الثلاثاء، 26 أبريل 2011

أنعدام الوعي السياسي عند الشعب العربي




" من نظر في العواقب سلم من النوائب "

حكمة عربية




أن ما يدور من أحداث فيما أعقب ( ثورة الشعب العربي ) على حكامه تأكد على عدم الوعي السياسي لدى هذا الشعب ، وهذه للأسف الشديد هي الحقيقة .

وعلى الرغم ما رأينه ـ مثلا ـ من وعي جميل تألق به ( الشباب التونسي )  و( الشباب المصري ) أثناء ثورتهم نجد أنه ما أعقب الثورة كان مخيباً للآمال بصدق ، وذلك يعود لعدة عوامل :

-    الشعور بالظلم المكبوت لسنوات طويلة الذي تذوقه هذا الشعب من حكامه جعله لا يحمل ثقة لأي سلطة كانت .
-    عدم وجود قيادات حقيقية سبق لها ممارسة السلطة ، إلا قيادات قليلة يمكن وصفها بأنها مقبولة من جانب الشعب وهي في الغالب قيادات مارست السلطة بشكل هامشي بحكم الوجود الدكتاتوري للسلطة وكذلك كانت ضمن فلك السلطة السابقة المرفوضة من الشعب وأن كانت قد ظهر منها من مواقف في أثناء وجودها في مناصبها ما يجعلها مرحب بها من الشعب .
-    الوهم الذي عاشه الغالبية الساحقة من الشعب المشاركون للثورة ، فللأسف الغالبية الساحقة تعيش وهم أن الثورة هي عصى سحرية وبمجرد أن تتم سيتحول الوطن إلى جنة النعيم ، وهذا أمر لا يقبله عقل ولا منطق . فهناك من التراكمات السياسية و الاقتصادية وحتى الاجتماعية ما تحتاج لسنوات لأزالت أثارها حتى لو تسلم السلطة أشرف الناس وأذكى الناس ، لكن للأسف الشديد يتناسى الشعب هذه الحقيقة أو يتجاهلها أو أنه يجهلها .
-    يظن البعض أن السلطة والحكم أمر هين سهل ، وما هو إلا برتوكولات و قوانين و برستيج فقط ، ولا يعلمون أنه حمل ثقيل ، وهم طويل ، وتفاصيل مملة تأخذ من المرء عمره وتصرفه عن حياته . وأن أردت أن تفهم ولو جزء مما تعنيه مسؤولية الحكم أنظر لمسؤوليتك لعائلتك ، فرب الأسرة هو مثال صغير جدا لحاكم الدولة ، أنظر مدى الضغط النفسي الذي تتكبده والإرهاق الجسدي الذي تناله ، قد يقول قائل لكن الحاكم يأمر فيتم له ما أراد ، صحيح ، ولكن ليس هذا دون تكبده العناء والمشقة النفسية التي تنعكس على راحته وصحته الجسدية ، حتى وأن لم يكن عادلا أو نزيها ، فأنت كحاكم تتعرض لضغوط كثيرة داخلية وخارجية ، وبأشكال شتى ومخاطر جما ، بالإضافة إلى الارتباطات المختلفة التي تظهر في الإعلام أو لا تظهر ، فحياة الرئيس أو الملك ليست تمجيد وحفلات و بهرجات فقط و أنما هناك خلف الستار أشياء كثيرة وخبايا عظيمة تدور يجهلها أكثر العامة .
-    صرنا نرى المظاهرات و الاعتصامات و قد غدت مجرد موضة ، أو أسلوب لهو ، والمضحك أن مسألة وجود أبطال أوجدتهم ظروف الثورة صارت تستهوي كثيرين ممن ليس لديهم أي فكر أو أهداف أو أيدلوجيات سياسية واضحة ، أنما رأى الناس ففعل مثلهم ، وقد رأينا من الناس من صار يفرض اعتصامات لأجل أمور سابقة لأوانها أو أمور تافهة أو أمور غير منطقية يطالب بها الدولة كالذي ما صدق أن وجد نفسه ذا هيبة فقرر أن يرعب بها من هابه ، شأنه في ذلك شأن الطفل الذي استهواه أمر فصار يكرره حد السأم . وهذا يظهر بجلاء مدى اللاوعي السياسي في الوطن العربي .
-    أن الوجود السلطوي السابق لم يعطي مجال بممارساته القمعية و المحسوبية والفساد لم يعط مجالا لوجود ( وعي سياسي ) لدى المواطن ، لذا أدرك الشعب بعد الثورة حقيقة مُرَّة ، وهي أنه لا ( مرسى حقيقي )  ليرسوا عليه الشعب بعد ( طوفان الثورة ) ، وكأنما ألقي على شاطىء صحراوي عقيم ، لا شجر ، و لا ظل ، و لا ماء ، و لا أرض ثابتة يقفون عليها ، ولم يعي لها إلا القلة ممن حباهم الله بعقول عاقلة وحكمة ، لذا فعليكم أن تعطوا مجالا لأنفسكم وللسلطة لتستطيعوا إيضاح معالم الأمور و بناء المسالك الثابتة للخروج من الأزمة .

