الأربعاء، 10 يونيو 2015

بلوشستان المسلوبة



" أحقادنا الشخصية لا تظهر على هيئة أحقاد ، بل تخرج في هيئة غيرة ، أو حمية وطنية ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر . النفس البشرية تحسن ستر عيوبها"
عبدالله رفود السفياني ، شاعر و كاتب من السعودية .




يسعى صديق بلوشي ـ دمث الأخلاق كعادة البلوش ـ لطرح قضية وطنهِ "بلوشستان" ـ المسلوب منذ خمسة وستون عام ـ   لكنه كلما سعى لطرح قضية وطنه المقسم بين ثلاث دول وجد ردات فعل مختلفة من متابعيهِ العرب ، فإن كَتَبَ معاناة  وطنه في إيران وجد التصفيق و التصفير و التهليل و التكبير ، وأن كتب عن معاناة وطنهِ في باكستان ، وجد التشكيك و الشتم و السب و التحقير و التأنيب  . كتب مرة عن معاناة البلوش في باكستان و التي لا تقل وحشية وعنفا عن إيران فجاءته ردود أمثال : (يجب التركيز على الأكثر ضررا وهو صاحب الأيديولوجية وأعني إيران ، ركز على العدو الأول وهو الهدف الواضح الآن ولا خير في التشتيت).

كيف صنف الأخ (الوهابي) قضية البلوش في إيران أنها العدو الأول ، ولم يعتبر باكستان عدو أول ؟ ألا يعلم الأخ الوهابي مدى الألم و المعاناة و العذاب الذي يسومه الباكستانيون للبلوش ؟ و هو عذاب و تهميش و قتل و نهب وتدمير لا يقل أبدا عن ما يفعله الفرس المتشيعون ، فالفريقين يمارسان وحشية ضد البلوش لا  يقل أحدهما عن الآخر .

لأي حد تنعدم الإنسانية عند هؤلاء الناس ؟ حتى أنهم لا يهتمون بالمعاناة و المعاملة القاسية غير الإنسانية التي يعاني منها البلوش في باكستان و إيران على السواء. إلى أي حد لا يفهم هؤلاء الناس أن الوطن و الكرامة شيء مقدس يجب أن ننظر له نظرة إنسانية حقيقية بعيدا عن المصالح الشخصية؟ هل فكر هذا الإنسان أن يضع نفسه مكان هؤلاء البلوش ليعلم مدى مرارتهم وعذابهم؟ ليعلم أن الصراع بين أعداء الأمة ( الوهابيون و الفرس) لا يعنيهم ولا شأن لهم به. الفارسي يقتلهم لأنهم سنة ، و الوهابي يريدهم قنبلة يدمر بها الفرس تحت حجة نُصْرَة الدين.

أتَفهَّمُ كم يبدو تَعليق مثل هذا المتابع محبطا لصديقي البلوشي ، فالأخ الوهابي لا يهتم أبدا بمعاناة البلوش ، كل ما يهتم به هو تصفية حساباتهم التي يظنون أنها أيديولوجية ، بينما الحقيقة واقعيا لا يوجد خلاف بين آل سعود و الفرس من الناحية الدينية ، الاثنان وجهان لعملة واحدة تماما ، فقط الفرق أن آل سعود لهم تبعية مطلقة لأمريكا و يلعبون دورهم بحماقة ، و الفرس لهم تبعية جزئية لها و يلعبون دورهم بإتقان عبر كسب اليهود الإيرانيين في إسرائيل لصفهم. و كلا الفريقين لا يريد خير للأمة ، وكلاهما يتسترون بالدين لأجل بلوغ مصالحهم السياسية و القومية و العنصرية.

