سيحرس على أن يكون الشراء .. ( بما يتناسب و الأطر المناسبة ) و
ما قد تراه ( الجهات المسئولة مناسبا ) بهذه العبارات أستثنى الطباخ الكبير من
قائمة مشترياته ما تنتجهُ مزرعتك البائسة من ثمار وخضار ، لكنك لن تستطيع أن
تحاسبه لأن ما تنتجه ( لا يتناسب و الأطر المناسبة ) ، وهو لم يقول أنه لن يشتري
منك ، هو سيشتري لكن عندما تصبح ديدان مزرعتك سمينة .
في خضراء الدمن يحق
للجميع أن يسير ، لكن أصحاب القامات القصيرة ، والذين لا يملكون سيقانا طويلة أو
أحذية طويلة تغلف أقدامهم ، ستتلوث قامتهم لذا لن يسمح بمرور الرائحة العفنة في
هذه الأرض ، هنا يوضع القانون ( لأجل المصلحة العامة)، و أن أردت أن تعرف قيمة القانون
، فخذ الجملة وأطرح منها الكلمة الوسطى وأفتح الجيم في الكلمة الأولى ، وستوقن
فائدة القانون ، لتكتفي دودة القز بالموت من أجل أطماع الآخرين الفارهين بكدحها ،
فهي لا تهتم بالترانيم والأغاني التي يغنيها العاملين على فنائها ، فالغناء و كلمات
الغناء لا تشفى ألمها ، ولا تخفف محنتها .
يا دودة ( الكَـدِّ ) المسكينة ...
لماذا النظر للبعيد ؟
ولماذا الحلم بالسهول المنبسطة الجميلة ؟ المغشاة بشقائق النعمان و التوليب الربيعي
الجميل ، لا تضحك .. لا تبكي .. لا تحزن ..
لا تشكي ، أفتح عينيك وأنفك لخضراء الدمن ، وأحمد ربك أن هنالك خضرة تنظرها ،
وتريح بها عينيك ، أتظن أنك تستحق أكثر من ذلك ؟! أليست أفضل من فضاء قفر قاحل ؟
على الأقل هي ( خضراء ) ولننسى أو نغض الطرف أو لنتناسى ( الدمن ) ، لا تسأل لماذا
؟ وأين ؟ ولمن ؟ المهم هنا خضراء لا غبراء قفراء ، يا من يشتكي من الفقر والمحن
عليك بخضراء الدمن .
و أخيرا ... أيها
الشعب :
سنُغلق القضية ،
أليست يا شعبي سياستنا مرضية ؟!.
لا تقل : لا .. فقط
قف وصفق ، وأنت مبتسم ، فسياستنا ذكية لا شيء فيها يُغْضِبْ ، ولا أحد بينا يكذب ،
كلنا صادقون مخلصون ، وللفلَاح ساعون .
في الأخير ...
يا من لم يفهم ما هي
خضراء الدمن ، هو النبات ينبت على البعر في الموضع الخبيث فيكون ظاهره حسناً و
باطنه قبيحاً فاسداً . فالدمن : جمع دمنة و هي البعر ، باختصار هو ما ينبت في
المستنقعات ، ومع أنها خضراء إلا أن أرضها نجسه ، ورائحتها نجسة ، لكن المهم من كل
هذا أنها خضراء .