أيها الشعب العربي أن لم تعطي من عينته  مساحة  و مندوحة من الوقت حتى يُظهر جدارته من عدمها فأنت لن تنال إلا الخسارة المضاعفة من تعطيل مصالح الدولة وتدمير اقتصادها معينا بذلك عدوك وعدو دولتك على دولتك من حيث تدري ولا تدري .

حقيقة أنا ضد الاعتصامات والمظاهرات ، لكنها كانت ضرورة في حينها أما الآن فيجب أن نظهر وعيا أكبر ونعطي مجالا أوسع لمن أوجدناهم بقوتنا في السلطة . فالآن آن أوان استخدام سبل أخرى لتحقيق مآربنا منها البرلمان المنتخب ، وصدقوني فالسلطة فهمت أن الشعب ليس رماد لذا هي تعلم علما يقينا أنها أن عادت لما كان فيها أسلافها من تسلط ودكتاتورية فسينالها ما نال أسلافها .

أحبتي  وكما جعلتمونا نفخر بتضحياتكم ووعيكم أيام محنة الثورة فأنتم أجدر أن تجعلونا نفخر بوعيكم السياسي في هذه المرحلة الأصعب ، أوطاننا مجروحة بل محطمة فلا تكونوا عونا على أوطانكم وتكون بذلك يدا مع عدوكم عليكم فتكونوا كالذين يخربون بيوتهم بأيديهم ، الآن هو وقت الصمود الحقيقي و ( العطاء الحقيقي ) ، الآن ( وقت الإنجاز ) أكثر من أيام الثورة . صدقوني أنتم تخوضون في ( فتنة ) من حيث لا تدرون فأن مضيتم في عزمكم هذا ستظهر لكم تجليات هذه الفتنة وستمضون في طريقٍ الرجعة منه لن تكون سهلة ، وستقعون فيما لا يحمد عقباه .

فوالله أن النفس ما عادت تحمل من التفاؤل اتجاه الثورات العربية التي لم تُحسم بعد ، وصرنا نتوجس خيفة أن الحال لن يكون أفضل مما نراه في تونس ومصر وربما ليبيا ـ لا قدر الله ـ و أن مصير ( الفوضى ) هو الذي ينتظرها .

وأسفي أشد الأسف على ( ليبيا ) و ما آلت إليه ، فهل لتتخلصي من جبروت القذافي تأتين بالعدو لدارك يا ليبيا يا أرض المجاهدين ؟  لا يمكن لأحد أن يقول أن جلب الغربيين ضرورة فالعاقل يعلم ( أن الذئب لا يُهرول عبثا ) والغرب لا يأتي إلا لمصلحة وويل من تكون للغرب عنده مصلحة ، أن مجرد استخدام السلاح من قبل الثوار جعل الثورة وشرعيتها شيء مكروها عند الغالبية الساحقة في الوطن العربي ، فوالله لقد سمعت الكثيرين ممن يبتهلون إلى الله حين رأوا أمريكا تتدخل قالوا : ( يا رب أنصر القذافي ) فأي مرارة يستسيغها القلب التي تجعل الناس يتمنون النصر للجبار إلا خشية من هو أشد جبرا وبطشا منه ؟ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

أن ( الوعي السياسي )  ليس بالمعادلة الصعبة ولا المستحيلة ، أن كل ما يحتاجه الوعي السياسي هو :

·       الحب المخلص للوطن .
·         التفاني  لأجله  .
·        التخلص من الأنانيات وحب الذات  .
·        أن تعي  أن الوطن ملكك أنت  ، وملك لأهلك وأبناءك .
·    وأن الوطن هو بيتك الكبير ، وأن حبه يجب أن يسمو فوق كل فرد فوق كل مصلحة ، وهذا بدوره يفتح بصيرتك للمسلك الصحيح الذي يجب أن تسلكه . الوعي السياسي لا يتطلب مجرد دراسة للعلوم السياسية أو القانونية أو الاجتماعية أو اقتصادية ، رغم أننا لا نقلل من أهمية الوعي بهذه الأمور لأنها تجلي الأبصار .

أخيرا ...

يكفي الوطن ما به من حُطام ، ولا يغرنكم أصحاب العقول الصغيرة قصيري النظر ، ولا يغرنكم الطامعون في السلطة الطامحون للمجد على حساب الوطن .

أرجوكم أخواني أمنحوا الوطن السلام و أمنحوا أنفسكم ، فوالله مما رأينا من أحداث أعقبة الثورة في تونس ومصر وليبيا خصوصا جعل أنفسنا تمقت الثورة بعد ما كنا نراها خيرا ، ولكنها جاءت شرا لأنها لم تجد المخلصين ليمضوا بسفينتها لبر الأمان.

اللهم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم أسألك بعظمتك ورحمتك يا رب أن تقي وطننا العربي الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن تنشر السلام و الطمأنينة وأن تعيد له الأمن والأمان ، و أن ترزقنا بفضلك الازدهار والعزة ، اللهم بعزتك آمين .