الجمهور الوهابي ، صاحب التبعية العمياء لكبرائه لا يهتم لمعاناة البلوش شأنه شأن حكومته ، لذا هو لا يرى أن باكستان عدوة ، حتى وأن قتلت البلوش ، و حتى أن دمرت و شوهتهم بأسلحتها المحرمة دوليا ، لأنها مسلمة في نظرهم ، ولأنها في حقيقة الأمر حليفتهم القوية ، وأيضا هي تحت حماية أمريكا المباشرة ، ولو كانت إيران تملك تحالف سياسي مع آل سعود فأننا لن نجد أي التفاتة من الجمهور الوهابي ولا الإعلام الوهابي لقضية البلوش في الشطر الإيراني أبدا.

لم يكن الفرس يوما مع الإسلام وهو أمر لا  يحتاج ذكاء ولا خبرة سياسة ، وهو أمر لا يخفى إلا على الحمقى ، لكن باكستان وهي الحليف القوي و القديم للدولة السعودية ، والتابع المطيع جدا لأمريكا حتى قبل قضية أخراج السوفييت من أفغانستان ، تلعب دورا خطيرا في السيطرة على بلوشستان ، دورا لا يتمتع بالإنسانية ولا المسؤولية أبدا ، وهي لا تقل وحشية وعنفا عن الفرس المتشيعين أبدا ، فكلاهما لا يهتمان لا بالناحية الدينية ولا بالناحية الإنسانية وكل همومهم سياسية بحته تتستر بالدين .

إقليم بلوشستان إقليم واسع و غني بالذهب ، وربما بمعادن أخرى ، كما يتمتع بموقع إستراتيجي مهم جدا . وهذا لم يكن خيرا على البلوش بل لعنة ، جعلت وطنهم يقسم بين ثلاث دول ، أثنين منهما هما أخطر أنظمة ، أعني باكستان و إيران. وجعلت البلوش يشتتون في البلدان ، ومن بقى منهم في أرضه فأنه يعاني و يسام العذاب من جميع المحتلين له. إضافة لممارسة التجويع و التهميش والإفقار للإقليم وأهله.

من الصعب جدا أن تجد عائلتك مقسمة بين ثلاث دول ، وأن تحتاج لعبور الحدود وأوراق ثبوتية لتتجول في وطنك . هذا ما يحدث لأهل فلسطين و أهل بلوشستان على السواء ، لكن بينما فلسطين محتلة من عدو صهيوني مخالف لنا في الدين و القيم ، فيمكنك أن تتفهم عدوانيته لك ، و وحشيته تلك ، لكن كيف تفسر وحشية أخوك في الدين ؟

و ظُلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً
على المرءِ من وقْعِ الحُسامِ المُهنَّدِ[1]

لستُ ممن ينادي بانفصال أي أحد ، فأنا أعلن أن لا خير في أمة مجزَّئة ، وأعلم تماما أن العدو البريطاني قسمنا أجزاء  كثيرة قبل رحيلهِ  ليسهل بذلك التحكم فينا ، عبر زرع الفتن و القلاقل بيننا عبر حكام هم في أصلهم عملاء ، أو أناس لا تهمهم ألا كراسيهم ، وحتى منهم من وجدت فيه نخوة ، فهو ضعيف لا يستطيع أن يواجه كل هؤلاء الأعداء وعملائهم وحده لان مصيره لن يكون أفضل من أولئك الذين تمردوا على العدو قبله. لست ممن يدعو للانفصال ، ولا أتعامل مع الأمر بازدواجية معايير ، لكني كلما تأملت واقع بلوشستان أجد أن لا حل لهم ألا توحيد إقليمهم وخروج جميع المحتلين عنهم .

لعلهم لو كان إقليمهم غير مُقسم ، و لو كانت الدولة التي احتوتهم تتعامل معهم بعدل وإنصاف وإنسانية ، لعلهم ما طالبوا بأي انفصال ، ولا تمردوا عليها ، فهم ليسوا طائفيين ، ولا يكرهون وحدة الأمة ،  البلوش شعب طيب ، وكثيرا ما أثبت حبه و ولائه لأمته الإسلامية ، لم يكونوا عنصريين ولا طائفيين رغم تمسكهم بدينهم ، و  لديهم قابلية عالية للتعايش[2] مع الجميع ، و علاقتهم بالعرب عبر التاريخ  كانت أقوى بكثير منها عن باقي الأمم و الشعوب.  لكنهم لم يستطيعوا تحمل الذل و الألم و الوحشية ، لذا فقد ثار الشعب البلوشي من أجل وحدة أراضيه ، ومن أجل لمِّ الشمل لأبناء شعبهم ، ولأجل العيش الكريم و الإنساني .

ما يؤسف حقا أن الأخوة البلوش يعولون على الحكام العرب متأملين نصرتهم ونجدتهم لما بينهم من تاريخ عريق مشترك ، ولما يجمعهم من أخوة في الدين ، لكن الحكام العرب لا يهتمون لذلك ، هم مجرد دمى تحركها أمريكا متى شاءت و كيف شاءت و أينما شاءت . و القليل من أولئك الحكام العرب الذين يحملون بعض النخوة وحب الخير لا يحبذون المغامرة بأوطانهم و بعروشهم ، فهم يعلمون أن لا سند لهم ولا ظهر من الحكام العرب ، فقد حارب صدام إيران بالنيابة عن الجميع ، و كانوا يصفقون له ، ثم حين تمرد على أمريكا وحلت عليه لعنتها ، وقفت البقرات الحلوب تدر المال لحرب أمريكية المبالغ فيها ضد بلد شقيق ، نعم أخطأ صدام في الكويت ، لكن لا يعني أبدا أن تسلم وطنا فيه أهلك و أفراد من أمتك لعدو تعلم أنه لا يريد لك ولا لأمتك خيرا. وفعلوا ذات الشيء مع معمر القذافي ،  وهم يكررون ذات الشيء مع بشار الأسد. ليس كما يدعون من أجل أهل تلك البلدان ، و أنما هي حرب نيابة عن أمريكا فقط ، وكل أدعائهم  فيها (حق أريد به باطل).

أي حاكم عربي سيتجرأ لمساعدة بلوشستان بدون رغبة أمريكية سيتم تدميره بطرق ما ، حسب ما سيكون متاح ، منها تأليب البقرات الحلوب على حرب بلاده تحت مسميات كثيرة . لذا لن يغامر أي حاكم هذه المغامرة الكبيرة لا ضد إيران ولا ضد باكستان.

المؤلم أكثر أن ترى من تظنهم أخوان لك يحاولون تحريضك و تجييشك ليس لأجل مناصرتك ، ولا تفهما و اهتماما بقضيتك ، بل لتصفية حساباتهم مع عدوهم عبرك أنت ، يريدون منك فقط أن تكون حزاما ناسفا تقلق عدوهم بل وتدمره دون أن يكلفهم الأمر أي شيء ، الهند تحرض البلوش على باكستان من أجل الانتقام من باكستان ، فالكل يعلم العداوة بين الهند وباكستان منذ انفصال باكستان عن الوطن الأم "الهند" و ما تبعها من قضايا ليس أقلها قضية "كشمير". و الوهابية يحرضون البلوش على إيران بسبب العداء الظاهر بين القطبين الشيعي و الوهابي.

صديقي البلوشي ، أيها الرجل الوطني النبيل ،  أعلم أن كلامي لا يمنحك الأمل بل  الإحباط ، لكن علمي بمدى وجعك ووجع قومك بسبب الفرس و بسبب باكستان عبر هذه السنوات الطويلة ، يدفعني للحديث بصراحة و واقعية ، هم لن ينصروك ، كل ما يفعلونه هو الكلام و الكلام فقط ، و أن اتخذوا خطوة لدعمكم بالسلاح أو المال في يوم ما ـ ولا أتوقع أن يحدث هذا ـ فأنهم سيتخلون عنكم في منصف الطريق أن وجدوا مصالح أخرى . فقد اعتادوا على بيع البشر ، و الاستغناء عن الإنسانية ،و تضييع الأوطان ، فلا تغرنك منهم الشعارات الدينية ، فالدين معدوم في أوطانهم لذا لا تنتظر أن ينصروه خارجها.

صديقي البلوشي النبيل ، لا تعول علينا ، فنحن لا نملك لكم نفعا ، كما لم نملك نفعا لفلسطين ، و أعْلامنَا العربي لا يهتم بقضايا الأمة ، كل همه الصراع المذهبي ، و التطبيل للحكام فقط ، و علماء الأمة غير موجودين ، فقد ماتوا منذ أن مات أخر تابعي من أتباع صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم ، و أما من بقي منهم فهم مجرد متلبسين لعباءة الدين ، و مجرد سدنة لأصنامٍ تحكمنا .الحكومات العربية لا تهتم لا لوطن ، ولا لأمة ، ولا لدين ، تهمها مصالحها وعبوديتها لأمريكا و العمل على راحة بال الصهاينة في فلسطين ، و الشعب العربي مشغول فيمن هو  أجمل مِن مَن . و من هو من أتباع الفرقة الناجية ، لم يعلموا أن جميعهم لا يمثلون الدين وأنهم يجسدون الوليد بن المغيرة و أبو لهب فقط . صفوةٌ صغيرة  جداً هي من تمتلك الغيرة لكنها مستضعفةٌ في الأرض مثلكم ، يحاربها الجميع : الحكام ، و الإعلام ، و شيوخ السلطان ، و العوام ، فهي لا تملك شيء يمكنها أن تنفعكم به.

صديقي للأسف لا نملك إلا الدعاء أن ينصركم الله ، وأن يحفظكم ، و أن يعود لكم وطنكم حراً .  أتمنى من كل قلبي أن تركزوا جهودكم على العواصم الغربية و أمريكيا ، فلعلكم تستطيعون إحراجها بشكل من الأشكال حتى تضغط على باكستان حليفتها وتابعتها القوية ، وعلى إيران حليفتها وشريكتها الخفية ، ليعود لكم وطنكم العظيم.

أعلم أن الغرب ليس إنسانيا في سياسته ، لكن تبقى هناك بعض الطرق التي لعل وعسى يجدي انتزاع الوطن و استعادته عبرها . هم غالبا سيركزون على الجانب الإيراني من وطنكم ، ليس لأنهم يحبون لكم الحرية والأمن و السلام والكرامة ، لكن لأجل إذلال إيران فهم لا يريدونها شريكا ، بل يريدونها تابعا لهم ، شأنها شأن الدول العربية. لكن الفرق بين الغربيين و بين العرب ، أن الغرب بيدهم القرار ، بينما العرب مجرد بقرات حلوب و إمعات ، عبيد يفعلون ما يؤمرون ، و الدليل واضح اليوم ، وهي حربهم على إيران في سوريا و اليمن ، بينما يتركون فلسطين ترزح تحت ألم الصهيونية حليفتهم المفضلة.

صديقي البلوشي أني أعتز بوطنيتك العظيمة و أخلاصك ونقاء سريرتك ، و يعتصرني الأسى و أنا لا أجد في رسالتي أي شيء قد يمنحك الفرح و البشرى ، فنحن قوم نسينا الفرح و البشائر الطيبة ، و لم نعد نعرف إلا النعي و الجثث و القنابل و الدماء ، نهدم بيوتنا بأيدينا و أيدي أعداء الأمة ، أننا اليوم معول لعدو الأمة فقط.

ناضلوا في أرضكم ، فأنتم تملكون الشجاعة العظيمة لذلك ، و حاولوا استمالت الغرب لقضيتكم ، لعلكم تبلغون مطلبكم . و أعتذر بشدة عن خذلاني و خذلان قومي لكم.


[1] - البيت للشاعر العربي طَرَفة بن العَبد.
[2] - يعتنق أهل بلوشستان الدين الإسلامي وهم من أتباع المذهب الحنفي.

ليست هناك تعليقات: